إن المتأمل في البيان
الصادر في 27 مايو الماضي والمنسوب إلى بعض الشخصيات التي أطلقت على نفسها
(علماء الأمة) يلحظ مِن بين ما يلحظ ما يلي:
الأمر الأول:
أن معظم الـمُوَقِّعين على البيان المذكور هم مِن جنسيات مختلفة غير مصرية، وهذا
أمر غريب؛ لأنه إهدار للقاعدة المعروفة وهي: أن الحكم على شيء فرع عن تصوره،
فكيف لعلماء هنود وباكستانيين وأفارقة وغيرهم أن يصدروا تلك الفتوى الخطيرة،
والتي تتضمن وجوب إعلان العصيان المدني في مصر، والدعوة إلى مقاومة نظام الدولة
بشتى الأساليب والخروج على حكامها؟ والذي يعني ببساطة إدخال مصر في محرقة وفي
حرب أهلية لا يعلم كيف ومتى تنتهي إلا الله؟ وذلك دون دراسة للواقع في مصر دراسة
جيدة، وأقول لأولئك العلماء: هل ترتضون لبلادكم أن يصدر بشأنها فتوى مِن علماء
مصريين كهذه الفتوى؟
إن الآيات والأحاديث
التي تتحدث عن الظلم والظالمين ليست كافية في غياب الإلمام الجيد بالواقع لِأَنْ
نضعها توصيفًا لطرف دون الآخر في مصر؛ فالجملة الفعلية التي تبدأ -على سبيل
المثال- بفعل مثل: «قَتَلَ» أو «دَمَّرَ» أو «أَحْرَقَ» لها فاعل ولها مفعول به،
فهل قمتم أيها العلماء بالتحديد الدقيق للفاعلين والتأكد من المفعول بهم
وأوصافهم في المجتمع المصري حتى تصدروا مثل تلك الفتوى الخطيرة؟!
وحين تحدثتم عن جرائم
القتل والحرق وسفك دماء الأبرياء، فهل قمتم بالحصر الدقيق للمقتولين، وحددتم
أوصافهم؛ فهناك نساء وأطفال وجنود وضباط وإرهابيون داعشيون وغير ذلك، حتى تخرجوا
في النهاية بمن هم الظالمون؟ وتنزلوا عليهم آيات الظلم التي أوردتموها في بيانكم.
الأمر الثاني:
قمتم بالتوقيع على تلك الفتوى عندما شرح لكم الواقع في مصر شخصيات مغرضة
وشهاداتهم مجروحة، وهي شخصيات لها وجهة نظر واحدة ومحددة ولا يهمها إلا شيء واحد؛
إما كرسي الحكم وإما حرق مصر!! المهم عندهم إعادة كرسي الحكم حتى ولو كان على
أشلاء التسعين مليون مصري، فكيف ترضون بذلك أيها العلماء؟
قولوا لنا: أين
درستم؟ وفي أي كتاب قرأتم أن حاكمًا شرعيًّا إذا قام حاكم آخر بالانقلاب عليه
–كما تقولون- واستتب له الأمر فالواجب الشرعي هو إعادة ذلك الحاكم المخلوع إلى
كرسيه، ولو كان الثمن هو تدمير البلد وحرقها؟!
الأمر الثالث:
قلتم أن نظام الحكم في البلد يقتل المسلمين ويترك اليهود على حدود مصر يحتلون
المسجد الأقصى... إلى آخر هذا الكلام، والمعلوم أن مصر قد وقَّعت مع إسرائيل
معاهدة سلام منذ سنوات طويلة لا تسمح لطرف بالاعتداء على الطرف الآخر، فأين كنتم
عندما كان الدكتور مرسي رئيسًا للبلاد، ومكث عامًا كاملًا دون أن يظهر منه –ولو
تلميحًا- حرف واحد أو كلمة واحدة في خطبه الكثيرة يفهم منها –ولو بطريق غير
مباشر- أنه لا يرضى عن تلك المعاهدة، وأنه يعد العدة للجهاد ولتحرير فلسطين، ولم
يحدث –ولو مرة واحدة- أن استدعى السفير المصري من تلك أبيب، أو لمـَّح بطرد
السفير الإسرائيلي إلى بلاده.
الأمر الرابع
والأخير: أن الغريب أن بيانكم قد خلا تمامًا
-وأنتم المهتمون بمصر والمشفقون عليها- مِن الحديث عن الإرهاب الذي يُهدد البلد
والبلاد المجاورة، وعن الداعشيين المكفرين للأمة، هاتكي الأعراض، بائعي النساء في الأسواق، خوارج
العصر!!
وأنا أتساءل: ما
السبب في سكوتكم؟ هل ترضون عن فكرهم وعن تكفيرهم للأمة؟ وهل ما يفعلون بمصر
والبلاد العربية الأخرى شيء هيِّن عندكم؟
وأسألكم –وأنتم مِن
شتى أقطار الأرض- أين تعلَّم هؤلاء الشباب هذا الفكر المنحرف؟ هل ولدتهم أمهاتهم
بهذا الفكر؟!
نرجوكم: اصمتوا هو أزكى لكم.