القانون الدولي الإنساني (3)

  • 204

عرضنا في المقالين السابقين المبادئ العامة للقانون الدولي الإنساني ، وأجملناها في:
-  مبادئ حماية الأشخاص غير المحاربين .
-  مبادئ حماية الأشخاص الذين توقفوا عن القتال .
-  مبادئ حماية الأعيان المدنية .
-  مبادئ تقييد أساليب ووسائل القتال .
 
ثم فصلنا القول في النوعين الأول والثاني من هذه المبادئ ، ونتناول في هذا المقال بقية المبادئ .
 
3- حماية الأعيان المدنية:
يُقصد بالأعيان المدنية الأعيان التي ليست أهدافًا عسكرية ، فهي كل الأعيان التي لا تُساهم مساهمة فعالة في العمل العسكري ، والتي لا يُحقق تدميرها أو الاستيلاء عليها أو تعطيلها ميزة عسكرية أكيدة ، كالأعيان الثقافية ، والآثار التاريخية ، والأعمال الفنية ، وأماكن العبادة ، والمناطق الزراعية، والمحاصيل والماشية ، ومرافق مياه الشرب وأشغال الري؛ والأعيان الهندسية كالسدود والجسور، والمنشآت المحتوية على قوة خطرة ، والوحدات الطبية ووسائط النقل الطبي البري والبحري والجوي ، وإذا ثار شك حول عين هل هي مدنية أو تساهم في العمل  العسكري؟ فيُفترض أنها مدنية .
 
وتتلخص الحماية المقررة لهذه الأعيان وفقًا للاتفاقيات الدولية في حظر مهاجمة أو تدمير أو تعطيل أو تخريب أو إتلاف هذه الأعيان ، سواء أكانت الحرب برية أو بحرية ، وسواء أكانت النزاعات دولية أو غير دولية .
 
وقد قررت الشريعة الإسلامية مبدأ حماية الأعيان المدنية منذ خمسة عشر قرنًا أفضل وأكمل تقرير، فقال تعالى : (  وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ ) .
 
وقال تعالى : (  وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ ) .
 
وقال تعالى : (وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ) .
 
وروى عبد الرزاق أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا بعث جيشًا يقول لهم : " ..... ولا تحرقوا كنيسة ولا تعقروا نخلًا ... " .
 
وروى مالك في "الموطأ" أن أبا بكر رضي الله عنه بعث الجيوش إلي الشام وجعل يزيد بن أبي سفيان أميرًا فقال له : "..... ولا تقطعن شجرًا مُثمرًا ولا نخلًا ولا تحرقها، ولا تخربن عامرًا، ولا تعقرن شاة ولا بقرة إلا لمأكلة ..." .
 
4- تقييد أساليب ووسائل القتال:
فليس للمتحاربين حق مطلق في اختيار وسائل إلحاق الضرر بالعدو. وتتلخص هذه القيود في حظر استخدام الأسلحة والقذائف والمواد ووسائل القتال التي من شأنها إحداث إصابات أو آلام لا مبرر لها ، كما يُحظر استخدام أساليب ووسائل للقتال يُقصد بها أو قد يتوقع منها أن تُلحق بالبيئة الطبيعية أضرارًا بالغة واسعة الانتشار وطويلة الأمد ، كما يُحظر الغدر ، وتعمد إساءة استخدام ما هو معترف به دوليًا من شارات أو علامات أو إشارات ، كما يُحظر الأمر بعدم إبقاء أحد على قيد الحياة ، أو تهديد الخصم بذلك ؛ كما لا يجوز أن يكون الشخص العاجز عن القتال محلًا للهجوم ، إلي غير ذلك من التقييدات الواردة على أساليب ووسائل القتال في الاتفاقيات الدولية، سواء أكانت الحرب برية أو بحرية ، وسواء أكانت النزاعات دولية أو غير دولية .
 
وقد قررت الشريعة الإسلامية مبدأ حماية تقييد أساليب ووسائل القتال  منذ خمسة عشر قرنًا أفضل وأكمل تقرير، فقال تعالى : (وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ ) .
 
وقال تعالى : (وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ) .
 
وروى مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القِتلة ... " .
 
وروى أيضًا قوله صلى الله عليه وسلم : " لكل غادر لواء يوم القيامة يُقال هذه غدرة فلان " .
 
وروى أبو داوود عن حمزة الأسلمي رضي الله عنه قوله صلى الله عليه وسلم : " لا يُعذب بالنار إلا رب النار " .
 
وأخيرًا :
فإن ما يُثيره البعض من مخاوف التصديق علي نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية بحجة احتمالية إساءة تفسير وتطبيق بعض النصوص كالبند ح/1 ، د /2 ، ز/2 من المادة رقم (7) بعنوان الجرائم ضد الإنسانية ، وغيرها من المواد ، أو التعسف في تنزيلها علي أحداث مُفتعلة خاصة بملفات شائكة ، فهذا ما سوف نناقشه في الجزء القادم بمشيئة الله تعالى .