في مواجهة الفتن

  • 169

نستكمل ما بدأناه في العدد الماضي في موضوع فتنة المناهج المنحرفة، ومِن المناهج المنحرفة أيضًا:
المنهج الشيعي: ويجب على دعاة الإسلام التحذير منه، لا أن يكون مِن بينهم دعاة للتقارب معه والالتقاء به في منطقة وسط.
 
ثم هم أنفسهم يتراجعون عن ذلك في أحوال سياسية معينة، فمن يوم أن قامت ثورة -إيران- والخلاف في كيفية التعامل معها محتدم بين أفراد الصحوة الإسلامية؛ فمنهم مَن أيَّدها تأييدًا كاملًا، وصفَّق لها كثيرًا، ثم بعد أن اختلف معها لعنها لعنًا شديدًا، وهناك مَن أقام توازنات سياسية معها، أما الدعاة الذين يبنون مواقفهم على العقيدة الصحيحة فإن موقفهم كان واحدًا عبر التاريخ، وإنما عصمهم الله باتباعهم لسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم الذي أمر أن نعتزل تلك الفرق كلها.
 
فالسبيل الوحيد لوحدة المسلمين هو اجتماعهم على المنهج الصحيح بتفاصيله، فإن الدعاة الذين لم تختلف مواقفهم ولم يختلفوا فيما بينهم هم الدعاة الذين يبنون مواقفهم على العقيدة الصحيحة، أما غيرهم فقد اختلفوا فيما بينهم وتغيرت مواقفهم بتغير الأحوال والسياسات.
 
ومِن أخطر الفتن داخل الصف الإسلامي فتنة المناهج المنحرفة المتعلقة بالغلو، خاصة الغلو في التكفير بدرجاته المختلفة؛ فمنهم مَن يُكَفِّر المجتمع ككل، ومنهم مَن يتوقف في شأن عامة المسلمين أو بعضهم،
 
فلم يحكم لهم بإسلام ولا بكفر.
 
ومِن الآثار المترتبة على وجود هؤلاء بين أفراد الصحوة، أن نجد عند بعض مَن ليس له حظٌّ مِن العلم، فلا يصلح أن يطلق عليه لقب (طالب علم) .. جرأة عجيبة وتسرعًا واضحًا في مسائل تحتاج إلى علماء مجتهدين ومجالس قضاء ليقرروا (أكفر فلان أم لم يكفر؟ وهل أقيمت عليه الحجة أم لا؟ وهل استوفى شروط التكفير أم لا؟) كل هذه مِن مسائل الاجتهاد الكبرى، التي لا ينبغي لطلاب العلم الخوض فيها، وإنما يتكلم فيها العلماء الراسخون.
 
وخطورة هذه الفتنة أنها تدخل على الشباب الملتزمين مِن باب الحرص على الدين، والغيرة على محارم الله، والجرأة في الحق، وأنه لا يتهاون فيه أبدًا، وهذا خطر عظيم.
 
ولذلك نُحَذِّر إخواننا مِن هذه الفتنة ومِن هذه المناهج؛ لأن بعض أتباع هذه المناهج يُلقون بالشبهات على الإخوة والأخوات، وهم للأسف لا يستطيعون الرد الصحيح عليها؛ لعدم التعلم الذي ذكرناه في فتنة محدودية الالتزام.
 
وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم مِن فتنة الغلو عامة، ومِن فتنة التكفير خاصة؛ فقال صلى الله عليه وسلم: «وإياكم والغلو في الدين؛ فإنما أهلك مَن كان قبلكم الغلو في الدين».
 
وحذر في أحاديث كثيرة مِن التكفير، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «مَن رمى مسلمًا بكفر فهو كقتله»، فقد تواترت الأحاديث بذم الخوارج، فمنها: وصفهم بأنهم كلاب النار فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الخوارج كلاب النار»، وأنهم «يقتلون أهل الإسلام، ويدعون أهل الأوثان ...»، وأنهم مع كثرة قراءتهم وعبادتهم يمرقون مِن الدين كما يمرق السهم مِن الرمية، وأنهم يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم، وأخبر صلى الله عليه وسلم أنه لو أدركهم لقتلهم مثل عاد وإرم، وأن الفئة التي تقاتل الخوارج هي أَوْلى الفئتين بالحق.
 
ولعلاج هذه الفتن لا بد مِن التمسُّك بمنهج أهل السنة والجماعة بطريقة السلف رضي الله عنهم، ومدارسته مسألة مسألة؛ لنتعرف على معالم هذا الطريق الذي تسفي عليه رياح الفتن، فيلتبس على كثير مِن الناس.
 
نقول: منهج أهل السنة والجماعة بفهم السلف رضي الله عنهم؛ فمصطلح (أهل السنة والجماعة) يتسمى به أناس ليسوا منه في شيء، ونخشى أن يأتي علينا زمان يتسمَّى فيه أناس باسم السلفية وهم ليسوا مِن السلفية في شيء، والعلاج الوحيد والوقاية الحقيقية مِن ذلك هو عدم الاكتفاء بمجرد الانتماء الإجمالي لاسم السلفية، بل لا بد مِن تعلم تفاصيل هذا المنهج والتحقق به في كل جانب مِن جوانب الحياة.
 
وما أيسر أن نتعلم معالم هذا المنهج؛ لأنه مِن الذكر، والله سبحانه وتعالى يقول: «ولقد تركناها آية فهل مِن مدكر»، والسنة هي بيان القرآن؛ فهي أيضًا ميسرة، فلو تدارسنا مختصرًا مِن المختصرات في العقيدة المبنية على الكتاب والسنة، مع نية خالصة ومتابعة صادقة لأهل العلم فإنه يكفي -بإذن الله تعالى- في حماية الأخ مِن المناهج المنحرفة، والله المستعان.