ضوابط تجديد التراث عند شيخ الأزهر

  • 152

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
إذا طرحت قضية "تجديد التراث" أو ما شابهها من مصطلحات أمسك الكثير من المتدينين قلوبهم بأيديهم ليس بسبب أنهم يرفضون مراجعة الإنتاج البشري الذي أنتجته الأمة، وإعادة صياغة ما يلزم منه وفق الثوابت الشرعية كما يتوهم أو يحاول أن يوهم بعض العلمانيين؛ بل لأن بعض العلمانيين يطلقون الدعوة إلى "تجديد التراث" وغرضهم "تغيير التراث"، أو ادعاء نسبية الدين بأصوله وفروعه، فلا يبقى لهم من التراث إلا عبق التاريخ كما يتأمل الإنسان المعاصر صور الفلاح وهو يلهب ظهر ثوره بالسياط ليقود الساقية، أو يتأمل القرى التي بنيت من اللبن المضاءة بالمصابيح الزيتية أو بمصابيح الكيروسين.. مجرد تاريخ له عبق ولكن ليس له واقع!
 
وأما الواقع فليس مجرد الزراعة المميكنة والعمارات الشاهقة والأضواء الباهرة، وإلا فلا يوجد أحد يرى حرمة هذا دينيا إلا أبطال الأفلام والمسلسلات التي يكتبها هؤلاء.
 
وفى الآونة الأخيرة تجدد الكلام على هذه القضية، ونحمد الله على وجود وضع دستوري وقرارات تنفيذية تحيل الأمر إلى الأزهر الشريف، وأن فضيلة الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر له كتاب رائع في هذه القضية بعنوان "التراث والتجديد" بين فيه ضوابط قضية تجديد التراث بما يحافظ على الثوابت ويتعامل مع المتغيرات وفق هذه الثوابت.
 
ومما يزيد الأمر أهمية أن الكتاب قد أعيد طبعه مؤخرا كهدية مع مجلة الأزهر, أثنى عليه الكثير من علمائه مما يجعله ليس مجرد اجتهاد شخصي، والمطلع على هذا الكتاب سيجد أن له هدفين أساسيين:
الأول: بيان الضوابط التي تجعل قضية "تجديد التراث" قضية مقبولة لا تصادم الكتاب والسنة ولا تعادى تراث الأئمة.
 
الثاني: الرد على مشروع من أكثر المشاريع العلمانية رواجا لا سيما بين المثقفين المصريين، وهو مشروع الدكتور حسن حنفي الذى أطلق عليه عنوان "التجديد والتراث"، وقد بين فضيلة الإمام أن هذا المشروع تغيير للتراث وليس تجديدا له.
 
وسوف ننقل في هذه المقالة أهم الفقرات التي تبين هذه الضوابط وتجيب على أهم الشبهات، ونضع بعض الملاحظات التوضيحية بين قوسين مع تكبير العبارات الهامة:
 
وأول ما نبدأ به خاتمة كتاب الدكتور أحمد الطيب، حيث ختم بحثه بهذه الفقرة تحت عنوان "تعقيب" التي وضعنا نحن لها عنوان
 "ضوابط تجديد التراث والفرق بينه وبين تغييره"
 
قال فضيلة الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر:
"تعقيب:
وإذا كنا توقفنا عند كثير من نصوص التراث والتجديد- يعنى: مشروع التراث والتجديد لحسن حنفي-  فإننا نجمل وجهة نظرنا، وهي وجهة نظر شخصية بحتة فيما يلي:
أولا: ثمة فرق بين التجديد والتغيير، الأول: حفاظ على الأصول وإضافة إليها، ونفض لما يتراكم عليها من غبار يحجبها عن الأنظار، والثاني: هدم وبدء جديد من فراغ يتم تحت أي مسمى إلا مسمى التجديد، اللهم إلا إذا كان القصد تغييب الوعي أو خداع الجماهير.
 
ثانيا: إن التراث والتجديد ينتهي بنا في التحليل الأخير إلى المتاهات الآتية:
الأولى: اعتبار الإسلام «معطى تاريخيا وواقعة حضارية حدثت في التاريخ، يهمنا منه ما نشأ كحضارة، وليس مصدره: من أين أتى؟ تهمنا حضارته بعد حدوثه بالفعل، وتجديد التراث ليس هو البحث عن النشأة بل عن التطور».
الثانية: البداية العلمية للتغير تعني البدء بالواقع واعتباره المصدر الأول والأخير لكل فكرة.
الثالثة: تحريم عملية التغير على الطبقة البرجوازية أو من ينتمي إليها، وإسناد المهمة بكاملها إلى «الطليعة» المنتسبة نفسيا ونضاليا إلى الطبقة العاملة".
 
ومن حقنا أن نقرر أن التراث والتجديد في هذا الإطار نظرة خاصة وتشخصية إلى أبعد حد ممكن. وأنه لا يعبر عن آلام وآمال الجماهير، بل جاء تعبيرًا عن آمال فئة محدودة العدد جدًا إلى الحد الذي يسقطها من حساب النسبة والتناسب.. ومن حقنا أيضا أن نقول: إن تحديد التراث الإسلامي لا يحسنه إلا عالم ثابت القدمين في دراسة المنقول والمعقول، فاهم لطبيعة التراث المعقد، مدرك لطبيعة المناهج وأدوات التحليل الفكري المستخدمة في البحث والتقصي، وهل تتلاءم مع طبيعة تراث يعتمد على أصول ثابتة موجهة للواقع وحاكمة عليه، أو تتنافر معه منذ الخطوة الأولى من البحث.
 
والذي لا شك فيه أن «التراث والتجديد» - بل أكثر مشاريع التجديد- خلا من هذه الشروط الضرورية ونظر إلى تراثنا في أصوله الثابتة من منظار منهج تطوري، أُولى مسلماته: ألا ثابت ولا مقدم فلا شك أن تجيء النتائج كلها مضطربة متناقضة؛ الأمر الذي يجعلنا نتساءل عن أهداف مثل هذه الدراسات، وهل هي حقيقة تجديد لتراث الأمة الإسلامية وبحث عن هويتها وتأكيد لذاتها، أم هو استئصال لما تبقى من عناصر قوتها وحيوتها تأكيدا لاستمرار التبعية واستلاب الذات؟! كما سنجد أيضا أن مشروع التراث والتجديد قد أهدر كثيرا من دلالات النصوص اللغوية والتاريخية لحساب رؤية خاصة لم تحل الإشكال بل زادته اضطرابا وغموضا.
 
ثالثا: لا ننكر أننا في حاجة إلى «التجديد» بل مشكلتنا «الأم» هي غيبة التجديد، لكن شريطة الوضوح والفصل بين مجال الثوابت ومجال المتغيرات، والتفرقة الحاسمة بين أصول الدين وتراث أصول الدين. ومن المؤسف -حقا- أن نقرر أن ارتباط جماهيرنا بالتراث قاصر على مجال العبادات، بينما يختفي هذا الارتباط – أو يكاد- في مجال العلميات والاجتماعيات، وأنه لا يزال أمام دعاة المسلمين من أولي الفهم والوعي الكثير مما هو مطلوب لربط المسلم بتراثه في هذا المجال.
 
رابعا: لا أرى أن التراث هو المحرك لتصرفاتنا والمسئول الأول والأخير عن أزمتنا المعاصرة، بل أستطيع أن أنطلق من نقيض هذه الدعوى وأزعم أننا لا نستلهم تراثنا الإسلامي في كثير مما نفعل أو نترك.. وإلا فأين في أمتنا العربية - التي يعلقون تخلفها على مشجب التراث- أين فيها هذا المجتمع الذي تنضبط قواعد حياته على أصول الحلال والحرام في التراث؟ (يعنى: الشيخ بهذا كما سيتضح من الأمثلة أن مشكلتنا في مخالفة هذا التراث لا في اتباعه كما يدعي العلمانيون؛ وبالطبع فإن علاجنا يكون في العودة إلى جذورنا مع إعمال قواعد الاجتهاد الشرعي في المستجدات).
 
ولنضرب لذلك مثلا، موقف مجتمعاتنا الإسلامية من المرأة.. إن بعض هذه المجتمعات ينظر إليها في إطار «العورة» ويصادر في هذا الإطار كثيرا من حقوقها التي يقررها الإسلام - والإنسانية- في وضوح لا لبس فيه، هل هذا الموقف مقولة تراثية إسلامية أم هو مرض مزمن ورثناه من عصر ما قبل الإسلام؟! والبعض الآخر من مجتمعاتنا ينظر إليها في إطار غربي تختلط فيه الإيجابيات والسلبيات معا. فهل هذه نظرة تراثية إسلامية، أم هو انسحاق في تراث آخر غير تراث الإسلام؟! إن هذا أو ذاك تقليد وافد على تراثنا من خلف ومن أمام، ولا يستطيع منصف أن يلحق أيا منهما بتراث الإسلام. ونحن لا ننكر أن في تراثنا أقوالا منغلقة وفهوما قبَليّة قدمت لنا أحكاما خالية من روح النص ومقاصده، بل ومتعارضة مع روح النص ومقاصده. ولكن - وبكل التأكيد- ليس هذا هو التوجه السائد أو التوجه الأغلب في هذا التراث المظلوم.
 
وإذن فقدر كبير جدا من أنماط سلوكنا لا يعكس تراثنا الإسلامي بقدر ما يعكس إما تأثرات مزمنة من مجتمعات قبلية سابقة على ظهور الإسلام، أو تأثرات مستجلبة من بيئات غريبة، أو من خليط غير متجانس ولا متوازن بين هذين المصدرين المتضادين. فليس صحيحا ما يؤكده «التراث والتجديد» من أن سبب خلط الأوراق في أذهاننا هو أننا نعمل بـ"الكندي"، ونتنفس بـ"الفارابي"، ونرى "ابن سينا" في كل الطرقات، بل المشكلة فيما أرى أننا نعيش عصرنا وإحدى قدمينا في ميدان «داحس والغبراء» والأخرى في «البيكادلي والشانزليزيه»، وغياب التراث الحقيقي كان دائما مصدر الخلل، وستظل مقولاته الثابتة هي الحلقة المفقودة لاستعادة التوازن بين الماضي والحاضر". ا.هـ.
 
 
وبعد هذا النقل الذى يمثل ملخصا للبحث بأكمله نتوقف عند بعض النقول الأخرى التي تعالج بعض الجزئيات الأخرى، ومنها هذه الفقرة التي وضعنا لها عنوان
"الفرق بين نصوص الشرع المقدسة وباقي عناصر التراث البشرية"
قال فضيلة الدكتور أحمد الطيب:
"ولا تخطئ عين القارئ في هذا النص تسوية - مقصودة- (أي: عند الدكتور حسن حنفي) بين الدين والفنون الشعبية في تكوين نفسية الجماهير. وأن «الأغاني» أو قصص «أبو زيد» الهلالي -مثلا- تقف جنبا إلى جنب مع الدين وراء وعي الجماهير المسلمة وخلف سلوكياتهم وتوجهاتهم؛ فكل منهما رافد من روافد ثقافة الأمة، وكل منهما عنصر مكون لنسيج هذه الثقافة، وغاية ما هناك أن هذا فن ديني وذاك فن شعبي، إن هذه التسوية تهدف إلى تحطيم متعمد للحواجز الفاصلة في نفوس الجماهير بين جانب مقدس، وجانب لا يحظى بأية صورة من صور التقديس، وإن حظي باهتمام الجماهير وانشغالها بلهوه ليل نهار، ومن الغريب - حقا- أن صاحب «التراث والتجديد» برغم أنه لا يكف عن دعوى أحقيته في الحديث عن الجماهير والدفاع عنها، إلا أنه يتناسى أن الجماهير التي يتحدث عنها قد صُمم فكرها وشعورها ووجدانها ومخزونها النفسي على رفض هذا الخلط، وأنها لا تعرف فنا دينيا بالمعنى الذي صوره لنا صاحب «التراث والتجديد»، وإنما تعرف «دينا» له قدسيته وحرمته في القلوب، وتعي الفرق - الذي لا يعيه التراث والتجديد- بين الدين كحقائق إلهية، وبين قصص شعبي لا تدري إن كان مصدرا واقعا أم أساطير لا تمت إلى الواقع بأدنى صلة أو سبب، ومن الغريب اللامفهوم - أيضا- أنه بالرغم من تأكيد «التراث والتجديد» أهمية الفنون الشعبية في نفوس الأمة، وخطورتها التي تضارع خطورة الدين في وعيها وثقافتها، إلا أنه يصمت صمت القبور عن «الفنون الشعبية»، ولا يرى أنها مسئولة من قريب أو من بعيد عن الواقع المتردي لجماهير الأمة، بينما يعود بالتأثير كله إلى القسم الديني فقط من هذا التراث، ويحمله المسئولية كاملة عن كل ما أصاب أمتنا في عصرها الحديث من جهل وفقر وتخلف؛ مما يؤكد لنا أن التنظير بين الدين أو «القرآن الكريم» وبين الفنون الشعبية في هذا الموضع لم يكن من التحليل العلمي الذي يتسق فيه استنباط النتائج من مقدماتها بقدر ما كان محاولة لخلخلة «قدسية» الدين في نفوس الجماهير ليصبح معطى تاريخيا قابلا -برمته- لإعادة التشكيل لا معطى إلهيا فيه الثابت الذي لا يتغير، والمتغير القابل للتجديد.(أي: أن مقصود دكتور حسن حنفي هو جعل الدين كسائر عناصر التراث البشري كلها قابلة للتغير، بينما الدين أمر إلهي وليس أمرا بشريا، وفيه ثوابت لا تقبل التغيير، ومتغيرات تقبل التغيير في ضوء هذه الثوابت).
 
العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب
 
وأما هذه الفقرة فيعالج فيها الدكتور أحمد الطيب قاعدة "العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب"، وهو بذلك يغلق عليهم باب محاولة قصر آيات القرآن على أسباب نزولها فيقول:
"... وأن القاعدة الأصولية التي يعلمها الأستاذ - يقينا- (يعنى: دكتور حسن حنفي) التي تقرر أن «العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب» تنسف - من الجذور- محاولة ربط القرآن بالواقع ربط معلول بعلة؛ إذ في ضوء هذه القاعدة لا يصح الوقوف بمحتوى الآية عند حدود الحادثة التي نزلت الآية في جوها، بل تتخطى دلالة الآية- بما هي خطاب إلهي- حدود المكان والزمان التي أحاطت بتنزيلات الآيات القرآنية، ونحن لا نشك لحظة في أن «الأستاذ» يفقه كل ذلك وبأدق وأعمق مما ألمحنا إليه، ولكننا نتساءل: هل من قواعد البحث العلمي المجرد أن يحمل الباحث حكما مناقضا على موضوع البحث، ثم يروح يتلمس من عنوان عام أو مفهوم فضفاض «سندا» يرتكن إليه في تعميم الحكم بأن القرآن ابن الواقع وأثره ومعلوله؟!
 
إن الحقيقة البسيطة التي يعلمها الأستاذ إذ التزم بمنطق هذا التراث -أصولا وفروعا- هي: أن القرآن الكريم موجه للواقع، ومؤثر فيه، وحاكم عليه، بقطع النظر عما صاحب نزول بعض الآيات أو تقدم على نزولها من ظروف وملابسات، وأنه ليس شيء من الحوادث أو الوقائع بعلة في نزول شيء من القرآن، (بمعنى: أنه كلما افترضنا عدم حدوث السبب فلابد من أن نفترض معه ضرورة انقطاع هذه الآية، أو تلك، أو احتجابها عن النزول)، فمثل هذا التفكير قلب لأبسط قواعد فهم القرآن رأسا على عقب، ولا يمكن الجمع - بحال من الأحوال- بين القول بأن القرآن وحي من الله تعالى، والقول بأن القرآن جزء من الواقع أو معلوله، اللهم إلا إذا كان القصد الخفي وراء هذه التناقضات هو استبعاد «القرآن الكريم» من أن يكون عنصرا أو مقوما في مشروع النهضة والتجديد!" ا.هـ (تحفظ الدكتور أحمد الطيب بعدها من أن يكون قصد إلى تكفير الكاتب، وبين أنه إنما قصد إبراز تناقضه).
 
ثم نقل فضيلة الشيخ أحمد الطيب نقولا تدل على أن الأئمة القدامى والمحدثين قد انتبهوا لخطر هذه الشبهة وقاموا بتفنيدها فقال:
"وقد نبه علماؤنا القدامى والمحدثون إلى خطورة هذا الاستغلال السيئ لروايات أسباب النزول في هدم الدين ونقض بنيانه وأركانه، وأن القول باختصاص القرآن بالواقع الذي تنزل فيه، فوق أنه افتئات على الحقيقة التي يعرفها المسلمون جمعيا، فإنه لا يمكن أن يقول به عاقل، يقول ابن تيمية: «قد يجيء كثيرا قولهم: هذه الآية نزلت في كذا، لا سيما إن كان المذكور شخصا، (......) فالذين قالوا ذلك لم يقصدوا أن حكم الآية يختص بأولئك الأعيان دون غيرهم، فإن هذا لا يقوله مسلم ولا عاقل على الإطلاق، والناس وإن تنازعوا في اللفظ العام الوارد على سبب: هل يختص بسببه؟ فلم يقل أحد: إن عمومات الكتاب والسنة تختص بالشخص المعين، وإنما غاية ما يقال: إنها تختص بنوع ذلك الشخص فيعم ما يشبهه، ولا يكون العموم فيها بحسب اللفظ، والآية التي لها سبب معين -وإن كان أمرا ونهيا- متناولة لذلك الشخص ولغيره ممن كان بمنزلته، وإن كانت خبرا بمدح أو ذم فهي متناولة لذلك الشخص ولمن كان بمنزلته». ا.هـ
 
التراث ليس مسئولا عن أخطاء الواقع
وقرر فضيلة الشيخ الطيب عدم موضعية إلصاق أخطائنا بالتراث فقال:
"وكان المفروض على الأستاذ - لو أراد أن يتقيد بضوابط البحث العلمي في أخطر قضية تمس حياة المسلمين على الإطلاق- أن يستثني من هذا النقد أصول التراث الذي حمّله مسئولية تخلف المسلمين، لكن شاء الأستاذ أن يطلق العنان لعبارة تقرر -صراحة أحيانا وضمنا أحيانا أخرى- أن الإيمان بالقضاء والقدر، والثنائية الفاصلة بين «الله» و«العالم»، والإيمان بالبعث هي العلل الأولى والجراثيم الحقيقية للأمراض المعاصرة في المجتمع الإسلامي والجماهير المسلمة، كما شاء الأستاذ -عامدا أو متغافلا- أن يزيل الحدود والحواجز في خطة التجديد بين هذه الأصول كثوابت لا تقبل المساومة ولا التأويل ولا الالتفاف عليها بحال من الأحوال، وبين رؤى شائهة وتفسيرات مغشوشة كانت بمثابة أمراض طفيلية التصقت بالتراث الإسلامي الحقيقي وحسبت عليه ظلما وعدوانا، وهي تفسيرات تنشأ - في العادة- من بُعد العهد بالمصدر الأصلي للفكر أو الفلسفة أو الدين، ولم ينج منها تراث في تاريخ البشرية قديما أو حديثا، وهذا أمر طبيعي ومقرر في تاريخ الفكر وتاريخ الأديان.
 
لكن اللاطبيعي أو اللامعقول هو هذا الخلط بين مبادئ التراث وقيمه، وبين بعض السلوكيات المنحرفة عند البعض من أتباع هذا التراث، واعتبار التراث مسئولا عن كل ذلك في تعميم كاسح من شأنه أن يثير في القارئ ريبة وشكا في جدية المشروع برمته، وأنه يعتمد على ما يشبه المهارة أو «خفة اليد» في لعبة الأسماء والمسميات، وكان على أستاذنا الكبير أن يصمد لمناقشة المفاهيم ويحاكمها في إطارها المعرفي والقيمي كما هي مطروحة في التراث، لا أن يخلط الأوراق في أذهاننا إلى الحد الذي يحدثنا فيه عن ممارسات خاطئة لمفاهيم صحيحة" ا.هـ
 
ويقول معددا بعض القضايا التي ظلمت من قبيل إلصاق الممارسات الخاطئة لأفهام صحيحة، وأن دفاعنا في توضيح الفرق لم يجدِ مع تحامل دكتور حسن حنفي وغيره على التراث الإسلامي- فيقول:
 
"ولا يفيدنا في الدفاع عن تراثنا المنقول ضد اتهامات التراث والتجديد أن نردد ما هو معروف ومفهوم لدى الجميع من التفرقة - مثلا- بين القضاء والقدر كأصل من أصول الإيمان في الإسلام، وبين مفهوم العجز والتواكل والكسل، وأن التفرقة بين الإيمان بالبعث وبين أمراض الازدواجية في المجتمعات المسلمة، أو التفرقة بين نظام الشورى والخلافة في الإسلام، وبين مداهنة بعض المفكرين للحكام ونفاقهم؛ وتسقط التفسيرات المصنوعة لتبرير هذا السلوك الذي يرفضه الإسلام شكلا وموضوعا، ولا يفيدنا أيضا الدفاع التحليلي عن كل علم من علومنا التي عددها الأستاذ وهو يدين تراثنا العقلي والنقلي جملة وتفصيلا" ا.هـ
 
وفى النهاية: أسأل الله أن يجزي الشيخ أحمد الطيب خير الجزاء على دفاعه عن تراث الأمة في هذا الكتاب وفى غيره!