اصمتوا هو أزكى لكم

  • 156

إن المتأمل في البيان الصادر في 27 مايو الماضي والمنسوب إلى بعض الشخصيات ‏التي ‏أطلقت على نفسها (علماء الأمة) يلحظ مِن بين ما يلحظ ما يلي:‏‎
 
الأمر الأول: أن معظم الـمُوَقِّعين على البيان المذكور هم مِن جنسيات مختلفة غير مصرية، ‏وهذا ‏أمر غريب؛ لأنه إهدار للقاعدة المعروفة وهي: أن الحكم على شيء فرع عن تصوره، ‏فكيف ‏لعلماء هنود وباكستانيين وأفارقة وغيرهم أن يصدروا تلك الفتوى الخطيرة، والتي ‏تتضمن ‏وجوب إعلان العصيان المدني في مصر، والدعوة إلى مقاومة نظام الدولة بشتى ‏الأساليب ‏والخروج على حكامها؟ والذي يعني ببساطة إدخال مصر في محرقة وفي حرب أهلية لا ‏يعلم ‏كيف ومتى تنتهي إلا الله؟ وذلك دون دراسة للواقع في مصر دراسة جيدة، وأقول ‏لأولئك ‏العلماء: هل ترتضون لبلادكم أن يصدر بشأنها فتوى مِن علماء مصريين كهذه ‏الفتوى؟ ‏‎
 
إن الآيات والأحاديث التي تتحدث عن الظلم والظالمين ليست كافية في غياب الإلمام ‏الجيد ‏بالواقع لِأَنْ نضعها توصيفًا لطرف دون الآخر في مصر؛ فالجملة الفعلية التي تبدأ -على ‏سبيل ‏المثال- بفعل مثل: «قَتَلَ» أو «دَمَّرَ» أو «أَحْرَقَ» لها فاعل ولها مفعول به، فهل قمتم أيها ‏العلماء ‏بالتحديد الدقيق للفاعلين والتأكد من المفعول بهم وأوصافهم في المجتمع المصري ‏حتى ‏تصدروا مثل تلك الفتوى الخطيرة؟! ‏‎
 
وحين تحدثتم عن جرائم القتل والحرق وسفك دماء الأبرياء، فهل قمتم بالحصر ‏الدقيق ‏للمقتولين، وحددتم أوصافهم؛ فهناك نساء وأطفال وجنود وضباط وإرهابيون ‏داعشيون ‏وغير ذلك، حتى تخرجوا في النهاية بمن هم الظالمون؟ وتنزلوا عليهم آيات الظلم ‏التي ‏أوردتموها في بيانكم.‎
 
الأمر الثاني: قمتم بالتوقيع على تلك الفتوى عندما شرح لكم الواقع في مصر ‏شخصيات ‏مغرضة وشهاداتهم مجروحة، وهي ‏شخصيات لها وجهة ‏نظر واحدة ومحددة ولا يهمها إلا شيء واحد؛ إما كرسي الحكم وإما ‏حرق مصر!! المهم ‏عندهم إعادة كرسي الحكم حتى ولو كان على أشلاء التسعين ‏مليون مصري، فكيف ‏ترضون بذلك أيها العلماء؟‎
 
قولوا لنا: أين درستم؟ وفي أي كتاب قرأتم أن حاكمًا شرعيًّا إذا قام حاكم آخر ‏بالانقلاب ‏عليه –كما تقولون- واستتب له الأمر فالواجب الشرعي هو إعادة ذلك الحاكم ‏المخلوع إلى ‏كرسيه، ولو كان الثمن هو تدمير البلد وحرقها؟!‏‎
 
الأمر الثالث: قلتم أن نظام الحكم في البلد يقتل المسلمين ويترك اليهود على حدود ‏مصر ‏يحتلون المسجد الأقصى... إلى آخر هذا الكلام، والمعلوم أن مصر قد وقَّعت مع ‏إسرائيل ‏معاهدة سلام منذ سنوات طويلة لا تسمح لطرف بالاعتداء على الطرف الآخر، ‏فأين كنتم ‏عندما كان الدكتور مرسي رئيسًا للبلاد، ومكث عامًا كاملًا دون أن يظهر منه –‏ولو ‏تلميحًا- حرف واحد أو كلمة واحدة في خطبه الكثيرة يفهم منها –ولو بطريق غير ‏مباشر- ‏أنه لا يرضى عن تلك المعاهدة، وأنه يعد العدة للجهاد ولتحرير فلسطين، ولم يحدث ‏‏–ولو ‏مرة واحدة- أن استدعى السفير المصري من تلك أبيب، أو لمـَّح بطرد السفير ‏الإسرائيلي إلى ‏بلاده.‏‎
 
الأمر الرابع والأخير: أن الغريب أن بيانكم قد خلا تمامًا -وأنتم المهتمون بمصر ‏والمشفقون ‏عليها- مِن الحديث عن الإرهاب الذي يُهدد البلد والبلاد المجاورة، وعن ‏الداعشيين ‏المكفرين للأمة، هاتكي الأعراض، بائعي النساء في الأسواق، خوارج العصر!!‏‎
 
وأنا أتساءل: ما السبب في سكوتكم؟ هل ترضون عن فكرهم وعن تكفيرهم ‏للأمة؟ ‏وهل ما يفعلون بمصر والبلاد العربية الأخرى شيء هيِّن عندكم؟‎
 
وأسألكم –وأنتم مِن شتى أقطار الأرض- أين تعلَّم هؤلاء الشباب هذا الفكر ‏المنحرف؟ ‏هل ولدتهم أمهاتهم بهذا الفكر؟!‏‎
 
نرجوكم: اصمتوا هو أزكى لكم.‏