اللهُمَّ ارحَمْها وتقبلْها في الشّهيدات

  • 137

أم أُوَيْس، تلك كُنْيَتها، فكم تمَنّت أن يرزقها الله بولد فتُسَمّيه أُوَيْسًا، وقف زوجها على شفير قبرها يُذَكّر الناس بالله - عز وجل - ويحذرهم من الركون إلى الدنيا، ويَذْكُر لهم كم أحبها في الله، وكم كانت له نِعم العون على طاعة الله؛ فقد رآها تعمل لدين الله عز وجل، زاهدةً في الدنيا، صابرة تتحمل البلاء وتتحمل أذى الناس، فقد كانت - كما يقول زوجها - جبلًا من الصبر، تجيد الصفح والعفو، كريمةً تتصدق بأنفَس ما عندها ولو كان بها خصاصة، تتقن فن التعامل مع زوجها، فقد وجد منها الحرص الشديد على إرضائه وإسعاده، ورأى فيها حسن التربية الأسَرية والدعوية، وقد ماتت وهو عنها راضٍ أشدَّ الرضا، وقد بلغ حُسْن عشرتها لزوجها أنْ أخبرني أنه عندما كان يدخل بيته يشعر كأنه في جنة.
 
حدثني زوجها أنها علمَتْه الزهد في الدنيا، فقال إن الدنيا كانت تجري خلفها وهي تجري أمامها، وكان المال آخر شيء تفكر فيه، ولم تطلب منه شيئا لنفسها أبدًا، وكانت دائمًا ما تستشهد بقول الله سبحانه: { وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ} [البقرة: 267].
 
بعث إليها أخوها مبلغًا من المال - ألفًا وخمسمائة جنيه - فتبرعَتْ به كله للدعوة، وتبرعَتْ مرةً للاعتكاف بمبلغ كبير، وقبل وفاتها بمدة يسيرة كان لها دَينٌ عند إحدى صديقاتها وكانت هي في حاجة شديدة له ومع ذلك لم تطالبها بسداده وقالت إن صديقتها قد تكون في حاجة إليه.
 
زارتْها صديقةٌ لها فوجدت عندها بيجامة [لباس مكوَّن من قطعتين يُلبس في البيت] فسألتْها صديقتُها عن ثمنها فما كان منها إلا أن أقسمَتْ عليها ألا تخرج من البيت إلا بها.
 
وحدثتني زوجتي أن أم أُوَيْس قد تصدقت قبل الزواج بسلسلتها الذهبية وذلك بعد سماع محاضرةٍ عن الصدقة ، والعجيب أنني عندما أخبرت زوجها بهذا الموقف قال إنها لم تخبره بذلك طوال السنين التي هي عمر زواجهما، وهذا يدل على حرصها على كتمان الصدقة.
 
وقد كانت  أم أُوَيْس - رحمها الله - نشيطة في الدعوة إلى الله عز وجل  - لا تُكَلَّف بعمل دعوي فتتخلف عنه أبدًا مهما بلغت مشقة هذا العمل، متميزةً في عَرضها للمادة العلمية مما كان سببًا في حب النساء لها، تُحفّظ النساء والبنات كلام الله، وكان حُسنُ خُلُقِها وسَمْتها والتزامها بزيها الشرعي وحرصها الشديد على عدم الاختلاط بالرجال سببا في التزام بعض النساء.
 
حدثني زوجها أنها كانت أحيانًا تُعِدُّ له خطبة الجمعة، وكان لها اهتمام بالفتيات الصغيرات، تهتم بتحضير الدرس من الكتب والشرائط، وتقوم بمتابعتهن عن طريق جدول متابعة مسجلٌ فيه اسم كل واحدة منهن. وقد كان لها دور كبير في أمانة المرأة في حزب النور بأبي حمص تقضي الوقت الطويل في تسجيل الأسماء وجمْع الاشتراكات من النساء وحِفْظ ذلك بمهارة على برنامج EXCEL  على الحاسوب.
 
رحلَتْ أم أويس - رحمها الله - عن هذه الدنيا بعد أن دخلها ولداها، فبعد انتظارٍ دام سبع سنوات رزقها الله بعُمَر وحمزة، تحققت أمنيتُها بعد عناء طويل وعمليات جراحية كثيرة وصراع مع المرض، تحققت الأمنية، جاء عمر وحمزة ولكنها رحلت قبل أن تضمّهما إلى صدرها كما تفعل الأمهات، فعند وصولهما كانت هي في العناية المركزة في المستشفى، ثم انتقلت إلى العناية الحرجة  ومنها خرجت إلى قبرها، لم تعانق ولديها اللذَيْن طال انتظارهما ولكن أسعدَها كثيرًا أنها رأتْ صورتهما على الهاتف المحمول، وأسعدها أكثر أن هذا الأمر كان سببا في سعادة زوجها الذي حدثني أنه لو رزقه الله بمائة طفل فلن يعوضوه عنها.
 
رحم الله الأخت غادة فوزي زوجة الأخ مختار أبو حليقة، رحم الله أم أوَيْس الداعية الزاهدة الصابرة وتقبلها في الشهيدات، ورزق زوجها الصبر والسلوان، وبارك في ولديهما عمر وحمزة وجعلهما من الصالحين المصلحين.