متى يُفك وثاقي؟

  • 190

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده -صلى الله عليه وسلم- :
 
سأل اليهود أبا لُبابة: أترى أن ننزل على حكم محمد -صلى الله عليه وسلم- ؟؟ فقال نعم ولكنه أشار إلى حلقِه ليُعلمهم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد حكم عليهم بالقتل وهنا قال أبو لُبابة : [ فوالله مازالت قدماي من مكانهما حتى عرفتُ أنى قد خُنتُ الله ورسوله وأُسقط فى يدى فما أدرى كيف أخرج من سخط الله؟ ]
 
أخى الحبيب:
من كان يتخيل أن أبا لُبابة الذى بايع النبى -صلى الله عليه وسلم- فى العقبة وكان أحد الاثنى عشر نقيبا وكان من أوائل من بذلوا وأسلموا والتزموا، من كان يتخيل أن يسقط مثل هذه السقطة؟!
 
إن أحدًا لا يعرف مذهب أهل السنة وأنه لا معصوم عندهم إلا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يمكن أن يتخيل هذا.
 
ولكنَّ فى ذلك درسًا عظيمًا لمن يلتزم ويتدين ثم يظن أن ثباته على الاستقامة والتدين أحد إنجازاته الشخصية.
 
بل يجب أن يعلم كل من رزقه الله الالتزام والاستقامة أن ذلك من الله ( ربنا لا تُزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا ) قال النبى -صلى الله عليه وسلم- ( يا مقلب القلوب ثبت قلبى على دينك ) فقيل له فى ذلك فقال : ( إنه ليس آدمى إلا وقلبه بين أصبعين من أصابع الله فمن شاء أقام ومن شاء أزاغ ).
 
إن زلة أبى لُبابة تجعلنا على حذر من مستقبلنا، فإن أحدنا قد يفعل من القبائح وسوء الأخلاق ما يصد به عن سبيل الله ( فتزل قدمٌ بعد ثبوتها ).
 
·      يا أيها السائر فى الطريق، لا تأمن فتطلق بصرك معتمدًا على سابق عملك الصالح فتهوى وأنت لا تدرى.
·       
·      يا أيها الشاب المتنسك، لا تلقِ بنفسك وسط النساء وتقول أنا ملتزم أنا أدعوهن، لاتنسَ برصيصَ العابد الذى بنى صومعته بعيدًا عن الناس ثم استدرجه الشيطان فمات ساجدًا للشيطان (فتزل قدمٌ بعد ثبوتها ) وأنت لا تدري.
·       
·      لا تكن صديقًا للشيطان فاعتزل المواقع الإباحية والعادات السيئة والنظر المحرم والشهوة المحرمة، ولا تكن بين الناس قديسًا وفى الخلوات إبليس ( فتزل قدمٌ بعد ثبوتها ) وأنت لا تدرى.
·       
أخى الحبيب:
 
لقد أدرك أبو لُبابة منذ الوهلة الأولى منذ انطلاق كلماته وإشارته أنه قد أخطأ، بل قد خان الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- وأسقط فى يده ( تحير وندم ) ولكن ...
 
هل هذا عين ما نشعر به إذا اخطأنا وتجاوزنا ؟ هل هذا عين ما تشعر به إذا وقعت عيناك على ماحرم الله أو فعلت يداك ما يغضب الله ؟!
 
إن شعور المؤمن بخطأه دليل حياة قلبه، قال ابن الجوزي رحمه الله: ( لو وجدت ظلمة فى قلبك بعد الذنب فاعلم أن فى قلبك نورًا ولولاه ماوجدت تلك الظلمة ).
 
أخى الحبيب:
 
هل تشعر بوخذة فى قلبك حين تخطأ ؟
 
هل تشعر بالحسرة والأسف والحيرة والندم ؟
 
هل يضطرب فؤادك من نظر الله إليك ؟
 
هل تشعر بالظلمة فى القلب أم القلب كله مُظلم ؟
 
إن أبا لُبابة قد وضع يده على الداء من أول لفظه فقال: ( مازالت قدماي من مكانهما حتى عرفتُ أنى قد خُنتُ الله ورسولُه ) وسريعا فكر فى كيف.. و لكن...
 
أخى الحبيب:
 
إنه لم يفكر كيف يبرر ويُهوِّن ويفلسف لنفسه خطأه وتقصيره؟
 
إنه لم يفكر كيف يهرب من ضميره وواعظ الله فى قلبه؟
 
إنه لم يفكر كيف يُرضى الناس ولو سَخِطَ الله؟
 
لكنه كان يفكر كيف يخرج من سخط الله؟!
 
كان يفكر كيف يُرضى الله ولو سَخِطَ الناس، إن أبا لُبابة أخطأ خُطوه لكنه أبصر الطريق..
 
( إن الذين اتقوا إذا مسهم طائفٌ من الشيطان تذكروا فإذا هم مُبصرون ) وحال المؤمن ذى القلب المضيء إذا أذنب أو زلت قدماه أنه سرعان ما يتوب ويعود إلى الله تبارك وتعالى كما قال الحبيب -صلى الله عليه وسلم- ( مامن القلوب قلب إلا وله سحابة كسحابة القمر بينما القمر مُضيء إذ علته سحابة فأظلم إذ تجلت عنه فأضاء ) حسن.
 
أخى الحبيب:
 
سؤال مهم جدا: ( كيف أخرج من سخط الله؟ ) هل جالت بخاطرك الإجابة عنه ؟!
 
إن أبا لُبابة حمله خوفه على ماضيه وحاضره ومستقبله إلى أن يأتى بسلسلة من الحديد ويقيد نفسه بها فى سارية المسجد ويُقسم أن لا يحُل نفسه ولا يُصيب طعامًا ولا شرابًا حتى يتوب اللهُ عليه.. أو يموت، فلما علم به النبى -صلى الله عليه وسلم- قال ( أما أنه لو أتانى لاستغفرتُ له .. ).
 
أخى الحبيب:
 
توبتك الصادقة تكفيك فلا تجعل ذنوبك تُقيدك.
 
وبعد ستة أيام وفى سَحَر الليلة السابعة تاب الله على أبى لُبابة وقامت أم سلمة على بابها تناديه يا أبا لُبابة، أبشر فقد تاب الله عليك.
 
إنه خير يوم على أبى لُبابة يوم تاب الله عليه وفك النبى -صلى الله عليه وسلم- وثاقه، فمتى يطلع خير يوم عليك ؟
ومتى يُفكُ وثاقك ؟
وصلِّ اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم ..