فتنة المناهج المنحرفة

  • 199

فتنة المناهج المنحرفة:
مِن أخطر ما يتعرض له الصف الإسلامي والمسلمون عمومًا؛ فإن المناهج -مثلًا- التي تدعو إلى أن يغرق المسمون في تبعيتهم لأعدائهم، قد كثرت وانتشرت في هذا الزمان، وقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم عن الشر الذي يكون في آخر الزمان؛ ففي حديث حذيفة المشهور قال: «كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يُدركني، فقلت: يا رسول الله، إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير مِن شر؟ قال: نعم. قلت: وهل بعد ذلك الشر مِن خير؟ قال: نعم، وفيه دخن. قلت: وما دخنه؟ قال: قوم يهدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر. قلت: فهل بعد ذلك الخير مِن شر؟ قال: نعم، دعاة إلى أبواب جهنم، مَن أجابهم إليها قذفوه فيها. قلت: يا رسول الله، صفهم لنا. فقال: هم مِن جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا -وفي رواية: قلوبهم قلوب شياطين في جسمان إنس- قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم. قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعضَّ بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك».
 
ما أكثر مَن يجهل هذا الحديث مع كونه مِن أخطر ما يكون، وفهمه مِن أعظم ما نحتاج إليه؛ لأننا بالفعل في زمن الدعاة على أبواب جهنم، فالترتيب الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم ترتيب زمني؛ حيث كان الشر الذي وقع بعد الخير  الأول -ببعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم- هو الفتنة التي وقعت بين الصحابة، والتي انتهت بعام الجماعة عندما صار المـُلك إلى معاوية رضي الله عنه، وتنازل الحسن بن علي رضي الله عنه عن الخلافة له، وبعده كان بنو أمية، ثم بعدهم بنو العباس، وكان هذا هو الخير الذي فيه دخن، فقد كانوا -مع المخالفات التي كانت في عهدهم- يعظمون السُّنَّة، ويقيمون شعائر الدين الظاهرة؛ كالجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإقامة الحدود، بل كثر في زمانهم العلماء العاملون الذين يحافظون على المجتمع متماسكًا أمام ضربات الأعداء، وكان المسلمون يُعْلُون كلمة الإسلام بالسلوك الطيب والدعوة والجهاد على أرجاء المعمورة.
 
ثم جاء بعد هذا الخير الذي فيه دخن الشر الذي أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أنه: «دعاة على أبوب جهنم»، وقد بدأ ظهور هؤلاء الدعاة على أبواب جهنم -في الحقيقة- في زمن الخير الذي فيه دخن، ولكنه ازداد بعده حتى عمَّ وطمَّ، وذلك كظهور فرق الضلال والبدع؛ كالخوارج والرافضة والمعتزلة والقرامطة؛ ففرق الضلال بدأت تُؤسس دولًا وسلطانًا منذ زمن الخير الذي فيه دخن؛كدولة القرامطة، والدولة المسماة بالفاطمية، وهي في الحقيقة باطنية، وكان أيضًا -في بعض أزمنة الخير الذي فيه دخن- دعاة إلى الباطل علانية؛ كما حدث في زمن الإمام أحمد في فتنة خلق القرآن -امتحان المعتزلة الناس بالقول بخلق القرآن، إلى أن أبطل الله الفتنة بثبات الإمام أحمد رحمه الله-، ولكن معظم هؤلاء الدعاة على أبواب جهنم كانوا نبتًا صغيرًا، يبقى مدة ثم يزول، أما في زمن الشر الذي نحن فيه فقد كثر هؤلاء الدعاة حتى صار أكثر الناس معرضون للاستجابة لهم -والعياذ بالله-.
 
وهنا سؤال لا بد أن نفقه إجابته:
إذا كنا الآن في زمن الدعاة على أبواب جهنم، فمَن هم هؤلاء الدعاة؟
مِن أحق الناس بهذا الاسم في زماننا دعاة العلمانية الرافضون لمرجعية الشريعة، والليبرالية، والاشتراكية، ودعاة القومية العصبية الجاهلية، وغيرها مِن المناهج التي ليست مِن الإسلام، وإنما للخداع فقط لينجذب الناس إليهم، فهؤلاء ينطبق عليهم وصف الرسول صلى الله عليه وسلم: «مِن جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا قلوبهم قلوب شياطين في جثمان إنس»، وكذلك فرق الرافضة الشيعة وما أظهر تحالفهم وعمالتهم لأعداء المسلمين مع اليهود النصارى في أفغانستان، ثم العراق لمحاربة أهل السنة، ومِن العجيب: أنك ترى مَن يروِّج لاتباع هؤلاء، وقد قال صلى الله عليه وسلم: «مَن أجابهم إليها قذفوه فيها»، وينهون عن التعاون مع دعاة الإسلام، فالمؤمن مأمور بأن يعتزل فرق الضلال كلها، وأن يلزم جماعة المسلمين وإمامهم، وأن يكون في الأرض خليفة، وإن لم يكن لهم في الأرض خليفة فلا تخلو الأرض مِن جماعة أهل السنة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تزال طائفة مِن أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم مَن خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك»، فليس المقصود -بلا شك- مِن اعتزال الفرق اعتزال أهل السنة، أو عدم التعاون على البر والتقوى كما يزعم البعض كذبًا وزورًا أن هذا هو معنى الحديث، إذ ليس الدعاة إلى الله الملتزمون بدينه الذين يتعاونون على إقامة شرعه بدعاة على أبواب جهنم يجب اعتزالهم، بل الدعاة على أبواب جهنم هم دعاة المناهج المنحرفة كالخوارج والقرامطة، ودعاة العلمانية وفصل الدين عن الحياة، الذين يروجون للولاء للغرب والغرق في متابعته شبرًا بشبر وذراعًا بذراع، هؤلاء وأمثالهم هم الذين يجب علينا اعتزالهم وتحذير الناس منهم، فلا يجوز أبدًا أن تبقى قضية الولاء والبراء والحب والبغض والطاعة والمتابعة مندثرة المعالم يختلط فيها الحابل بالنابل؛ فتجد مثلًا مَن يُسمِّي بعض صور المعاملة الجائزة -كالبيع والشراء- موالاة محرمة، في حين يستدل البعض بهذه الصور على جواز الموالاة للكافرين، فهذا خلط عجيب مرفوض.
 
مع أن المسألة واضحة في شرع الله عز وجل، أن معاني الموالاة هي: الحب، والمودة، والنصرة، والطاعة، والمتابعة، والتشبه بهم، والركون إليهم، والمعاونة على أمرهم؛ فلا يُقال لمَن باع أو اشترى منهم: أنه والاهم، ولا يُقال أيضًا: أن محبتهم ومودتهم جائزة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم باع لهم واشترى منهم، ويسمي ذلك سماحة، ثم يؤول به الأمر إلى أن يصوب الملل الكفرية، بل سمعنا مَن قال: إن الخلاف بين المسلمين وبين اليهود والنصارى ليس خلافًا دينيًّا؛ بالمحالفة لقولة تعالى: "ومن يبتغ غير الإسلام دينًا فلن يقبل منه".
 
 
كذلك مَن يزعم أن الخلاف بيننا وبين اليهود أنهم لا يُعطون الفلسطينين حقوقهم، أو أنهم يسمحون بوجود مستوطنات، بل منهم مَن يقول:إن المشكلة الحقيقة بيننا وبينهم أنهم لا يطبقون قرارات الأمم المتحدة، أو أنهم اغتصبوا أجزاءً مِن الأرض!!
 
والحقيقة أنهم اغتصبوا الأرض كلها؛ فأرض فلسطين ملك للمسلمين عمومًا منذ أن فتحها عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وليس لأحد أن يتنازل عنها، ولكن حتى ولو لم يغتصب اليهود شيئًا مِن أرضنا ولم ينتهكوا شيئًا مِن حُرُماتنا، لظلوا أعداءً لنا؛ لأنهم يكفرون بالله عز وجل، ويكفرون بالقرآن العظيم، ويكذبون الرسول صلى الله عليه وسلم، نعوذ بالله مِن هذه الفتن المهلكة.
 
فالواجب على كل مسلم أن يحذر على نفسه ويحذر الناس مِن حوله مِن هؤلاء الدعاة على أبواب جهنم، الذين يزعمون أن التقدم لا يكون إلا بتقليد الغرب في كل أحواله، فلا يكون متحضرًا إلا مَن شاهد أفلامهم وسمع موسيقاهم وغنى أغانيهم ولبس ثيابهم.
وللحديث بقية، إن شاء الله.