• الرئيسية
  • المقالات
  • البنا يقول "ليسوا إخوانًا و ليسوا مسلمين" عن قاتلي صاحب مذبحة كوبري عباس فهل من مقتدٍ به؟!

البنا يقول "ليسوا إخوانًا و ليسوا مسلمين" عن قاتلي صاحب مذبحة كوبري عباس فهل من مقتدٍ به؟!

  • 157

الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله و بعد:
تعرضنا في المرة السابقة للخلاف الدائر بين أجنحة الإخوان حول العنف و السلمية و قد حاول كل فريق منهم أن يحشد ما استطاع من أدلة فتمسك القائلون بالسلمية بالقسط الأكبر من تاريخ الأستاذ حسن البنا -رحمه الله- بينما تمسك الآخرون بما جاء في رسالة المؤتمر الخامس من قوله: "وبعد كل هذه النظرات والتقديرات أقول لهؤلاء المتسائلين: إن الإخوان المسلمين سيستخدمون القوة العملية حيث لا يجدي غيرها، وحيث يثقون أنهم قد استكملوا عدة الإيمان والوحدة، وهم حين يستخدمون هذه القوة سيكونون شرفاء صرحاء وسينذرون أولاً، وينتظرون بعد ذلك ثم يقدمون في كرامة وعزة، ويحتملون كل نتائج موقفهم هذا بكل رضاء وارتياح".
 
و عاشت الجماعة منذ منتصف السبعينات تنفي الدعوة إلى استخدام القوة عن الأستاذ حسن البنا -رحمه الله- ومنهم من رمى بتبعة ظهور فكر العنف والتكفير في الإخوان على الأستاذ سيد قطب -رحمه الله- كالشيخ القرضاوي ومنهم من حاول تبرئة سيد قطب أيضا كسالم البهنساوي.
 
وقد قررنا أنه كان يمكن بل قد تم بالفعل قبول تبرئة كل الرموز التاريخيين بما في ذلك سيد قطب ذاته إذا كان الواقع منضبطا نظرياً وعملياً.
 
ولعل أكبر خطأ من التيارات الإسلامية الإصلاحية أنها قبلت بل واجتهدت في تبرئة تاريخ الإخوان بناءًا على واقعهم العملي السلمي منذ عودتهم للحياة العامة فى السبعينيات  دون أن يطالبوا الجماعة بتأصيل نظري محكم لهذه المسائل.
 
حتى فوجئنا بأن فصيلًا كبيرًا من الجماعة يستدعي سياسة (الردع) التي قررها سيد قطب في تنظيم 65 ولكن ينظر لها من كلام حسن البنا -رحمه الله-.
 
ومهما يكن من شأن معنى كلام الأستاذ حسن البنا -رحمه الله- فيبقى أن مواقفه العملية المعلنة من قضية الاغتيالات كانت فى غاية الوضوح و كانت فى درجة استنكارها للاغتيالات أكثر صرامة من درجة استنكار الفريق الداعي إلى السلمية في الإخوان للاغتيالات وأما دعاة العنف فحدث ولا حرج.
 
ويتضح هذا بوضوح فى البيانات و التصريحات التي صدرت من الجماعة أو من بعض رموزها بشأن حادث اغتيال النائب العام.
 
وهي القضية التي أعادت إلى الأذهان قضية اغتيال القاضي الخازندار والتي بدأت معها المحنة الأولى لجماعة الإخوان وإليك ملخص القضية كما رواها الأستاذ محمود عبد الحليم في كتابه "الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ".
 
قال الأستاذ محمود عبد الحليم ما ملخصه:
 
"قضية اغتيال الخازندار :
 
وقعت هذه الجريمة في 22 فبراير 1948. واتُهم فيها طالبان من المنتسبين إلى الإخوان... ولا أزال أذكر كيف وقع نبأ هذه الجريمة على الأستاذ الإمام وعلينا جميعا موقع الصاعقة.. حتى أن الأستاذ -رحمه الله- تنهد طويلًا وأخذ يشكو إلى الله من هذا التصرف الأحمق والحماس الأعمى الذي شبهه بإخلاص الدب لصاحبه، إذ أراد أن يخلصه من مضايقة ذبابة علي وجهه وهو نائم، فأتي بحجر ضخم وألقاه علي الذبابة فلم يصبها ولكنه قتل صاحبه.
 
تبين فيما بعد أن هذين الشابين -وكانا بعد في الدراسة الثانوية- كانا صديقين لشابين في مثل سنهما من الإخوان هما حسين محمد عبد السميع ومحمود نفيس حمدي، اتهما -في معمعان ثورة الشعب على طغيان العسكريين الإنجليز وتعديهم على أفراد الشعب- بإلقاء قنبلة يدوية على نادي الضباط الإنجليز بالقاهرة في ليلة عيد الميلاد من عام 1947 ولم يصب أحد من هذه القنبلة، ولم يقبض عليهما في مكان الحادث بل ضبطا في أثناء سيرهما، وعند تفتيشهما وُجد في جيب الأول قنبلة لما سُئل عنها قال إنه وجدها في الطريق. ولما عُرضت هذه القنبلة علي ضابط استكشاف القنابل قدم تقريرًا بأنها ليست من النوع الذي ألقي في تلك الليلة.. وقد قدم هذان الشابان إلى محكمة الجنايات برياسة المستشار أحمد الخازندار بك فأصدرت حكمها في 18 يناير 1948 بحبس حسين عبد السميع ثلاث سنوات مع الشغل وغرامة مائة جنيه - وقد سبق أن أشرنا إلى هذه الحادثة في موضعها في الجزء الأول من هذا الكتاب.
 
وفي خلال ذلك العام نفسه عام 1947 كانت هناك أمام القضاء قضية هامة لجريمة بشعة مروعة وقعت في الإسكندرية وقد هزت أرجاء البلاد سميت بجريمة سفاح الإسكندرية وكان يدعى حسن قناوي. وقد راح ضحية هذه الجريمة أكثر من قتيل. وكانت دوافع ارتكاب جرائم القتل هذه دوافع جنسية قذرة.. وكانت تفاصيل هذه القضية وما دار في جلساتها من شهادات مما يزكم الأنوف، ويؤذي المشاعر، من بهيمية منحطة ووحشية مرعبة.. وكان ما تنقلته الصحف مما يدور في جلسات هذه القضية يثير الذعر والاشمئزاز في نفس كل مصري ومصرية.. وتمنى الشعب كله أن لو استطاع القضاء أن يخلص الإنسانية من هذا الوحش الكاسر الدنيء.. وطالب الأستاذ أنور حبيب وكيل النيابة في مرافعته برقبة المتهم فجاء طلبه مترجمًا لشعور الناس جميعا في أنحاء البلاد. ولكن الحكم الذي أصدرته محكمة الجنايات برياسة أحمد الخازندار بك كان صدمةً لمشاعر الناس، فقد أصدرت المحكمة في 12 مارس 1947 على سفاح الإسكندرية بسبع سنوات من الأشغال الشاقة، تلقاها المتهم -كما جاء بالصحف في ذلك الوقت- بالابتسام بعد أن كان واجمًا. تبين أن هذين الشابين حنقا علي رئيس المحكمة ألا يراعي في حكمه الدوافع الوطنية النبيلة في القضية الأولى، وأن يساوي بينها وبين الدوافع القذرة الأثيمة الثانية، فأقدما على ما أقدما عليه.
 
كانت هذه الجريمة في ذاتها -مع كل ما قيل فيها من اعتبارات وظروف- جريمة شائنة، ولكنها بالنسبة للإخوان المسلمين -وهم متقيدون بالمثل الإسلامية العليا- كانت صدمة قاسية، وكارثة أليمة.. وما كان الإخوان في ذلك الوقت يملكون إزاءها أكثر من أن يعلنوا استنكارهم أشد الاستنكار، وتبرؤهم منها ومن مرتكبيها. ومع أن محاكمة الشابين أثبتت أنهما لم يستوحيا إقدامهما على الجريمة من أية جهة غير تصورهما الشخصي، ومع أن الفحص الطبي أثبت أن بهما لوثة من الجنون، وأصدرت المحكمة بناءًا على ذلك حكمها عليهما بالأشغال الشاقة المؤبدة دون الإعدام.. مع كل هذا فإن هذه الجريمة تركت أثرها في نفوس الرأي العام بأن كل ذلك لم يكن كافيًا لإبراء ذمة دعوة هي في نظر الناس أطهر من ماء السماء.. وليس معنى هذا أن الرأي العام قد وصم الإخوان بهذه الجريمة، أو اعتقد أن لهم فيها يدًا، وإنما كان يتمنى ألا يكون مرتكبا هذه الجريمة قد انتسبا إلى هذه الدعوة في يوم من الأيام.. وكما أن هذا الشعور كان شعور الرأي العام فإنه أيضا كان شعور الإخوان أنفسهم لاسيما الأستاذ الإمام، الذي دفعه هذا الشعور إلى إعداد العدة لإعادة النظر في صفوف المنتسبين إلى الدعوة.. ولولا معالجة الأحداث له لنفذ الخطة التي أعدها لذلك، وإن كان المسئولون عن الدعوة من بعده قد وضعوا خطته هذه موضع التنفيذ.. مما يأتي بيانه في فصول قادمة إن شاء الله.
 
هذا بيان موجز غاية الإيجاز عن هذه القضية كان لابد من تقديمه قبل الحديث عن موضوع هذا الفصل - فإن هذه القضية- وأن لم تكن من قضايا الإخوان - إلا أنها كانت من أبعد القضايا أثرًا في دعوة الإخوان المسلمين بحيث اتجهت بها اتجاهًا خاصًا، وشكلتها بتشكيل معين." أ.هـ
 
لاحظ أن الشاب الذي حوكم عند القاضي الخازندار حكم عليه بالسجن ثلاث سنوات.
 
و من الواضح أنه راعى التخفيف قدر الإمكان حيث كان الوضع القانوني للإنجليز هو أنهم موجودون بموجب اتفاقية 1936 وهي اتفاقية كان يرى الإخوان نقضها عن طريق الأمم المتحدة مما يعني اعترافهم هم وغيرهم بها كأمر واقع.
 
و في المقابل تهور هذان الشابان الإخوانيان وقتلا الرجل وكانت حادثة ما زال لها التأثير الأقوى في مسار الحركة الإسلامية حتى الآن، ومع هذا فالأستاذ محمود عبد الحليم يكاد يلتمس العذر لهذين القاتلين وهكذا كل مؤرخي الجماعة تقريبا وهي كارثة تبدو أكثر فداحة حينما نأتي للكلام على: من هو النقراشي باشا؟
 
كانت واقعة اغتيال القاضي الخازندار هي السبب الرئيسي في صدور القرار العسكري بحل جماعة الإخوان المسلمين والذي أصدره النقراشي باشا رئيس الوزراء بناءًا على مذكرة طويلة من وزارة الداخلية كان للأستاذ حسن البنا ردودًا على معظمها  وإن كان الحدث الأكبر فيها هو اغتيال القاضي الخازندار وهو ما اعتبره البنا تصرفًا فرديًا لا يعبر عن الجماعة إلا أن بعض أفراد الجماعة قد عاودوا ذات الخطأ الفردي و بطريقة أفدح باغتيال النقراشي باشا.
 
و بداية نحب أن نعرف من هو النقراشي باشا من واقع كتاب "الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ"
 
النقراشي باشا كما يصوره الأستاذ محمود عبد الحليم
 
النقراشي هو أحد قيادات حزب السعديين، العدو اللدود للوفد وللإخوان في ذلك الوقت، وقد تولى رئاسة الوزراة وفشل واستقال وخلفه سعدي آخر هو اسماعيل صدقي، وفشل واستقال وقد أيد الإخوان كلاً من النقراشي واسماعيل صدقي على خلاف كل القوى السياسية آنذاك، ما عدا السعديين طبعاً، وفسر الأستاذ محمود عبد الحليم ذلك بأنهما كانا قد اتفقا مع كل منهما على العمل على إلغاء اتفاقية 36 وكلاهما فشل، إلا أن الملك أعاد تكليف النقراشي بالوزارة مرة ثانية، فماذا فعل الإخوان؟
 
يقول الأستاذ محمود عبد الحليم:
"وزارة النقراشي الثانية :
 
بعد سقوط وزارة صدقي باشا كان الناس ينتظرون أن تسند الوزارة إلى شخصية قوية ذات تاريخ وطني مشرف، وكان آخر ما يخطر بالبال أن يستدعى لتأليفها رجل تخاذل أمام الانجليز بمذكرته الضعيفة المتهالكة التي سجلت عليه الخزي والتفريط في حقوق الوطن.. ولكن الذي حدث كان عجيبًا فقد استدعي فعلاً محمود فهمي النقراشي باشا فألف وزارته الثانية كأن البلاد قد أقفرت من الرجال. ومع ما في هذا التصرف الملكي من تحدٍ لمشاعر الشعب عامة ومشاعر الإخوان خاصة، فإن الإخوان -إنقاذًا لقضية البلاد وتلافياً لضياع الوقت الثمين- تناسوا تاريخ الرجل وسابق فشله وسوء تصرفه وتقدموا إليه بخطة كاملة ونصيحة مخلصة"
 
ولتعرف تقييم الإخوان لهذا الرجل اقرأ هذا المقطع أيضا والذي يقول فيه الأستاذ محمود عبد الحليم:
 
"كان النقراشي باشا من هذا الطراز.. فتولى الوزارة مرتين جر خلالهما على البلاد نكباتٍ لم تمنَ بمثلها من قبل، ففي عهده هوجم الطلبة بالمدافع الرشاشة فحُصِدوا حصداً -إذ هو صاحب موقعة كوبري عباس الثانية التي نوهنا عن فظاعتها في الجزء الأول من هذا الكتاب.. وفي عهده ثبت الاحتلال البريطاني أقدامه في أرض مصر.. وفي عهده ضاعت فلسطين وسلمت إلى اليهود وتأسست دولتهم على أرضها، وجلل الجيش المصري الباسل بالخزي والعار لهزائم لا دخل له فيها، ولا ذنب عليه فيما حاق به منها، ولكنها هزائم ورط فيها هذا الجيش نتيجة سوء تصرف هذا الحاكم وقصر نظره وفساد تقديره وتحجر عقله، وارتضائه أن يكون ألعوبة في يد المستعمر .
 
وظهرت براعة المتآمرين في اختيارهم منفذ المؤامرة، واقتصرت مهمتهم بعد ذلك على وضع هذا المنفذ على قمة المنحدر، وارتضى هو لنفسه هذا الوضع واهمًا -لقصر نظره- أنه يقعد على أرضٍ منبسطة.. وأخذ في الانطلاق فإذا به يتدهور، وكل تدهور يسلمه لما هو أنكى منه، وهو لا يملك من أمر نفسه شيئا، ولا يجد حاجزًا يحجزه فيقف بتدهوره عند حد.. حتى تحطم وتحطمت معه البلاد، والمتآمرون يتفرجون فرحين جذلين." أ.هـ
 
قرار حل الإخوان و الاعتقالات تطول الجميع ما عدا الأستاذ حسن البنا
يحكي الأستاذ محمود عبد الحليم أن الأمر انتهى بقرار حل الجماعة و بدأت حملة اعتقالات لأفرادها ولكنهم تركوا الأستاذ حسن البنا وحده مما جعله (أي حسن البنا) يشك في الأمر ويطلب من الداخلية إما السماح له بالسفر أو الإفراج عن القيادات ليتشاور معهم في كيفية التهدئة أو يلقوا القبض عليه هو الآخر ولكن الداخلية لم تستجب لشيء من ذلك، وفي رأي الأستاذ محمود عبد الحليم فقد كان الأمل وراءه عدة أهداف يهمنا منها الثالث حيث قال:
 
"الخط الثالث - قطع الصلة بينه وبين الإخوان:
ويتدرج تحت هذا الخط العريض الخطوط التالية:
 
1- أن يفقد الإخوان لاسيما الشباب منهم قيادتهم، فيندفعوا بحكم حماسهم وبتأثير أعمال الاستفزاز التي تقوم بها الحكومة ضدهم إلى ارتكاب أخطاء وأعمال انتقامية تدينهم أمام الرأي العام، وتزيد من تمكن الحكومة منهم وتشديد قبضتها عليهم.
 
2 - كان في ذهنهم احتمال كبير لقيام هذا الشباب باغتيال النقراشي باشا، مما يزيد نار العداء تأججا بين السعديين ومن ورائهم الملك وبين الإخوان، مما يدفع السعديين إلى الانتقام."
 
وقد أكد لنا الأستاذ محمود عبد الحليم أن الخاصة والعامة توقعوا أن يؤدي هذا القرار إلى اغتيال النقراشي فقال: "شاع على ألسنة الخاصة والعامة أن هذا التحدي البالغ العنف لابد أن تكون حياة النقراشي ثمنًا له"
 
و لا أدري من أين شاع هذا التوقع والإخوان لم تكن تورطت في عنفٍ من هذا النوع؟ لا سيما وأن الجماعة قد تبرأت من مقتل القاضى الخازندار؟!.
 
و لكننا لا نريد أن  نتوقف كثيرا عند هذه النقطة كما لا نريد أن نتوقف عند أن الإخوان ابتلعوا الطعم بكل سهولة ومشوا على القضيب الذي رسمه لهم أعدائهم بدقة وأمان منقطعي النظير.
 
و لكن العجيب ألا يعض من طالت به حياة -كأمثال الأستاذ محمود عبد الحليم- أصابع الندم على أن الجماعة حوت فى صفوفها مثل هؤلاء المتهورين.
 
وأيضًا العجيب أن الأستاذ محمود عبد الحليم كرر أن صلف الرجل هو السبب وأنه جنى على نفسه ولم يحدثنا عن تهور رجال دعوتهم الذين لم يجنوا على أنفسهم فحسب وإنما جنوا على الدعوة الإسلامية ككل
 
فتأمل تلك المواطن من كلامه على تلك الواقعة:
 
يقول: "ننقل فيما يلي نص الأمر العسكري الهمجي الذي أصدره النقراشي باشا للقضاء على أعظم هيئة نافعة في تاريخ مصر، فكان كالطفل الذي أوقد النار في بيتهم وهو يلعب فأتت عليه وعلى أبيه وأمه وأسرته."
 
و يقول: "ونحن نقول: أن هذا الرجل قد ذهب ضحية صلفه وحقده وضيق أفقه، واستبداده برأيه واستسلامه للغاصب المستعمر، وتأليهه لمَلِكِه الغارق في شهواته".
 
حكومة إبراهيم عبد الهادي و استمرار المفاوضات معه
 عقب اغتيال النقراشي خلفه إبراهيم عبد الهادي و بالطبع رآه الإخوان فى ذلك الزمان امتدادًا لصاحبه، كما رآه مؤرخوهم كذلك، فقال فيه الأستاذ محود عبد الحليم: "جاء ومعه تفويض إلهي من إلهه فاروق بأن يفعل ما يشاء ولن يسأل عما يفعل"
 
(لاحظ أن هذه الألفاظ يمكن أن تقود إلى التكفير إن لم تكن تكفيرًا صريحًا مع أن البنا كان يفاوض ذلك الرجل للخروج من الأزمة)
 
المهم أن التفاوض قاد الأستاذ حسن البنا إلى أن يصدر بيانًا بعنوان "هذا بيان للناس" أثنى فيه على النقراشي و استنكر قتله (نص البيان موجود أسفل المقالة)
 
و فى رأيي أن هذه هي الثغرة الرئيسية التي تجعل هذا الموطن من تاريخ الأستاذ حسن البنا ليس بموضع قدوة عند الإخوان مع شدة تمسكهم بمواقف المؤسس، وهو أن هذا الثناء الذي يكاد يُجمع مؤرخو الجماعة على أنه نوع من "التقية" قد جعل البيان ذاته يفسر عندهم على أنه كذلك.
 
 قضية محاولة نسف محكمة الاستئناف :
و بعد بيان "هذا بيانٌ للناس" و بينما البنا ينتظر الانفراجة حدث حادثٌ ثالث و هو محاولة نسف محكمة الاستئناف و كعادته و عادة كل مؤرخي الإخوان تحدث الأستاذ محمود عبد الحليم عن هذا الحادث بلغة أقرب إلى التبرير فقال:
 
"خيل إلى شاب ممن ينتسبون إلى الإخوان - الذين عزلتهم الحكومة الغاشمة عن قيادة ترشدهم وتحسن توجيههم - خيل إليه أن إنقاذ إخوانه الذين سيموا العذاب في هذا التحقيق لا يكون إلا بنسف المحكمة التي أجري في حجراتها هذا التحقيق وحفظ في خزانتها أوراقه. وناهيك بعقلية شاب في العشرين ، فاقد الأعصاب لفظاعة ما تتبعه الحكومة من أسإلىب القهر والاستفزاز ، ويجد نفسه وحيداً ، حيث لا يبيح أمر الحل أن يجتمع مع أي آخر من إخوانه مطارداً .. فهل يتفتق ذهنه إلا علي أفكار خاطئة ؟! "
 
و بعد هذه الحادثة اضطر الأستاذ حسن البنا أن يصدر بيانا أصرح فى الإدانة للعنف من الذى سبق، وعنون له بعنوان: "ليسوا إخوانا و ليسوا مسلمين" (نص البيان موجود أسفل المقالة)
 
و يبدو أن الإخوان قد حملوا هذا البيان هو الآخر على التقية حيث لم نعلم لهم استنكاراً لأحداث العنف بهذا ولا بقريب منه، مع أن ثمة قرينة أن الأستاذ حسن البنا عنى ما قال في هذا البيان لأنه أسر به للواء صالح حرب باشا رئيس جمعية الشبان المسلمين في ذلك الوقت، و قد ذكر اللواء صالح ذلك فى خطاب له  في عيد الجهاد الموافق 15/11/1949 و نقله الأستاذ محمود عبد الحليم وجاء فيه:
 
"ولكن لسوء الطالع لم يمض يومان علي صدور البيان(يعنى بيان: هذا بيان للناس) حتى وقع حادث الشروع في نسف محكمة الاستئناف، فجاءني الشيخ في حالة من الجزع والفزع لم يسبق أن رأيته عليها، وقد عقد لسانه، وجف ريقه، وملكه ألم كاد يفقده صوابه.. وأنا أقسم بعد أن شاهدت الشيخ المرشد على تلك الحال إنه مستحيل على مثله أن يدعو إلى الإجرام أو يأمر به أو يشارك فيه. وظللت وقتاً طويلاً أهدئ من روعه حتى سكن قليلا واستطاع الكلام فقال: أرأيت هذا المفتون، ماذا كان ينوي أن يفعل؟ والله ما هذا الشقي مسلماً ولا من الإخوان.. ولما خوطب الشيخ من الجهات الرسمية في هذا الحادث تبرأ من هذا الشاب واستنكر بكل شدة فعلته. وأظهر استعداده لأن ينشر بيانا آخر يذيع فيه أن هذا المفتون وأمثاله ليسوا مسلمين "أ.ه وقد كان،
 
وأصدر الأستاذ حسن البنا بيان: "ليسوا إخوانا و ليسوا مسلمين".
 
و هى درجة عالية من الإنكار و لا ندري هل يعني ما قال؟ أم هي مجرد مبالغة؟ وإلا فالصحيح أن الخوارج من شر أهل البدع
 
و سيظل السؤال حائراً
إذا كان هذا قول البنا فيمن اغتال من مكن للإنجليز و اليهود وأطلق المدافع على الطلاب فلماذا لا يقتدى به أتباعه حتى الحمائم منهم فى الأزمة الراهنة؟!
 
و سؤال آخر:
من الذى أفسد على البنا بيانه الأول بحادث المحكمة؟ وهل لهذا الشخص أو الهيئة وريثُ فى الإخوان حتى الآن؟
 

نص بيان "هذا بيان للناس" للأستاذ حسن البنا:
كان هدف دعوتنا حين نشأت، العمل لخير الوطن وإعزاز الدين، ومقاومة دعوات الإلحاد والإباحية، والخروج على أحكام الإسلام وفضائله، ‏تلك الدعوات التي دوى بوقها وراجت سوقها فى تلك الأيام‎.‎

 
وإذا كان ذلك كذلك، فما كانت الجريمة ولا الإرهاب ولا العنف من وسائلها، لأنها تأخذ عن الإسلام وتنهج نهجه وتلتزم حدوده‎.‎
 
ووسيلة الإسلام فى الدعوة مسجلة فى كتاب الله؛ {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ ‏الْحَسَنَةِ}، والقرآن الكريم هو الكتاب الذي رفع من قدر الفكر وأعلى من قيمة العقل وجعله مناط التكليف، وفرض احترام الدليل ‏والبرهان وحرم الاعتداء حتى في القتال {وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}، والإسلام الحنيف هو دين ‏السلام الشامل، والطمأنينة الكاملة، والروحانية الصافية، والمثل الإنسانية الرفيعة، ومن واجب كل مسلم ينتسب إليه أن يكون مظهراً لهذه ‏الحقيقة التي صورها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده». ‏
 
ولقد حدث أن وقعت أحداث نسبت إلى بعض من دخلوا هذه الجماعة دون أن يتشربوا روحها أو يلتزموا نهجها، مما ألقى عليها ظلاً من ‏الشبهة فصدر أمر بحلها، وتلا ذلك هذا الحادث المروع حادث اغتيال دولة رئيس الحكومة المصرية محمود فهمي النقراشي باشا الذى ‏أسفت البلاد لوفاته وخسرت بفقده علماً من أعلام نهضتها وقائداً من قادة حركتها ومثلاً طيباً للنزاهة الوطنية والعفة من أفضل أبنائها، ‏ولسنا أقل من غيرنا أسفا من أجله وتقديرا لجهوده وخلقه‎ .
 
ولما كانت طبيعة دعوة الإسلام تتنافى مع العنف بل تنكره، وتمقت الجريمة مهما يكن نوعها، و تسخط على من يرتكبها، فنحن نبرأ إلى الله ‏من الجرائم ومرتكبيها.. ولما كانت بلادنا تجتاز الآن مرحلة من أدق مراحل حياتها مما يوجب أن يتوفر لها كامل الهدوء والطمأنينة ‏والاستقرار – وكان جلالة الملك المعظم حفظه الله قد تفضل فوجه الحكومة القائمة- وفيها هذه الخلاصة من رجالات مصر- هذه الوجهة ‏الصالحة، وجهة العمل على جمع كلمة الأمة وضم صفوفها، وتوجيه جهودها وكفاءاتها مجتمعة لا موزعة إلى ما فيه خيرها وصلاح أمرها في ‏الداخل والخارج، وقد أخذت الحكومة من أول لحظة تعمل على تحقيق هذه التوجيه الكريم في إخلاص وأدب وصدق، وكل ذلك يفرض ‏علينا أن نبذل كل جهد، ونستنفذ كل وسع في أن نعين الحكومة في مهمتها، ونوفر لها كل وقت ومجهود للقيام بواجبها والنهوض بعبئها ‏الثقيل، ولا يتسنى لها ذلك بحق إلا إذا وثقت تمامًا من استتباب الأمن واستقرار النظام- والعمل على استتباب الأمن واستقرار النظام واجب ‏كل مواطن في الظروف العادية فكيف بهذه الظروف الدقيقة الحاسمة التي لا يستفيد فيها من بلبلة الخواطر وتصادم القوى وتشعب الجهود ‏إلا خصوم الوطن وأعداء نهضته.‏
 
‏... لهذا أناشد إخواني -لله وللمصلحة العامة- أن يكون كل منهم عونا على تحقيق هذا ‏المعنى، وأن ينصرفوا إلى أعمالهم، ويبتعدوا عن كل عمل يتعارض مع استقرار الأمن وشمول ‏الطمأنينة حتى يؤدوا بذلك حق الله وحق الوطن عليهم. والله أسأل أن يحفظ جلالة الملك ‏المعظم ويكلأه بعين رعايته ويسدد خطى البلاد حكومة وشعباً في عهده الموفق إلى ما فيه ‏الخير والفلاح، آمين».‏
 

نص بيان "ليسوا إخواناً و ليسوا مسلمين" للاستاذ حسن البنا:

وقع هذا الحادث الجديد -حادث محاولة نسف مكتب سعادة النائب العام- وذكرت الجرائد أن مرتكبه كان من الإخوان المسلمين.

فشعرت بأن من الواجب أن أعلن أن مرتكب هذا الجرم الفظيع وأمثاله من الجرائم، لا يمكن أن يكون من الإخوان ولا من المسلمين؛ لأن الإسلام يحرمها، والإخوان تأباها وترفضها، ومن المرجح -بل من المحقق- أنه أراد به أن يتحدى الكلمة التي نشرت قبل ذلك بيومين، تحت عنوان "بيان للناس".

ولكن مصر الآمنة لن تروعها هذه المحاولات الآثمة، وسيتعاون هذا الشعب الحليم الفطرة مع حكومته الحريصة على أمنه وطمأنينته في ظل جلالة الملك المعظم على القضاء على هذه الظاهرة الخطيرة.

وليعلم أولئك الصغار من العابثين أن خطابات التهديد التي يبعثون بها إلى كبار الرجال، وغيرهم، لن تزيد أحدًا منهم إلا شعورًا بواجبه، وحرصًا تامًا على أدائه، فليقلعوا عن هذه السفاسف، ولينصرفوا إلى خدمة بلادهم، كل في حدود عمله، إن كانوا يستطيعون عمل شيء نافع مفيد.

وإني لأعلن أنني منذ اليوم، سأعتبر أي حادث من هذه الحوادث، يقع من أي فرد سبق له اتصال بجماعة الإخوان، موجهًا إلى شخصي، ولا يسعني إزاءه إلا أن أقدم نفسي للقصاص، وأطلب من جهات الاختصاص تجريدي من جنسيتي المصرية، التي لا يستحقها إلا الشرفاء الأبرياء.. فليتدبر ذلك من يسمعون ويطيعون، وسيكشف التحقيق ولا شك عن الأصيل والدخيل، ولله عاقبة الأمور.