متى يراجع المتعاطفون مع الإخوان أنفسهم؟!

  • 155

لقد تعاملت الدعوة السلفية مع الأحداث منذ 25 يناير 2011 بذات القواعد الشرعية التي تقوم في باب السياسة على الموازنة بين المصالح والمفاسد لأنها هي القاعدة الأم في عالم السياسة ككل، وتتميز السياسة الشرعية بأن المصالح والمفاسد الداخلة في موازناتها هي مصالح ومفاسد شرعية.
 
من هذا الباب كان تخوفنا من تصدر العلمانيين المشهد في الدعوة إلى مظاهرات الخامس والعشرين من يناير، ومنه كان قرار تكوين لجان شعبية لحفظ الأمن نتيجة الخلل الأمني في 28 يناير، ومنه كانت حملة الدفاع عن المادة الثانية من الدستور لما أظهر التيار المدني تحرشا بها.
 
ومن ثم كانت المشاركة في استفتاء 19 مارس، ثم المشاركة في العمل السياسي للحفاظ على  القدر الموجود من الهوية الإسلامية في الدستور، بل وتجويده.
 
ومنه كان موقفنا من أن الأفضل عدم تقديم مرشح رئاسي من التيار الإسلامي، وفى ذات الوقت عدم تقديم أحد من التيار العلماني وإنما دعم رجل متدين - ذات درجة التدين الشائعة في الشعب المصري- دون أن يكون له انتماءات تنظيمية.
 
ولما أصر البعض على الدفع بمرشحين ودشن حازم أبو إسماعيل حملته للرئاسة، ويا للعجب أن كتيبة تأديب الخارجين على الصف الإسلامي في إعلام الإخوان لم تجعل من أبى إسماعيل هدفا لها! وبعدما قامت الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح (والتي اتضح فيما بعد أنها إحدى أدوات الإخوان للسيطرة على الحركة الإسلامية، ولعلهم أرادوا أن يحاكوا هيئة التحرير التي أنشأها عبد الناصر وجعل سيد قطب مسئولا عن التثقيف فيها، وطالب الإخوان أن يذيبوا تنظيمهم فيها فرفضوا ووصفوها بالهيئة الضرار).
 
لما قامت تلك الهيئة بمناشدة الإخوان تقديم خيرت الشاطر مرشحا رئاسيا نزلنا على رغبتها - على خلاف اجتهادنا- رغبة في رأب الصدع لا سيما أن خيرت الشاطر كان ينتهج في ذلك الوقت خطابا تصالحيا مع الحركة الإسلامية ومع أجهزة الدولة، كما أن درجة استقلاليته داخل الجماعة كان من الممكن أن تجنبه سلوك الرئيس الخاضع لجماعة بعيدا عن المؤسسات الدستورية كما حدث مع د. محمد مرسى فيما بعد.
 
ثم لما استبعد كل من حازم وخيرت ناشدنا الإخوان سرا وعلنا ألا يقدموا مرشحا بديلا فلم يأبهوا وانطلقوا فيما هم فيه.
 
وفى هذه الحالة عدنا إلى اختيار أقرب الإسلاميين إلى نفوس العامة والذين ليس لهم انتماء لجماعة (وهى معايير كنا قد اتفقنا مع جماعة الإخوان عليها قبل أن يدفعوا بالشاطر)؛ ومن ثم اخترنا عبد المنعم أبو الفتوح، ولم نحاول تزيين الكلام لأن ما نعلنه هي معايير المصالح والمفاسد الشرعية التي يتعلمها أبناء الدعوة السلفية؛ ولذلك فلا عجب أن خرجت نتيجة التصويت على هذا القرار داخليا وفى عدة مستويات فوق الثمانين بالمائة.
 
ولما خرج الدكتور أبو الفتوح من السباق واستقر الأمر على الاختيار بين الدكتور مرسى والفريق شفيق كان الاختيار للدكتور مرسى ولم نسحب اعتراضاتنا السابقة على مبدأ وجود مرشح إخواني، وإنما وازنا بينها وبين الاعتراضات الموجهة إلى المنافس.
 
ومع هذا حاولنا قدر الإمكان تقليل هذه المفاسد فتكلمنا مع الإخوان على مصير بيعة د. مرسى للمرشد حال نجاحه، وترتب على هذا أن أحله المرشد من البيعة علنا، وتكلمنا في احترام المؤسسات واحترام المواثيق الانتخابية، وعدم فتح الأبواب للشيعة وغيرها من الموضوعات.
 
ولما نجح الدكتور مرسى لم نفعل أكثر من تذكيره بعهوده في شأن الشيعة، وكان التذكير بمخاطبات خاصة وندوات عامة علمية هادئة، بخلاف ما يحاول البعض تصويره من أنها كانت حملة بلغت عنان السماء.
 
وفى شأن المؤسسات كذلك ذكرناه بعهوده وامتنعنا من التصويت على قانون السلطة القضائية، وقد شاركنا في الامتناع عن التصويت عليه المستشار أحمد مكى وزير العدل في حكومة مرسى، ونحن في ذلك كنا نحاول أن ندفعه إلى الالتزام بعهوده الانتخابية.
 
وكذلك وعوده للتيار المدني وحواره معهم الذى قاطعوه أكثر من مرة لأنهم يرونه يعد بما لا يملك، فلا ينفذ منه شيئا، وأن الحوار معه غير مجد؛ فتقدمنا بمبادرة للحوار بينه وبين القوى المدنية وقدمت له ابتداء فقبلها وأثنى عليها وطالب بالمضي فيها، ثم لما بدأ تطبيق هذا خرج الإعلام الإخوانى والمتعاطف مع الإخوان ليصف هذا الجلوس بأنه "ركون إلى الذين ظلموا"؛ وكانت المفارقة أمر يقره الرئيس ويهاجمه اتباع الرئيس، بل ويصفونه بالخيانة.
 
وفى كل مرة يخرج أقوام لهم سمت سلفي أولهم اشتغال بعلوم سلفية ولكنهم يرفعون شعار "أن الإخوان رجال المرحلة"، أو هم ممن يجمع بينهم وبين بعض قيادات الإخوان رحم الفكر القطبي، في كل هؤلاء يخرج علينا هؤلاء ليكونوا رأس حربة في مهاجمة الدعوة ورموزها بطريقة تجتذب جزءا من المتعاطفين أو تترك البعض حائرا مترددا لا سيما إذا لم تعلن كل الحيثيات.
 
30 يونيو والتلويح بالتكفير والعنف:
لقد كانت كل مسالك الإخوان في قيادة الدولة تؤدى إلى نتيجة واحدة وهى غضب الجميع؛ فأغضبت حكومات الإخوان العامة أو فشلوا في تحقيق أي تقدم مملوس مع الأخذ في الاعتبار أنهم بالغوا في الوعود في فترة الانتخابات، وفى التأكيد عليها، وفى التأكيد على حق الشعب في الثورة إن لم تتحقق.
 
كما أغضبوا المؤسسات وتحرشوا بها؛ وبالطبع تطور هذا الأمر جدا بعد 30 يونيو حتى صار الجيش عندهم هو "جيش كامب ديفيد" وليس "جيش أكتوبر"، وكأن كامب ديفيد لم تعقد إلا بعد 30 يونيو، وكأنه لم يكن بيننا وبين إسرائيل في حكم الإخوان تبادل سفراء ورسائل!! "ودعك من تصديرها بعزيزي بيريز فقد اعتذروا بأن الرسالة أرسلت على ذات النموذج المعد من أيام مبارك"!!
 
الأزمة الكبرى بيننا وبين الإخوان بدأت هنا حيث بدأ الإخوان الاعتماد على خطاب فيه تلويح بالتكفير والعنف لا يمكن للدعوة السلفية قبوله، وقد حاولنا إقناعهم بخطورة هذا على الدعوة الإسلامية ككل، والمشكلة الكبرى في محاولة الإقناع هذه أن تجد أن  الطرف الآخر يوافقك يما يفوق المائة بالمائة، ثم يدعى عدم قدرته على السيطرة على أصحاب هذا الخطاب، وأنه محرج من منعهم، وهى أمور لا يخفى على أي متابع أن الإخوان اعتمدوا هذا الخطاب وإن كانوا قد فضلوا تقديمه على لسان غيرهم.
 
ومع الوقت تكرس هذا الخطاب على منصة رابعة لا سيما بعد 3-7 ولم أحفظ كثيرا من هذه الشعارات، ولكن د. أحمد ربيع غزالي صاحب كتاب "ألغام في مناهج الإخوان المسلمين" حفظ الكثير منها وأودعها في كتابه هذا فمنها:
"لقد أهدى الله لمصر والمصريين حكما إسلاميا رشيدا بقيادة الدكتور محمد مرسى، ولكن المرجفين والمنافقين والحاقدين على الإسلام والنصارى والفلول والعلمانية الكافرة والليبرالية الملحدة والسيسي الخائن انقلبوا على الإسلام وأبوا شريعة الله".
 
"إن من يشك في أن الله ناصر عبده مرسى يشك في قدرة الله تعالى".
 
"إن من يشك في قدرة الله فهو كافر لا عهد له ولا ميثاق ولا ذمة".
 
هذا بالإضافة إلى خطاب "اللي يرش مرسى بالمية نرشه بالدم"، وخطاب "سنسحقكم" وغيره من الخطابات.
 
ورغم هذا الخطاب فقد كانت منصة رابعة تستضيف بين الحين والآخر بعض النصارى وبعض العلمانيين وبعض الليبراليين الذى زعموا أنهم من قام بـ30-6 لأنهم يكرهون شريعة الإسلام؛ ومن ثم طالبوا الإسلاميين أن يهبوا كلهم في وجه تلك العلمانية.
 
(بالطبع نحن لا ننكر أن بعض مكونات 30-6 كانت كارهة للإخوان لمجرد كونهم جماعة إسلامية، ولكن بلا شك أن القطاع الأكبر كان ممن اشتاط غضبا ليس فقط من مجرد فشل الإخوان عبر عام كامل من تحقيق أي وعد، بل من إصرار الإعلام الإخواني أن الإنجازات قد تحققت، وأنه لا ينكرها إلا علماني جاحد).
 
ورغم هذا احتفت المنصة يوما ما بخبر مكذوب عن تحرك الأسطول الأمريكي تجاه السواحل المصرية، ولا ندرى هل كان هذا التحرك بغرض حماية الشريعة الإسلامية أم ماذا؟!
 
ومع كل هذه التناقضات على منصة رابعة ظل خطاب الشحن العام للمعركة المقدسة مستمرا!!
 
لماذا ننتظر من المتعاطفين مع الإخوان أن يفيقوا؟!
هذا المقال بصفة عامة وهذه الفقرة بصفة خاصة موجهة لأصحاب المنهج السلفي الذين تعاطفوا مع الإخوان وغالطوا أنفسهم بشأن خطاب التكفير والعنف من أنه غير مقصود، أو أنه حالات فردية؛ حتى لا يمنعوا أنفسهم من التجاوب مع عاطفتهم كما أنهم منعوا أنفسهم من التأمل في دلالات الخطاب المغير الذى كان يظهر بين الحين والآخر على منصة رابعة.
 
وفى الآونة الأخيرة حدثت  تطورات هامة لا يمكن لأى منصف أن يغفلها أو أن يعتبرها تصرفات فردية وهى:
 
1-               ظهور خطاب التكفير بشكل واضح وممنهج.
 
2-               ظهور خطاب العنف الذى بلغ أشده ببيان الدعوة إلى الجهاد المنشور على موقع "إخوان أون لاين".
 
3-               مداهنة الغرب والقبول بكثير من صور العلمانية ومنها تعزية القرضاوي للمجلة الفرنسية، ومنها زيارة وفد الإخوان للكونجرس الأمريكي.
 
4-               دعوة الغنوشي للمصالحة.
 
وهذا تفصيل هذه الظواهر:
1-               ظهور خطاب التكفير.
وهذا الخطاب تبناه رموز لا يمكن ألا يحسبوا على الإخوان خصوصا وأنهم ضيوف دائمون في محطاتهم؛ فصرح وجدى غنيم بتكفير السيسي عدة مرات، وكاد يكفر حزب النور بناء على واقعة أن "نادى" قد اختار راقصة أما مثالية وسب أمهات كل هؤلاء بزعمه بالباطل أنهم راضون عن ذلك، في حين أن فاعل ذلك قد اعتذر عنه في اليوم التالي، ولو لم يعتذر فمن يقول: إن كل هؤلاء راضون؟! وهى ذات الطريقة القطبية في تكفير الحكومات أصالة والشعوب تبعا!
 
2-               ظهور خطاب العنف والفتاوى باستهداف عربات الجيش والشرطة دون تمييز، ثم الفتاوى بالاغتيالات السياسية، ووجدي يصرح بأسماء علمانيين، ومحمد الصغير يصرح باسم شيخ الأزهر وجلال مرة، وهكذا نص يسوق التحريض على القتل وبالاسم.
 
ثم كان المقال المنشور في "إخوان أون لاين" وممهور بتوقيع وهمى "فارس الثورة"؛ مما يجعله بمنزلة البيان الرسمي، والذى دعا إلى الجهاد وأعاد الثناء على النظام الخاص، وأغفل تبرأ "البنا" منه في آخر مقال كتبه قبل وفاته بعنوان "ليسوا إخوانا وليسوا مسلمين"، وأثبت أن الهضيبي أعاد بناء النظام الخاص، وهى التهمة الرئيسية التي كان يتهمهم بها "عبد الناصر"؛ حيث اتفقوا معه على حل النظام الخاص بعد نجاح الثورة التي كانوا أحد داعميها، وكان الإخوان يقولون: إنهم وفوا بهذا في حين كان عبد الناصر يرى العكس، ولعل هذا البيان أول اعتراف رسمي بأن النظام الخاص لم يحل في زمن الهضيبي فضلا عن زمننا هذا، مع موجة عنف تتشابه تماما مع الموجات المعروفة عن النظام الخاص وعن خطته للردع، والتي تضمنت تفجير محطات كهرباء ومياه وكباري وفق ما دونه سيد قطب في شهادته، وضمنه على العشماوي في كتابه عن التنظيم الخاص في تنظيم سيد قطب.
 
3-               وفى ظل هذا التصعيد في اتجاه العنف والتكفير واستدعاء الحرب المقدسة كانت "الإخوان" تغرد في الاتجاه العكسي تماما؛ فالقرضاوي يعزى في صحفي الجريدة الفرنسية التي نشرت رسوما تستهزئ فيها من رسول الله صلى الله عليه وسلم!
 
(وبالطبع نحن نستنكر الحادث، ولكن ليس من باب أن هؤلاء أبرياء أو يستحقون التعزية، ولكن من باب حتى لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه).
 
ومن العجيب أن الجماعة نشرت عزاء للملك عبد الله على موقعها باللغة الإنجليزية، ويبدو أنها كانت تؤمل ألا يلتفت له قارئوا العربية، ولكنه لسوء حظهم انتشر وثار شباب الجماعة؛ فاضطرت الجماعة إلى الاعتذار وإعلان أنها سوف تحيل صاحب هذه التعزية إلى التحقيق!! في حين أن شباب الجماعة لم يُثر على تعزية الجريدة الفرنسية؛ مما يبين لك اتجاه الشحن الذى تمارسه القيادات تجاه الأتباع، والذى ينعكس بعد ذلك في مواقف الشباب من قرارات القيادات.
 
ثم كانت قاصمة الظهر وهى زيارة الكونجرس الأمريكي زيارة استعطاف أن حكم الإخوان كان يراعى الحريات ويظلل بجناحيه على العلمانيين والليبراليين (بل نسبت بعض الصحف لهم أنهم أضافوا الشواذ، وأضافوا أن الشواذ مضطهدين الآن في عهد السيسي)!!
 
إذن فقد عادت الجماعة مرة أخرى لأمر فعلته قبل هذا مرات، وهو تبنى الخطاب العلماني بحذافيره أو بنكهة إسلامية وبطلب النصرة من أمريكا على الحكومات المحلية؛ ربما لأنهم يعتمدون نظرية "العدو القريب" أو ما يشابهها من نظريات.
 
ولكنهم يغفلون أنهم بذلك يسحبون عن كل تحركاتهم المضادة لـ30-6 صفة مواجهة الكفر والعلمانية.
 
4-               منذ 30-6 وثمة دعوات للمصالحة تخرج بين الحين والآخر من قيادات إخوانية في الداخل والخارج، ولكن النداء الأخير من الغنوشي للمصالحة والذى تضمن أن السعي إلى حقن الدماء هو أهم ما يلقى الله به، جاء ليكمل سلسلة أحداث تقول للمتعاطفين مع الإخوان: أما آن لكم أن تعيدوا حساباتكم بعد أن اكتشفتم الآتي:
 
- 30-6 لم تكن حربا علمانية ضد الإسلام، وحكام ما قبل 30-6 ليس عندهم مانع من الاستجابة للضغوط العلمانية أكثر من أي أحد آخر.
 
- أنه رغم ما تقدم في النقطة السابقة فإن خطاب التكفير على أشده يصدر باسم كل مشارك في هذا الحراك.
 
- وأن العنف الذى تم استدعاؤه من التاريخ ليس موجها فقط ضد هؤلاء الذين صدرت ضدهم فتاوى تكفير – على بطلانها- ولكنها تمس عموم المسلمين، بل ربما مست فقراءهم أكثر من أغنيائهم.
 
- وأن حقن الدماء ولو بالصلح مع أقوام قالوا فيهم ما قال مالك في الخمر:  "هو من أجلّ القربات".
 
نسأل الله أن نلقاه وليس في أعناقنا أي دم لمسلم لو بمباشرة، ولا بفتوى، ولا بتغرير، ولا بتهييج، ولا بأدنى من ذلك.
 
ونحن في انتظار كل من يعود إليه صوابه ليكون عونا في نشر السنة وقمع البدعة وحفظ دماء المسلمين.