كوارث المعادلة الصفرية

  • 208

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد؛
المعادلة الصفرية بوجه عام هي تلك الحالة التي يكون فيها ربح طرف ما مرتبط بالضرورة بخسارة الآخرين، بينما المعادلة غير الصفرية تتيح للطرفين أو للأطراف الربح معًا، الحالة الأولى يمثلون لها بالسرقة، فالذي يربحه السارق هو بالضبط ما يخسره المسروق منه، والحالة الثانية يمثلون لها بالبيع، فالإنسان لا يشتري شيئًا لا يظن أنه يعادل قيمة المبلغ الذي يدفعه لأجله، وكذلك البائع لا يبيع شيئًا دون أن يعتقد أن المال الذي يحصل عليه هو أفضل من البضاعة التي يبيعها .. تُري هل يمكن لفصيل يريد أن يمارس السياسة ويحقق أهدافه بطرق سلمية أن يعمل وفق منطق المعادلات الصفرية، أم أن قواعد العقل والمنطق والسياسة وقبلهم الشرع تحتم عليه مراعاة المصلحة والمفسدة؟! بالقطع طبيعة السياسي الراغبة في الحصول على الربح تحتم عليه دائمًا أن يُبقي على ما يمكن أن يغنمه في يوم مِن الأيام، وبالتالي فهو دائمًا ما يسعى للحفاظ على الكيان المؤسسي الذي يعمل بداخله سواء كان متوافقًا مع طريقة إدارته أم معارضًا لها. وبناءً على ما تقدم، فإن أي مطلع على خط سير الأحداث في مصر خصوصًا في منعطفها الأخير يدرك تمامًا أننا أمام فصيل قرر أن يواجه الدولة حتى النهاية -نهايته هو أو نهايتها هي لا يهم- المهم أن قرار كهذا يكون أشبه بالانتحار الجماعي المنظم الذي يدفع صاحبه إلى الهلكة المحققة. قد يكون من العبث الآن أن نتجاذب أطراف النقاش حول حسنات النظام الحالي أوسيئاته، أو أن نتحدث عن النظام السابق هل كان ظالمًا أم مظلومًا، أو أن نتفق على شخص بعينه، أو نختلف على شخص آخر، فالزمن والأحداث قد تجاوزت بنا هذه المرحلة منذ زمن، ولكن واجب الوقت الآن أن نبصر أنفسنا وأبناء وطننا بمخاطر الولوغ في مسلسل دموي يدفعنا جميعًا إلى الهاوية، وفيما يلي عرض لبعض هذه المخاطر إذا استمر الحال على ما هو عليه.
 
1- استمرار الصراع الداخلي بهذه الطريقة يتخذه بعض المغرضين -وقد كان- ذريعة لاستدعاء المجتمع الدولي مِن أجل التدخل في الشئون الداخلية للدولة، وغني عن الذكر أن الدول الاستعمارية الكبرى لها تاريخ طويل في هذه التدخلات، وفي حالة مثل مصر فإن حساسية جوارها لإسرائيل يجعل التحرك الدولي سريعًا ومبررًا من جانبهم.
 
2- استمرار الصراع ينهك حالة الاقتصاد، ويضعف من قدرة الدولة على تلبية احتياجات المواطنين مما يؤدي إلى حدوث كوارث اقتصادية وأزمات مالية في بلد أرهقتها أوضاع مضطربة على مدار خمس سنوات متتالية، ومع مواطنين يعانون من الجهل والفقر والمرض، والعجيب أن بعض الحمقى والمغفلين لا يُخفي أن ضمن أهداف استمرار الصراع هو سقوط الدولة من بوابة ثورة الجياع، وأن سياسة إلهاء الدولة في أزمات يومية متتالية سوف يؤدي إلى سقوطها ولو بعد حين، ونسي هذا المسكين أن هذا الخراب الذي ينشده سوف يلحق بأتباعه أيضًا داخل البلاد، حتى لو كان هو قد فر هاربًا ويعيش أرغد العيش ويقطن أفخم الأماكن، ولكنه لن يقوى على استقدام آلاف الأفراد بأسرهم إلى خارج البلاد.
 
3- من العجيب من يتنازع علي السلطة الآن، أنه تُرك ليجرب مآسيها وهمومها لمدة عام كامل، وفشل في أن يسيطر على مقاليد الحكم في هذه الدولة -سواء كان الفشل من عند نفسه أو جاء من عدم تعاون الآخرين معه- فعلى ماذا يحارب إذن والأمور على ما هي عليه بل ازدادت سوءًا ، بأي وجه يطلب العودة لما كان عليه وقد امتنع عن إجراء الانتخابات الرئاسية المبكرة في آخر عامه الأول خشية عدم النجاح، فكيف هو الحال الآن؟ هذا مع العلم أن من يتولى إدارة البلاد الآن من داخل أروقة الدولة ومع ذلك يعاني الأمرَّين من هذه الإدارة، فكيف لعاقل أن ينازع على سلطة هذه سماتها؟
 
4- الحكام عبر التاريخ مهما كانت درجة صلاحهم لا يقبلوا أن يُمس ملكهم أو أن ينازعهم أحد على السلطة، لذا فحالة الصراع على الملك تجعل القائمين على الدولة في حالة من التحفز تجاه من يريد هذا الحكم، واستقر في وجدانهم أيضًا عبر التاريخ أنه عندما يتعرض أمن البلاد للخطر، فيلزم عندها استعمال الإجراءات الاستثنائية حتى وإن كانت ظالمة، فينتج عن ذلك مزيد من الظلم للناس والاعتداء على حرياتهم والتضييق عليهم في أمور حياتهم فضلًا عما هو أشد من ذلك، ولا يرغب في ذلك ولا يستفيد منه إلا طالبي الفوضي والهياج، أما رجل الدعوة ورجل السياسة فلا يمكن أن يعملا في ظل هذه الإجراءات الاستثنائية ولا يمكن أن يحققا أهدافهما في ظل تهارش بين فصيل ينتهج العنف ودولة تواجهه بالقمع.
 
5- جو الصراع ينتج عنه -إذا طال- حالة من الاستقطاب الحاد، مما يهدد السلم المجتمعي للدولة، ومصر لا تحتمل أن ينمو فيها مثل هذا الاستقطاب، خصوصًا إذا كان هناك طرف جاهل تشرب معاني التكفير وتربى على معاني العزلة الشعورية والمخاصمة المجتمعية فيعطي لأتباعة فتاوى من جنس لا تصلي خلف هؤلاء، ولا تفطر معهم في رمضان حتى لو كانوا أقاربك، وإذا أردت أن تتزوج فاختبر ولاءهم في الموقف من فلان وعلان، ودعك من أن هذا يعد خطابًا تكفيريًّا واضحًا، ولكن يكفي أنه يبث الفرقة والكراهية في نفوس الشعب الواحد، بل بين أفراد الأسرة الواحدة.
 
6- تجذر حالة من العداء بين الإسلاميين وبين مؤسسات الدولة خصوصًا تلك المؤسسات التي يكون لها احتكاك سلبي معهم وقت الصراع مثل الشرطة والقضاء والاعلام وغيرها، الأمر الذي يضع فئات الإسلاميين تحت طائلة الاتهام المسبق وداخل دائرة الاشتباه المتكرر، ولا يخفى ما لهذا الأمر من تأثير مدمر على مسيرة الدعوة الإسلامية في البلاد.
 
7- تشويه صورة الإسلاميين وارتباط فترة حكمهم عند الناس بالأزمات والمشاكل والدماء التي ملأت الشوارع من أجل الكرسي، مع إظهار الإسلاميين في مظهر العنف والتهور والعداء للمجتمع والوطن، بدلًا من أن يكونوا أصحاب رسالة رحمة وحاملي مشعل نور وهداية لأهليهم ولمجتمعاتهم.
 
8- ما يحدث مِن شأنه أن يعرقل مسار الإصلاح ويجهض أية محاولة لرأب الصدع، وهذا يعني القضاء على حلم هذا الفصيل في العودة إلى ممارسة أية أدوار مجتمعية دعوية كانت أو سياسية، خصوصًا بعدما أسفر عن ملامح تكفيرية ظاهرة وبعد أن كشرت الدولة عن أنيابها في مواجهته.
والله ولي التوفيق.