سقوط الدول..!!

  • 183

جعل الله للأمم والدول والحضارات آجالًا وأعمارًا كآجال الناس، فكم من أمم سادت ثم بادت، وكم من شعوب عزت ثم ذلت، وكم من دول قامت ثم انهارت، وكل ذلك بتقدير الحكيم العليم الذي يداول بين الناس بعدله وحكمته!
 
"وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ"، وهو الذى يحيى ويميت "وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا"؛ فالآية دلت على أن الله هو الذي يحدد الموعد والأجل لهلاك القرى وسكانها، فدمار الدول وخرابها دل أيضًا أن ذلك بأسباب من صنع أيديهم لما ظلموا؛ فالظلم من أعظم أسباب سقوط الدولة، وأعظمه الشرك بالله وتكذيب رسوله فإنه أعظم أسباب انهيار الحضارات ولو بعد سنوات بل قرون.
 
وأكثر الناس يتكلمون عن المؤامرات التى يحيكها الناس أفرادًا ودولًا لبعضهم على أنه السبب الأساسى لانهيار الدول، والذي لا شك فيه أن العوامل الداخلية هي السبب الأساسى لسقوط الدول قبل العوامل الخارجية أو المؤامرات التى تحاك ضدها؛ فإنه لم يوجد فى التاريخ دولة من الدول لا يحاك لها المؤامرات لإسقاطها، بل هذا أمر ضروري للدول قبل وجودها تماما.
 
فحين نرى المؤامرات تحاك ضد دولنا ومجتمعاتنا، نعلم أنه الأمر المعتاد الذي لو توقعنا غيره لكنا نعيش فى الخيال، والواجب علينا أن ننظر فى واقع مجتمعنا ودولتنا لنتجنب أسباب الانهيار، وليس وجود المؤامرات الخارجية بمبرر للسكوت عن الأسباب الحقيقية التى تنخر كالسوس فى المجتمع، والتى إن تركناها فنحن لا نحب بلدنا وأمتنا وشعوبنا، ولا نرجوا لهم الخير؛ فالنصح الواجب فى معرفة الأسباب الحقيقية ومعالجتها، ولا شيء أوضح من بيان القرآن والسنة فى أسباب سقوط الدولة.
 
أول ذلك كما درسنا الظلم الذى أعظمه الكفر والشرك بالله، وتكذيب الرسل فعندما يوجد فى المجتمع ووسائل إعلامه من يطعن في القرآن العظيم ويقول عنه إنه نص تاريخي يقبل النقد علنًا جهارًا، ثم لا تتحرك السلطة التنفيذية المسئولة عن تنفيذ الدستور والقانون والنظام العام والسلام الاجتماعي، ولا السلطة القضائية التي حصر قانون الحسبة دعوى أقامتها في النيابة العامة، ولا المؤسسة الدينية التي يجب أن تبين للناس صراحة حكم هذه الردة؛ فإن هذا من أعظم أسباب عقوبة الله للأمة، فإن الهلاك أقرب إلى من يسمح بذلك ولو كان باسم الرأي والرأي الآخر.
 
فغضبة لله يا سيادة الرئيس، وغضبة لله يا شيوخ الأزهر، وغضبة لله أيها النائب العام حماية للدولة والمجتمع.

أما عن الناحية السياسية الواقعية فإن مثل هذا هو من أعظم أسباب انحراف الشباب إما نحو الإلحاد وإما نحو التكفير للمجتمع والدولة التي تسمح بذلك مع أن دستورها يمنعه؛ إذاً فأنتم تجعلون مرجعية الشريعة حبرًا على ورق؛ ومن هنا ينشأ الصدام والعنف مع النظام بل ومع الناس كلهم!
 
2- وكذلك عندما يوجد من يريد إقناع الناس بأن دين الإسلام لا يلزم فيه "لا إله إلا الله محمد رسول الله"، خاصة الثانية فهي مسألة حسب كل شخص، ويمكن أن يكون مسلمًا ويدخل الجنة وهو يكذب الرسول صلى الله عليه وسلم، ويطعن في نبوته -سبحانك هذه بهتان عظيم- بل هذا كفر لا خفاء فيه، وهو تكذيب الله -عز وجل- الذي قال: (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ)، فهل من كذب الله يكون مؤمنًا؟! هذا من أعظم الظلم الذي يسبب هلاك الأمة وسقوط الدولة!
 
3- ثم ظلم العباد وبغي بعضهم على بعض من الظلم الذي يهلك الأمم ويدمرها، وعندما لا يسمع نصائح الناصحين في معالجة صور الظلم والبغي وبأسرع ما يمكن؛ فإن ذلك من أعظم أسباب انقسام المجتمع قال تعالى: " فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ".
 
فالانقسام الذي يحدث فى المجتمع بسبب البغي هو من أكبر أسباب الانهيار،  والمظلوم الذي بغي عليه لينصرنه الله ولو بعد حين؛ هذا مقتضى عزة الله وجلاله، كما أقسم عز وجل بذلك قال تعالى فى الحديث القدسي عن المظلوم: (وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين)، فأصغر مشارك فى البغي إلى أكبر مشارك كلهم يسارعون إلى السقوط والانهيار وإن زعموا أنهم يحافظون على كيان دولتهم وأمتهم.
 
4- من أعظم أسباب الهلاك والسقوط استباحة دماء وأعراض وأموال المخالفين، وهذا أعظم مظاهر الغلو وجعل الناس شيعًا، لا يرقب فى المخالف إلًّا ولا ذمة ولا حقوقا ولا عهودًا ولا مواثيق دولية ولا محلية، وإرادة العلو فى الأرض بذلك من أعظم أسباب السقوط؛ ولنفس السبب نتوقع هلاك "داعش" وأمثالها وسقوطها لأنها لا تعرف حرمة من خالفها، مهما كانت ديانته وكَلِمُه، بل باسم الدين تذبح الرؤوس وتنتهك الحرمات.
 
5- الخيانة والغدر تنافسًا على الدنيا من أعظم أسباب سقوط الأمم والدول، والصراع على الدنيا هو الذي يُدفع به الناس وربما بعض القادة أن يبيعوا للأعداء ولاءهم وتبعيتهم فتُفشى الأسرار وتُنقض الأيمان بعد توكيدها، وتخان الأمانة؛ فيكونوا جندًا للأعداء! وهل سقطت الأندلس إلا بذلك؟! وهل سقطت بغداد قديمًا على يد التتار وحديثًا على يد الأمريكان الإ بالخيانة؟! والذين يعملون لمصلحة الأعداء ضد مصلحة أمتهم ومجتمعهم ووطنهم ولا مانع عندهم من تعريض البلاد للفوضي وسفك الدماء هم من أخطر أبناء أعدائنا منا!
 
6 – الصد عن سبيل الله والدعوة إليه تحت أى مسمى كان هذا الصد؛ هو من أعظم أسباب السقوط " الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ"، "الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ"، "وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ"؛ فمن يمنع من يعلم الناس دينهم وكتاب ربهم وسنة نبيهم يساهم بأسرع ما يمكن في سقوط الدولة والمجتمع.
 
7- انتشار الفساد من الربا والرشوة والفواحش والتخريب والاعتداء على الناس ومصالحهم العامة والخاصة، والكذب والشائعات خاصة في وسائل الإعلام، وتتبع عورات الناس وفضحهم؛ كل ذلك من أعظم أسباب سقوط الدول.
 
8- انعدام تماسك المجتمع كالجسد الواحد حتى لا يشعر الغني بألم  الفقير، ولا الحر بألم الأسير، ولا الصحيح بألم المريض، ولا القوي بألم الضعيف، ولا القادر بألم العاجز؛ هذا من أعظم أسباب سقوط الدولة والمجتمع، فالذين يخططون لوقوع انهيار الاقتصاد حتى لو جاع الناس وهلكوا جوعًا ومرضًا وفقرًا ويقولون: "فلتُحرق البلاد وليمت الناس" يتحملون أعظم الوزر في مقدمات السقوط  وأسبابه.
 
فهلا فكرنا وخططنا وتعاونا جميعا لعلاج أوجه الضعف التي ذكرت؛ لننقذ بلادنا من هاوية خطيرة. نسأل الله أن يسلمها وأهلها منها!