عاجل

حسن الخلق

  • 241

يقول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: "وإنك لعلى خلق عظيم".
والمعنى إنك لعلى الخلق الذى آثرك الله به فى القرآن، وفى "الصحيحين" أن سعد بن هشام سأل عائشه رضى الله عنها عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: كان خلقه القرآن، فقال: لقد هممت أن أقوم ولا أسأل شيئا.
 
مكارم الأخلاق
جمعها الله فى قوله تعالى: "خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين".
 
قال مجاهد : يعنى خذ العفو من أخلاق الناس وأعمالهم  من غير تخسيس ولا تقليل، بل يجب قبول العذر والعفو والمساهلة وترك الاستقصاء فى البحث والتفتيش عن حقائق بواطنهم،أى يأخذ منهم ما سهل عليهم وطوعت له به أنفسهم سماحة واختيارًا، ولا يحملهم على العنت والمشقة فيفسدهم .
 
فضيلة حسن الخلق
1-   عن عائشة رضي الله عنها قالت كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن - رواه أحمد ومسلم وأبو داود، وزاد مسلم يغضب لغضبه ويرضى لرضاه.
 
2-   عن أنس  رضي الله عنه  قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسنَ الناس خُلقًا"؛ متفق عليه.
 
3-   عن النواس بن سـمعـان رضي الله عـنه، عـن النبي صلى الله عـليه وسلم قـال: " الـبـر حـسـن الـخلق، والإثـم ما حـاك في نـفـسـك وكـرهـت أن يـطـلع عــلـيـه الـنـاس" رواه مسلم.
 
4-   عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحا، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه."حسنه الألباني رحمه الله تعالى.
 
5-   عن أبي الدرداء رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال" : ما من شيءٍ أثقلُ في ميزان المؤمن يوم القيامة من حسن الخلقِ ، وإن الله يُبغضُ الفاحش البذيء"رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح. وصححه الألباني في صحيح الجامع .
 
6-   عن أبي هُريرة رضيَ اللَّه عنه قال : "سُئِلَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم عَنْ أَكثرِ مَا يُدْخلُ النَّاس الجَنَّةَ ؟ قال : ( تَقْوى اللَّهِ وَحُسنُ الخُلُق )، وَسُئِلَ عن أَكثرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ النَّارَ فَقَالَ: (الفَمُ وَالفَرْجُ)" .رواه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح.
 
7-   عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ‏"‏ إنَّ مِنْ أَكْمَلِ الْمُؤْمِنِينَ إيمَانًا أَحْسَنَهُمْ خُلُقًا ‏,‏ وَأَلْطَفَهُمْ بِأَهْلِهِ ‏"‏ ‏أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ.
 
8-   وَعَنْهَا رضي الله عنها سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ‏"‏ إنَّ الْمُؤْمِنَ لِيُدْرِكَ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ ‏"‏ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ.
 
9-   عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنهما قَالَ: ‏"‏ لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَاحِشًا وَلَا مُتَفَحِّشًا ‏,‏ وَكَانَ يَقُولُ إنَّ مِنْ خِيَارِكُمْ أَحْسَنَكُمْ أَخْلَاقًا ‏"‏ ‏فِي الصَّحِيحَيْنِ وَالتِّرْمِذِيِّ .
 
10-                      عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ‏"‏ اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْتَ ‏,‏ وَأَتْبِعْ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا ‏,‏ وَخَالِقْ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ ‏"‏ رَواهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ .
 
أركان حسن الخلق
1)   الصبر : يعين على كظم الغيظ والحلم الرفق واللين .
 
2)   العفة : تحمل على اجتناب الرذائل والحياء، وتمنع من الفحشاء والبخل والكذب .
 
3)   الشجاعة : تقوى فى صاحبها عزة النفس والبذل ومعالي الأخلاق، وتحمل على كظم الغيط والحلم .
 
4)   العدل : التوسط بين طرفى الإفراط والتفريط .
 
أركان سوء الخلق
 
1)   الجهل : يرى صاحبه الشيء مقلوبًا، والمرء عدو ما يجهل .
 
2)   الظلم : يحمل على وضع الشيء فى غير موضعه .
 
3)   الشهوة : تحمل على الحرص والشح والبخل وعدم العفة .
 
4)   الغضب : يحمل على الكبر والحقد والحسد والعدوان .
 
فساد الخلق
"كل خلق محمود وسط بين خلقين ذميمين"، فالبخل بين الجود والتبذير، والذل والمهانة بين التواضع والكبر والعلو؛ لذلك ففساد الخلق من إفراط النفس فى الضعف فيدفعها إلى المهانة والبخل والخسة واللؤم والذل والحرص والشح،أو إفراط النفس فى القوة فيدفعها إلى الظلم والغضب والفحش والطيش .
 
والأخلاق الذميمة يولد بعضها بعضا ، كما أن الأخلاق الحميدة يولد بعضها بعضا، ولا ننسى أن صاحب الخلق الوسط أى الحسن مهيب محبوب عزيز جانبه .
 
مدار حسن الخلق
كن مع الحق بلا خلْق، وكن مع الخلْق بلا نفس، وكن مع النفس بتزكيتها ومعاقبتها.
 
ومن لطائف شيخ الإسلام بن تيميه قوله : "النفس جبٌّ مليء بالقاذورات كلما نبشته ظهر وخرج، ولكن اسقف عليه واعبره فإنك لن تصل إلى قراره، وآفات النفس مثل الحيات لا تنشغل بقتلها، بل أعرض عنها إلا ما يعوقك فى السفر فاقتله ثم امض فى سيرك" .
 
درجات حسن الخلق
 
الدرجة الأولى :أن تعرف مقام العباد الفقراء وأنهم بأقدارهم مربوطون؛ فيستفيدون بالاجتهاد فى أن يأمن الخلق من شره، وأن يكتسب محبة الخلق له ويستعين بالله إن كان سببًا لنجاة الخلق به؛ لهذا فهنا قاعدة عظيمة النفع " إدراك العبد أنه إذا بدا من الخلق فى حقه تقصير أو إساءة أو تفريط فلا يقابلهم بمثلها، ولا يخاصمهم، بل يغفر لهم ذلك ويعذرهم نظرًا لجريان الأحكام الكونية القدرية عليهم، وإن كانوا مخالفين للأحكام القدرية الشرعيه تجاههم؛ فيشهد عذرهم قدرًا كونيًا، ويشهد جنايتهم على نفسه بأن الله سلطهم عليه لمخالفته لأقدار الله الشرعية؛ فيستغفر ويتوب ويرضى بقضاء الله فتقل الخصومة وتجتمع القلوب "،   ومن هنا يستطيع صاحب الخلق الحسن أن يكون ذا قوة وشكيمة وفتوة ويحقق مكارم الأخلاق كما فى الحديث عن جابر رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ومحاسن الأفعال " "صحيح الأدب المفرد" وصححه الشيخ الألبانى .
 
ولابد لوقوع الأذى من الغير، ولابد وربما غدًا يقع منك ذلك على غيرك؛ ومن هنا ينشأ حب الانتقام والتشفى وإثبات الذات؛ وذلك يشغل القلب والفكر، ويضيع الأجر ويوغر الصدور، ويمنع صعود العمل إلى السماء، ويحرم صاحبه مذاق الإيمان، ويورث الحياة مع سوء الظن وسواس الشيطان ويؤدى إلى الطغيان والظلم، ويشغل عما هو أولى، ويحرم المظلوم أن يكون أجره على الله " فمن عفا وأصلح فأجره على الله "، ويزرع الغل والحقد والحسد فى القلوب، ويدفع البعض لنصرة المظلوم بظلم أعلى، ويتطاير شرر حب الانتقام فيفرق بين الأحبة ويخرب دورًا وزروعًا وثمارًا، ويسبب ولاية الشيطان ومرض القلب والسقوط فى هوة النفس وظلمات الطبع، ويحرق رصيد العمر، ويطفئ نور القلب، ويفقد الإنسان معية ربه. فياغوثاه من تغير الحال وسوء المنقلب والمآل! فلابد من يقظة تنير العبد طريقه وتهديه إلى أن خير الناس أنفعهم وأعذرهم للناس، وأن العاقل من كان فى حاجة غيره " ادفع بالتى هى أحسن " .
 
الدرجة الثانية : الاجتهاد فى تحسين خلق العبد مع ربه على الدوام وذلك بـ:
 
1)   العلم بأن كل ما يأتى منك يوجب عذرًا . 
 
2)   واليقين بأن كل ما يأتى من الحق سبحانه يوجب شكرا .
 
3)   الوفاء بالعذر والشكر عقد لازم ليس بعارض ولا مؤقت؛ فالله رؤوف بعباده على الدوام ،وأسمائه حسنى وصفاته عليا فى كل وقت وآن، فمن عاش متعبدًا بأسماء الله وصفاته لا يضعف عذره واستغفاره، ولا يقل شكره وحمده، ولا يسيء أدبه.
 
الدرجة الثالثة :
 
1-   تصفية الخلق من كل شائبة وكدر.
 
2-   يكون مع الحق بلا خلق.
 
3-   ومع الخلق بلا نفس.
 
بذلك يسمو صاحب الخلق الحسن ويصبح فتى قويًا فى الحق، ويرتقى مرتبة الفتوة التى منتهاها أن يعتذر لمن أساء اليه .
 
                                     
 
منزلة الفتوة (الحياة على مكارم الأخلاق)
 
وهى من ثمرات حسن الخلق وحقيقتها:
 
1)   الإحسان إلى الناس.
 
2)   كف الأذى عنهم.
 
3)   احتمال أذاهم.
 
فالمؤمن أرض خير لين الجانب يسع الناس بخلقه، لا يترك لنفسه بينهم رتبة، الكل ينال من بره وخيره.
 
ونكتة الفتوة وأصلها ألا يشهد العبد لنفسه فضلا، ولا يرى لها حقا.
 
قلب الفتوة ومصدر غذائها :
 
1)   الانشغال بشهود نقصك وعيبك عن فضلك وخيرك.
 
2)   والغيب بشهادة حقوق الخلق عليك عن شهادة حقوقك عليهم.
 
3)   والانشغال بما يجب عليك من إحسان للخلق عن شهود إساءة الخلق بك .
 
4)   والانشغال باستقصاء عيبك ونقصك وما أوجبه من إساءة الغير إليك عن معرفة فضلك، وما يوجبه من إحسان الخلق بك .
5)    
مظاهر الفتوة ومكارم الأخلاق :
 
1)   ترك الخصومة بلسانه ولا ينوها بقلبه، ولا يخطرها على باله؛ هذا فى حق نفسه، وفى حق ربه يخاصم بالله وفى الله .
 
2)   التغافل عن الزلة.
 
3)   نسيان الأذية ممن نالك بأذى، ونسيان إحسانك إلى من إحسنت إليه.
 
ينسى صنائعه والله يظهرها         إن الجميل إذا أخفيته ظهرا
 
4)   أن تقرب من يقصيك، وتكرم من يؤذيك، وتعتذر إلى من يجنى عليك سماحة لا كظمًا، ومودة لا مصابرة ذلك.
 
 
 
لأن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم؛ فلا يرجع فى البيع وينتقم لنفسه، بل يحيا على البذل والصبر وحسن الخلق، راجيًا الثواب من الله تبارك وتعالى؛ وبذلك يدرك صاحب الأخلاق الحميدة درجة الصائم القائم لما يجاهد نفسه فى كبح جماحها وعدم الانتقام والتشفى، والصائم يكبح جماح نفسه لشهوة الطعام والشراب، والقائم يكبح جماح نفسه فى النوم والراحة؛ فتساوي حسن الخلق والصائم القائم فى الأجر لأنهم تساوا فى البذل ومعالجة النفس .
 
 
 
فيا حظ من قتل نفسه ليحييها فى الجنان، ويا تعاسة من أحيا نفسه ليرديها فى النيران .
 
قال تعالى: " فَأَمَّا مَن طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ".