حوار السلمية والعنف على مواقع الإخوان

  • 151

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد؛

ظلت جماعة الإخوان المسلمين تتبنى المنهج الإصلاحي وتنبذ العنف والتكفير منذ عودتها إلى الحياة العامة في أوائل السبعينيات وحتى الأزمة التي أحاطت بالجماعة بعد عام مِن حكم الدكتور محمد مرسي، وقد بدأت الجماعة أثناء تلك الفترة في إتاحة الفرصة في فاعلياتهم لمن يلوح بالتكفير والعنف، ثم بدأ هذا المنحنى يتصاعد تدريجيًّا حتى لم يعد ثمة موجة للجماعة إلا قنوات رابعة ومكملين وغيرهما، ومِن خلال خطاب تكفيري واضح مِن وجدي غنيم وسلامة عبد القوي وغيرهما، وهذا مما اضطر الكثيرين ممن كانوا يودون أن تظل جماعة الإخوان على آخر مراجعات لها بعد كتاب «دعاة لا قضاة» على هذا النهج السلمي؛ أن يُفتشوا في سر تقبل قطاع عريض مِن شباب الإخوان وقياداتهم الوسطي لهذا العنف، بل والتكفير بكل هذه السهولة.
 
ثم جاءت مقالات الدكتور عبد الرحمن البر والدكتور محمود غزلان والتي تحذر شباب الإخوان مِن بوادر جنوح للعنف بدأت توجد في صفوفهم (هكذا تلطف الرجلان في إثبات هذا الانحراف)، وكانت المفاجأة في ردود الأفعال العنيفة تجاه هاتين المقالتين.
 
والمفاجأة لم تكن في رفض الشباب لهذه المقالات؛ لأن الشحن المتوالي والمتواصل جدير بأن يفعل ذلك وأكثر، ولكن المفاجأة أن يأتي هذا الكلام من بعض القيادات الوسطى التي يبدو أنها ممسكة بزمام كثير من الأمور الآن، مِن هؤلاء شخص اسمه (حازم سعيد) والذي كتب مقالة بعنوان «المحترمان البر وغزلان .. عفوًا أيها السادة!».
 
قد ذكر أحد المعلقين عليها في موقع «نافذة مصر» بأن هذا اسم مستعار، ولكن من الواضح -من خلال مقالات هذا الكاتب، ومن تعليقات الإخوان عليها، ومن بعض المواقف التي يحكيها في بعض مقالاته- أنه يُمثل قيادة وسطى في الإخوان، ويكفي أنه يتمكن مِن كتابة ردٍّ وثانٍ على أعضاء مكتب إرشاد وفي موقع «نافذة مصر» ذاته.
 
وبالتالي فالأزمة لا تكمن في أن الجماعة حسمت خياراتها، ولكنها تُعاني من إقناع شبابها بقدر الإمكان في أن الجماعة لم تحسم خياراتها، والأهم مِن ذلك أن أفراد الجماعة مختلفون في فهمهم لمنهج الإخوان بل ومنهج الأستاذ حسن البنا تحديدًا مِن قضيتي التكفير والعنف، وهو المعنى الذي يحتاج من كل مريد لخير البلاد أن ينتبه اليه.
 

تنبيه
لا أتحدث هنا بمعيار سياسي ولا قانوني، وإنما أتحدث بمعيار دعوي يبحث عن أفضل الحلول الشرعية لمحاربة فكر منحرف، لا سيما إن لم يكن قد تمكَّن بعد، وفي تركه حتى يتمكن مِن هذا العدد الكبير مِن الشباب خطر داهم على الأمة، وبالتالي فلا بد من إدراك أن الحوار مهما كانت مساراته محدودة هو العلاج الأمثل وإلا فالحل الأمني -وحده- لا يكفي؛ فهو لازم غير كافٍ، هذا إذا كان منضبطًا، وأما إذا حدثت فيه تجاوزات فيكون حينئذٍ جزءًا كبيرًا مِن الأزمة والمحاكمات لمن ثبت عنه جريمة لازمة، ولكنها لا تكفي إذا كانت عادلة، فإذا شابها التعميم أو الشيوع في التهم كانت إحدى أسباب الأزمة.
 
نموذج للتحوُّل الفكري لدى بعض القيادات الوسطى في الإخوان
حازم سعيد صاحب الرد على الدكتور البر والدكتور غزلان كما يتضح من كتاباته على موقع «نافذة مصر» الناطق بلسان الإخوان، كان حتى بعد فض اعتصام رابعة والنهضة يُحذِّر مِن الاستدراج للعنف، فكتب في ذلك مقالة «السلمية ماتت» يُحذِّر فيها مِن ترديد هذه العبارة، وكتب بصورة أكثر وضوحًا وأكثر إدراكًا -لأخطاء الماضي الإخواني- مقالة بعنوان: «لن ننجر إلى خازندار جديدة» تعليقًا على الحكم الصادر بحق فتيات سبعة الصبح -قبل أن يتم إلغاؤه في الاستئناف- كتب فيها كلامًا طويلًا، وكان بيت القصيد فيها الفقرة المعنونة بـ«لن تشهد مصر خازندارًا جديدًا»، وقال فيها:
 
«بخلاف كونه رسالة، فإن هذا الحكم أيضًا هو أحد حيل الخائن السيسي ومخابراته؛ لجرنا إلى العنف واستفزازنا، أول ما حدث معي بعد أن سمعت الحكم أن كتبت تدوينة -بشتيمة- ضد جهاز القضاء، ما لبثت أن مسحتها، خاصة بعدما رأيت بعض الشباب المنفعل ضد القاضي، هذا هو ما يريده السيسي بالضبط، ننفعل فنلتقي القاضي في مكان ما، فيتورط شاب متعجل فيقتله؛ ليلصق تهمة الإرهاب بأنصار الشرعية، أو يفعله السيسي وعسكره الخائنون بأيديهم ثم يلصقونها بنا؛ كما فعلوا بالشيخ الذهبي في السبعينات، أو كما كانوا ينوون لرجلهم وربيبهم علي جمعة، لولا أن الله قيَّض لنشطائنا نشر مثل هذا المخطط وفضحوه قبل وقوعه، هذا هو عين ما كان يفعله الخازندار؛ أتى بالمجاهدين مِن الإخوان في فلسطين، فأجرى عليهم أحكامًا بالحبس وصلت لعشرات السنين، ولما كان يتخاصم إليه مصري وإنجليزي يقضي للإنجليزي دون نظر في الدعوى؛ ليتهور عليه شاب صالح فيقتله، ثم يسوقها الطغاة على أنها جريمة، مع أن القاضي ذاته هو المجرم، ويسوقها أعداء الإخوان في التاريخ ليبرروا جرائمهم ضد الإخوان، وليقولوا أننا متلطخون بالدماء، ولكن الإخوان وأنصار الشرعية قد وعوا الدرس وعرفوه، ويحفظون عن ظهر قلب كلمة مرشدهم: «سلميتنا أقوى مِن الرصاص»، ولو أن الإخوان سينجرون إلى العنف بمثل هذه الأمور، فقد كان أَوْلَى بهم أن ينجروا لذلك بعد مذبحة رابعة والنهضة، ولكنهم أبوا إلا السلمية؛ لأن فيها الدواء الشافي مِن مرض الانقلاب والخيانة والغدر الذين يتمعتع بهم السيسي، لذا فإن مثل هذه الحيلة إلى زوال وإلى فشل، ولن تُلوَّث أيدينا بدماء هؤلاء المجرمين، وسنتركهم لعقاب الشعب وردعه، وهو قريب إن شاء الله، ولن يخدعنا السيسي ولا مخابراته». اهـ.
 
لاحظ هنا أن هذا الكلام كان بعد واقعة استفزت الجميع بما في ذلك بعض الشباب الذين تظاهروا ضد حكم الإخوان، وكان الحكم فيها في قمة التجاوز، ومع هذا فقد نهى عن استعمال العنف حتى مع ذات الشخص الذي أصدر ذلك الحكم استفادة مِن أول مشاكل العنف في تاريخ الإخوان وهي اغتيال القاضي الخازندار.
 
ملاحظة على كلام الكاتب على واقعة القاضي الخازندار
لقد قدم الإخوان مراجعات فكرية واضحة للأفكار التي راجت في مجموعة 65 -بعض النظر عن درجة مسئولية الأستاذ سيد قطب عنها- وذلك مِن خلال كتاب «دعاة لا قضاة» وحتى لو كان هذا الكتاب قد حذف فيما بعد مِن منهج الأسر الإخوانية تحت ضغوط التيار القطبي داخل الجماعة، إلا أنه أصبح جزءًا مِن تراث الجماعة، وبالتالي فالتفلت منه لن يكون بسهولة، إلا أن الجماعة لم تقدم حتى الآن مراجعة لحوادث الاغتيالات التي تمت بأيدي النظام الخاص، ومن أبرزها اغتيال القاضي الخازندار والنقراشي باشا، واكتفت الجماعة بأن تتحدث دائمًا عن النظام الخاص، وأنه كان موجهًا للإنجليز، وأما عملياته ضد المصريين -وهي بالمناسبة أبرز عملياته أو على الأقل أكثرها ذكرًا في التاريخ- فتصمم الجماعة على ترديد كلام يُفهم منه التأسي على أن خصوم الجماعة قد استعملوا الحادثة ضدها دون أن تتطرق إلى الحادثة ذاتها، وأظن أن هذا هو بيت القصيد، وهو السبب في الاضطراب الذي يصيب الكثير من الكوادر الإخوانية في تحديد موقف الجماعة وبالأخص الأستاذ حسن البنا مِن قضية العنف.
 
مِن التأكيد على تكرار خطأ «الخازندار» إلى الدعوة إلى «القنص» العام
كتب الأستاذ «حازم سعيد» مقالته المشار إليها في الرد على الدكتور غزلان والدكتور البر؛ فأثارت الكثير مِن ردود الأفعال، معظمها مؤيدة له رافضة لدعاوى السلمية التي أطلقها الدكتور البر والدكتور غزلان، بينما هاجمه البعض متهمًا إيَّاه بأنه يدعو إلى دعشنة الإخوان فكتب مقالًا بعنوان «بين دعشنة الإخوان .. وعسكرة الثورة .. من وحي التعليقات على المقالة الأخيرة»، كتب فيه خلاصة فكرته، وأن الإسلام جاء بالسلمية وجاء بالجهاد، ثم بيَّن مَن يجب جهادهم مِن وجهة نظره -وهذه هي أزمته كما هي أزمة داعش التي تبرأ منها، وإن اختلفا في الدرجة- فقال: «وأما بالنظر للشخص المستهدف مِن الجهاد والسيف والرمح؛ فأنا ميَّزت بين عموم المسلمين، وكذلك عموم المصريين -مسلمين ومسيحيين- الذين لم ينبذوا إلينا، ولم يتقدموا لنا بيد الخيانة، ولم يقتلونا، ولم يغتصبوا نساءنا، ولم ينتهكوا أعراضنا، لقد ميزت بين هؤلاء وبين العسكر المحتلين المجرمين .. أنا كنت ولا زلت أعني أنه لا بد للمحتل العسكري المجرم الذي ارتكب العديد مِن الجرائم والموبقات، وعوَّق الدعوة الإسلامية وعطلها تمامًا، ومنع وجودها في المساجد والمدارس والمستشفيات -فلا دعوة إذن على الإطلاق- وحارب كل الدعاة واعتقلهم وقتلهم واغتصب نساءهم واستحل أموالهم وأعراضهم وطردهم وأبعدهم».
 
أقول: «كنت -منذ مجزرة رابعة وما تلاها- ولا زلت، بل يترسخ الأمر مع الأيام: أعتقد أنه لا بد له مِن أن يرى شوكة وقوة تردعه، خاصة مع تزييفه لوعي الحاضنة الشعبية التي ظلت الدعوة تبنيها فأصبحت فصيلين؛ إما خائف مرتعد في بيته، أو مخدوع بسحر الإعلام مصدق -رغم ما رآه من خير الإخوان- للزيف والباطل في حقهم، وإما –وهو الفصيل القليل جدًّا- ثائر بلا قوة ولا شوكة بالشوارع يقتل بالرصاص الحي».
 
ومع الانقضاض على التجربة الديمقراطية التي لم يكن لها شوكة أو قوة تحميها؛ كالحرس الثوري في إيران، ومع منع كل مظاهر الاحتجاج السلمي والتعرض لها بالرصاص الحي والاعتقال والقتل .. هل يعني هذا عسكرة الثورة؟ وأن تقف مصطفًّا كجيش في مقابل جيش؟ لا يمكن لي وبرأسي عقل أن أفكر في ذلك أبدًا؛ فليس هناك تكافؤ في الفرص ولا القوة، لا المقومات ولا طبيعة الأرض ولا التكوين الاجتماعي ولا ... ولا ...، إنما أن تنهك خصمك وتقتص مِن عين مجرمه المغتصب أو القاتل الذي تيقنت بأنه بعينه قتل أو اغتصب، وأن تربك خصمك بتدمير آليات يحاربك بها ويقتلك بها، فهذا ما لا أظن أن عاقلًا يقول أنه خروج عن ما يطلقون عليه «السلمية المبدعة الموجعة»، وأنا أطلق عليه الشوكة والقوة، ولا أظن أيضًا عاقلًا يفكر أن الثورة مع مثل هذه العصابة المجرمة التي تحكمت في كل آلة القوة أن تنتصر بدون قوة رادعة، نعم .. لا بد للثورة مِن شوكة وقوة وقدرة على ردع الخصم وإنهاكه بما يعطل أدواته التي يقتلك بها مِن معدات، وآلات، وأشخاص تيقنت وتعينت وتأكدت وتوثقت جرائمهم وجناياتهم الموجبة للقصاص».
 
وهذا الكلام الخطير له عدة دلالات:
1-  قضية قنص الأشخاص المتورطين في حرب الجماعة مركوزة في فكر ذلك الشخص الذي انبرى للرد على د. البر والدكتور غزلان، وهي عين قضية «الخازندار» رغم أنه نفسه أكد أن الجماعة لن تكررها رغم الحكم على بنات سبعة الصبح؛ مما يؤكد على أن الجماعة تحتاج إلى أن تراجع أخطاء الجهاز الخاص مراجعة شرعية وليست مراجعة سياسية فقط.
 
2-  تسمية الجيش بالمحتل رغم أن الأستاذ حسن البنا لم يطلق هذا على حكومات ما قبل يوليو، ومنها حكومات ممالئة تمامًا للإنجليز، بل هادن الإخوان حكومة إسماعيل صدقي مع مجاهرته بترحيبه ببقاء الإنجليز في مصر يدل على أن هناك شحنًا سياسيًّا ومراهقة في توصيف الواقع تأثرًا بالأزمة السياسية، وهذا ما كان ينبغي على عقلاء الجماعة والوطن أن يتداركوه، يوضح هذا أن أحد المعلقين على المقالة الأولى لحازم سعيد قال معللًا سلمية الإخوان السابقة: ولماذا يجب أن يتخلوا عنها الآن؟ «والله لا أعلم فهمًا للإسلام غير ما كتبت .. وهناك تأصيل هام لم يذكره كاتب المقال الكريم .. وهو أن الحكم الشرعي الآن أن هؤلاء خرجوا على رئيس شرعي بقوة السلاح، فقتالهم فرض عين على كل مسلم ومسلمة، إن ما منع الإخوان في عهود سابقة عن حمل السلاح ضد الأنظمة في مصر هو أنها كانت أنظمة شرعية وإن كانت ظالمة أو منحرفة ولم يكن استبان بعد هل يريد الشعب أن يُحكم بشريعة الله أم لا؟ .. أما وقد تبين رغبة الشعب في أن يحكمه الإسلام في 3 استحقاقات انتخابية، ثم خرج هؤلاء الخوارج على الأمة بسلاحهم فوجب قتالهم».
 
3-  مِن الواضح أن التأثر بالشيعة قد تجاوز الأمور المنهجية إلى الإعجاب بفكرة «الحرس الثوري» الإيراني، وبغض النظر عن كونها فكرة دموية وارتكبت الكثير مِن الجرائم من جهة، وكونها لا تصلح في مصر التي كان الجيش فيها هو الذي فصل بين مبارك والشعب بناءً على شهادات الإخوان والواقع -مهما قالوا فيما بعد عن دوافع ذلك فلن يغير مِن الواقع على الأقل-.
 
4-  الرجل أبقى فصيلًا مِن الناس لا يُعاديهم ويجعلهم ذخرًا لدعوته، ولكنه في النهاية عاد وكشف عن أزمة عميقة تكررت مع الإخوان في تجارب 54 و65 وهي نقل حالة السخط على النظام إلى سخط على الناس؛ لأنهم يتوقعون مِن الناس أن تدخل محنتهم، وهو توقع مبني على أوهام أو مغالطات، والناس ليس مِن ذنبهم أنك تعدهم بما لا تملك وتتساهل معهم في الفتاوى ترغيبًا لهم في دعوتك ثم تطلب منهم أن يجاهدوا في سبيل من وجهة نظرك، وهم في هذه الحالة قد يكونوا غير مهيئين للجهاد في سيبل الدين ذاته، فكيف يفعلون هذا في سيبل فصيل أخطأ نظامه الخاص مرة فاستدرج إلى الاغتيالات وطاش في حساباته السياسية مرات؟! فما ذنب الناس ليجعلهم الكاتب ما بين جبانٍ ومخدوع، ولم ينج مِن هذا إلا مَن استجاب لهم، وإن كانت الاستجابة ثمنها أن يتعرَّض للرصاص الحي.
 
5-  والعجيب أن يعترف الكاتب بهذا دون أن يسأل نفسه بأي معيار شرعي أو سياسي يدفع مناصريه إلى مواجهة الرصاص الحي، وهو الأمر الذي لم يفرضه الله على المسلم الأعزل في نصرة الدين ذاته أمام الكفار وليس في نصرة فصيل مسلم، فلا فرضه الله على المستضعفين في مكة، ورد نبيه صلى الله عليه وسلم عن عمرته من أجل عدد قليل مِن المستضعفين، وفي آخر الزمان يأمر الله عيسى عليه السلام «أن حرز عبادي إلى جبل الطور فإني قد أخرجت عبادًا لا يدان لأحد في قتالهم».
 
6-  وعلى ذات المنوال كتب أحد المعلقين على مقالته مخرجًا فصيلًا من المواجهة، ومبقيًا على آخرين، فلننظر مَن أدخل ومَن أخرج، قال: «هل مع حالة الانقلاب سلمية؟ للجواب عن ذلك أقول: هناك شعب بعضه مؤيد ثائر، وبعضه متعاطف ساكت، وبعضه خائف صامت، وآخرون يخالفوننا في مسلكنا، لكنهم لا يقاتلوننا؛ فهؤلاء إخواننا جميعًا نشد على يد مَن أيَّد ثورتنا أو تعاطف معها، ونحث الخائفين على الشجاعة والإيمان بالواجب، ونناقش ونوضح ونتحمل مَن خالفنا الرأي وإن اشتد خلافه، ومع هؤلاء جميعًا نحن سلميُّون رحماء، وسنظل نحب هؤلاء؛ فهم إخواننا وحقلنا الذي نزرع فيه، وهناك عصابة مِن الزنادقة والمرتدين والقتلة والمجرمين، ومن عمائم أزهرية نجسة، ولحى سلفية خائنة، ورتب عسكرية وشرطية مجرمة، ورموز علمانية كافرة، ووجوه صليبية حاقدة، وأبواق إعلامية فاجرة، وحثالة بلطجية مفسدة، وجنود ظلم قتلوا وحرضوا واغتصبوا ولا يزالون؛ فهؤلاء حقهم الجهاد والسيف، وذلك إجماع المعاصرين والأقدمين، بناءً على النصوص الواضحة والقواعد البيِّنة، والسلمية معهم حرام؛ كحرمة القتال مع المسالمين، وكل قوانين الدنيا وطبائع البشر توجب ذلك وتحتمه، ولسنا في ذلك مخالفين لثوابت ديننا ولا لمعالم دعوتنا، ولا داعي للجدل في الواضحات، وتوضيح البيِّنات، هذا هو الحكم، أما التطبيق والتنفيذ فيخضع لأمور منها: 1- القدرة والإمكانية. 2- وتقدير العواقب والمآلات، وهذا يقدره أهل الميدان والمرابطون في الثغور، وقادة الحراك وأحرار الثورة، وقد قرر العلماء أنه لا يفتي لأهل الثغور إلا علماء الثغور».
 
ولاحظ أن كاتب هذا التعليق بعدما قسَّم الناس إلى مسالم ومواجه، عدَّ أصناف مَن يواجهون، فلم يترك أحدًا تقريبًا غير الإخوان.
 
7-  حاول بعض المعلقين على المقالة الأولى أن يجد مخرجا شرعيًّا فقال: «نعم .. نعم .. نحن نحترم كلا الرأيين، ولكن .. أين نحن مِن قول الله عز وجل: ?وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ? .. وهو حق شخصي لأولياء الدم -بنص القرآن- وفي وجود حاكم قاتل متعمد، وقضاء فاسد مدلس متعمد البطش والظلم؟ -وحتى في وجود دولة-، وأين نحن مِن قول الله عز وجل: ?وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ?؟».
 
وهذه الجزئية كان الدكتور البر قد ردَّ عليها في مقالته؛ حيث قال عن أخذ الأشخاص ثأرهم بأنفسهم: «وهذا بالضبط ما يسعى إليه الانقلابيون، وهم يلعبون بالنار حين يتصورون أن ذلك يمكن أن يعطيهم ذريعة أو تبريرًا لمظالمهم، وفرصة لإلصاق تلك العمليات الثأرية الفردية والعشوائية بالثورة والثوار كذبًا وزورًا، وخصوصًا مع صعوبة التعرُّف على الأفراد أو المجموعات العشوائية التي تفعل ذلك، والتي ترى استسهال الأجهزة الأمنية الفاشلة في إلقاء التهمة على جماعة الإخوان أو غيرهم من الثوار».
 
وفي الواقع أن ادعاء أخذ أولياء الدم ثأرهم بأنفسهم يعني الفوضى بعينها، فأين إثبات القتل على قاتل معين، وأنه قتل عمدًا؟ وأين وأين؟ ثم في النهاية لو سلمنا لذلك جدلًا؛ فلا يجوز في سبيل الثأر لواحد أن تجلب القتل على مجتمع بعينه، ويا ليت مَن يدعو إلى ذلك أن يُراجِع الجماعة الإسلامية في تجربتها الثأرية مع الشرطة، وما آلت إليه، وما جرت عليهم وعلى البلاد، وهذه التجربة تقتضي أن يسأل الإخوان أنفسهم عن أقوالههم عن الجماعة الإسلامية وقت مواجهتها مع الشرطة، رغم أن الجماعة الإسلامية على وجه الخصوص دخلت هذا المنزلق مِن باب الثأر.
 
8-  إذا كان الكاتب ومعظم المعلقين قد قسموا الناس إلى مسالمين ومستحقين للمواجهة، وإذا كانوا حاولوا أن يجدوا في تاريخ الجماعة مسوغًا لاستعمال سياسة الردع والدخول في مستنقع الثأر، إلا أن بعض المعلقين قد تدعشن بالفعل؛ فقال أحدهم: «لا بد مِن تهشيم رأس الداخلية المجرمة فلا تقوم لها قائمة، ولا بد مِن إرهاب قضاء الزند فلا يجرؤ على النطق بالباطل، ولا بد مِن تكسير أطراف الجيش التي تمتد داخل الحياة المدنية، أي جيش يبعد عن الحدود أو خارج معسكراته أو قواعده يجب سحقه، أين هي الألغام التي يمكن لصقها على أية مدرعة وهي تسير ثم يتم تفجيرها؟ رأيناها في العراق، لا بد مِن الحصول عليها».
 
وقال الآخر مطالبًا بتجاوز البنا، بل وقيادات التنظيم الخاص: «أتيت بشجاعة بأفكار لم ينتبه لها البنا، وإخوانه يزج بهم في السجون، ولم يستوعبها الهضيبي، وزبانية ناصر يسومون الإخوان العذاب بالسجون فيقتلون ويشردون، وما تغافل عنه التلمساني في مسالمته للنظام وعدم رفعه السلاح، وما تخاذل عنه مصطفى مشهور وأحمد الملط عضوا النظام الخاص والسيارة الجيب -وخاصة بعد مقتل السنانيري- وكتما عنا هذا العلم، وهذا الفهم لمنهج الإخوان، فكان مَن تربوا معنا مثل: سعد الحسيني والدكتور الغنيمي على هذا الفهم الخاطئ التي تقوم نافذة مصر بتصحيحه، وبيان ما أخفاه عنا معلمونا، فلم يذكروه لنا في كتبهم ولا محاضراتهم ولا جلساتهم الخاصة ولا المعسكرات المتنوعة، شكرا نافذة مصر».
 
ارجعوا إلى الحق ولا تنسبوه إلى حزب النور
قال حازم سعيد في مقالته تحت عنوان (لماذا أنكرنا على حزب النور؟): «إن كان الأمر كما يدَّعي هؤلاء الفاضلان، فلماذا أنكرنا واختلفنا مع حزب النور؟ على الأقل حزب النور كان صريحًا وواضحًا في منهجه منذ البداية، والذي رميناه حينها -بسببه- بالخيانة ونقض المواثيق والعهود، فما بالك أن يصدر هذا المنطق مِن داخل صفنا الإخواني وبعد الأشواط التي قطعناها! لماذا إذن خضنا ما خضناه -بقراراتكم أيها السادة- مِن المشاركة في الثورة، ثم اختيار المسار الدستوري، ثم التنحي عن مشاركات ثورية في مناسبات والخوض في أخرى، ثم المشاركة البرلمانية والمغالبة فيها، ثم الدخول في المنافسة الرئاسية، مع ما جره ذلك كله لنا مِن بلايا ومصائب وامتحانات -وامتهانات-، ثم اعتصام رابعة والنهضة في موجة ثورية ضخمة ترتب عليها ما ترتب مِن المذابح، وكان الدكتور البر فيها أحد قادة ورواد منصة رابعة، وما أدراك ما خطاب منصة رابعة؟ ثم الآن بعد ما جرى نعود فنسلك مسلك حزب النور، ونعتزل الثورة ونفرغها مِن مضمونها بادعاء السلمية وعصمة الدماء –المحرمة- التي أصبحت صنمًا نقدسه، والتي أصبحت موجبًا لتعطيل فريضة الجهاد الذي هو ذروة سنام الأمر، وتفريغه من مضمونه لمضامين فرعية، ولتتحول السلمية التي هي ضد الجهاد إلى مرادف للجهاد في تحوير وتحريف للنصوص والمعاني».
 
وبعيدًا عن الأمور التي تحتها خط، والتي تستدعي وقفات كثيرة؛ فالفكرة هنا أن الأستاذ قد سلك نفس مسلك مَن يهاجمون الحجاب على اعتبار أنه حجاب الإخوان، فهذا يهاجم السلفية على أنها سلفية حزب النور.
 
وقد أثارت هذه الفقرة أوجاع معظم المعلقين، فقال أحدهم: «أختلف مع الأستاذ حازم فيما وصل إليه والتشبيه القبيح بحزب النور؛ هو يتحدث عن القوة والمواجهة، وهو يعلم جيدًا أن الإخوان لا يملكون شيئًا مِن أدوات الردع للظالم، فهل يريد مزيدًا مِن الشهداء؟».
ومِن الملاحظ أن صاحب هذا التعليق يُريد السلمية، ولكنه يستنكف أن يشبهها بخيانة حزب النور،
وقال آخر: «مقالة رائعة جدًّا، ولكن أسوأ ما فيها ذكر حزب النور؛ لأنه أصاب المقالة بشلل شديد عند المحبين للإسلام والثورة ومصر، وفهمه بعض أعضاء الحزب الخائن «النور» على أنها منقبة فالرجاء عدم ذكر هذه الأحزاب الخائنة صراحة ويكفي التلميح للأفعال فقط».
 
إلا أن معلقًا عاقلًا قال: «في التعليقات معظم الناس لم يتحدثوا عن الناحية الشرعية والمخرج مِن الشرع، وعدد آخر ساب المقال والرد على المقالين السابقين ومسكوا في تشبيه حزب النور ... سبحان الله! (الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أولى بها)».
 
ونحن نتمنى أن يعمل الجميع بنصيحة هذا المعلق، كما ننصح إخواننا أنهم متى رأوا مَن يعود إلى رأيهم أو يفكر حتى في العودة إليه أن يعينه على مراجعة أخطائه وألا يستخدموا اللغة التي عبر بها أحدهم حينما  قال: «وكل ده كان ليه؟!»، بل يستعيدوا ذات الروح الإسلامية التي انتهجها الإخوة حينما رحبوا وساعدوا إخوة الجماعة الإسلامية على مراجعاتهم، مما كان له أكبر الأثر في إيقاف أنهار الدماء التي كانت تسيل.
 
هل مِن عقلاء يُنقذون الموقف؟
نصيحة للدكتور البر والدكتور غزلان؛ هاهي شبهات شبابكم التي رفضوا بها سلميتكم وعامتها بثته قنواتكم لهم، وغذاهم به أفراد أنتم مَن أتيتم بهم إلى فاعلياتكم قبل 30/ 6 وبعدها، وبعض هذه الشبهات تستند إلى ممارسات تاريخية، والواجب التصدي العلمي لهذه الشبهات بالشرح والتفنيد، وهذه مسئولية تجاه شبابكم ودينكم وأمتكم، بغض النظر عن مستقبل جماعتكم.
 
ونصيحة لأصحاب -لا صوت يعلو على صوت المعركة-: المجتمع كله يئن مِن العنف، ولكن عليكم أن تتذكروا أن الواجب على المجتمع أن يردع الخارجين عليه؛ ليعيدهم إلى الصواب، ففتح باب الحوار مع أي أحد لرده إلى الصواب واجب ديني وعقلي لا يغفله إلا متهور، أو غير مبالٍ بمصلحة الوطن، وهذا لا ينافي طرق المواجهة الأخرى بشرط انضباطها، وإلا أدت إلى مزيد مِن الاحتقان.
 
البيان المعنون ببيان علماء الأمة والمجاملة على حساب مصالح الأمة
صدرت منذ 3/ 7 العديد مِن البيانات عن مؤتمرات تنعقد خارج مصر تضم مصريين مِن تحالف دعم الشرعية ومن غيرهم، كما تضم دعاة من بلدان شتى وتشترك عامتها في أنها تفتي فيما لا تحسن، وتصوب أفعال قوم وتخطئ أفعال قوم آخرين بدون معرفة بالواقع، إلا أن الجديد في هذا البيان أنه يكاد يكون نسخة مِن المقالات التي ردت على د. البر ود. غزلان مِن الدعوة إلى مواجهة الجيش والشرطة والقضاء، والعجيب أن هؤلاء الموقعين على البيان يوجد في كثير مِن بلادهم مظالم، ومع هذا يدعون أتباعهم في بلادهم إلى الصبر ووأد الفتنة، ولا ندري لماذا لا يطبق هذا في مصر وهي قلب العالم العربي والإسلامي؟ بل إن منهم مَن ترك الحكم والمنازل والمساجد والجامعات لتمتهنها العصابات الحوثية، رغم قدرته على المقاومة، ورغم وجود الظهير الشعبي تحت دعوى «حقن الدماء»، ومع هذا يؤيد تهور المتهورين في مصر تحت مسمى «الثأر»!!
 
وإن كان من إيجابية في هذا البيان الأخير فهو غياب معظم الأسماء السلفية التي وقعت على بيانات سابقة، بل وغياب توقيعات معظم -إن لم يكن كل- رموز السرورية السعوديين والمصريين على حد سواء، وكذلك غياب توقيعات رموز الجامعة الإسلامية.
 
نأمل أن يكون عدم توقيع هؤلاء نابعًا عن عدم قناعة بما جاء فيه، وأن يكثر العقلاء في الأمة، وأن يكثر مَن يُقدِّم العقل على العاطفة والشرع على الهوى .. اللهم آمين.