ساحة معركة

  • 182

لاشك أن الكل متألم مما حدث في الآونة الأخيرة من اغتيال النائب العام أو أحداث سيناء مع ما يتضمنه الألم من شعور بالمرارة لأننا ندفع دفعًا إلى الهاوية، والواضح أن هذا يتم بتخطيط من مخابرات دول أجنبية, فالأسلحة والذخيرة التي بأيدي هذه الجماعات والتخطيط للمعارك باحترافية شديدة تؤكد أن هذه الجماعات تمول وتدرب من الخارج لتؤدي دورها في تأجيج الصراع داخل المجتمعات السنية والاحتراب الداخلي، تساعدهم على ذلك نبرة التكفير ( الجيش المصري المرتد ) التي تزداد كل يوم مع تزايد الإحباط لدى شريحة من الشباب المتحمس لقضايا الدين الذي أصبح للأسف وقودًا للفتنة وحطامًا لهذه الحرب المستعرة.
 
هذا يحتاج منا للوقوف أولا خلف الجيش المصري للحفاظ على الدولة المصرية التي إذا انهارت - معاذ الله - ضاع كل شيء, وتقديم العون له ماديًّا ومعنويًّا ولكن ساحة المعركة أكبر من المواجهة الأمنية؛ فالأمر يحتاج إلى مواجهة شاملة عقدية وفكرية واجتماعية وثقافية واقتصادية حتى يتسنى لنا أن ننتصر على هذه الأفكار.
 
نريد أن نفكك البيئة الحاضنة لهذه الجماعات في سيناء بحزم من الإجراءات الاقتصادية والاجتماعية والصحية تساعد الحل الأمنى وتعينه على التصدى لهذه المعركة, فالمعركة ليست من النوع الذي يحسم في يوم أو في ساعة بل معركة طويلة لا بد من التخطيط لها والعمل على كل المحاور لنجاحها.
 
وعلى صعيد آخر، أن نفهم جيدا أن هولاء الشباب الذين يرون في داعش الأمل في إنقاذهم من الواقع الذي يعيشون فيه يحتاجون إلى جهود في إقناعهم أن الدولة التي تقوم على تكفير المسلمين واستحلال دمائهم وأموالهم لن تأتي بخير، وخير دليل الدولة الشيعية الصفوية التي هي خنجر في ظهر المسلمين الآن، وكل الدول التي قامت على أساس منحرف عقديا على مدار التاريخ الإسلامي الطويل آل أمرها إلى أن تكون معول هدم في كيان الأمة في النهاية وكذلك محاولة إخراجهم من حالة اليأس والإحباط التي تسيطر على عقول كثير منهم بأن الخير باق في هذه الأمة إلى أن يأتي أمر الله وأن الطائفة المنصورة التي أخبر بها الرسول صلى الله عليه وسلم أنه لا يضرها من خالفها أو خذلها إلى أن يأتي أمر الله وهم على ذلك وإن هذه الطائفة المنصورة على منهج أهل السنة والجماعة لا تحيد عن هذا المنهج قدر أنملة.
 
إن اعتناق آلاف الشباب لهذه العقيدة المنحرفة القائمة على تكفير المجتمع والدخول في صدام معه لخطر عظيم يتهدد المجتمع كله، ولابد من مواجهته مواجهة حقيقة ببيان عقيدة أهل السنة والجماعة من خطورة التكفير وأن التجرؤ على التكفير سمة الخوارج وليس سمة لأهل السنة والجماعة واستحلال دماء المسلمين وأموالهم كذلك، وبإفساح المجال أمام العلماء والدعاة للنقاش والمحاورة مع هولاء الشباب.
 
وفي الوقت نفسه لا نريد أن نغذي هذا الفكر ببعض الأفعال أو الإجراءات أو القوانين التي قد تتخذ تحت ضغط الأزمة تعيد إحياء فكر أناس قد ماتوا ولم تمت أفكارهم، فنساعد نحن في إحيائها ونشرها وإضفاء سمة الرمزية على شخوصهم وأفكارهم.
 
وقد أعجبتى كلمات قالها الأستاذ جمال سلطان ناصحًا الحكومة في مقاله: ( ولكني أتمنى ـ بشكل عاجل ـ أن لا تندفع الدولة في هذه الموجة العصبية من ردود الفعل التي يؤججها البعض؛ لأن ردود الأفعال العصبية والمتشنجة تولد أخطاء أكثر، مصر بحاجة الآن إلى العقل والحكمة والتأمل ورؤية الخبراء الحقيقيين في مجمل أزمات الوطن، في حاجة لصوت العقلاء الناصحين،  وليس أثرياء الحروب والفتن والأصوات الزاعقة المتاجرة بجروح الوطن عبر شاشات الفضائيات، والسيسي مطالب الآن بالاستماع جيدا لأصوات معارضيه حتى قبل مؤيديه، وعليه أن يوقف أي تهور أمني من أي نوع لأن هذا يضره ضررًا سياسيًّا فادحًا ويعقد الواقع أمامه أكثر، ولا بد من الانتباه إلى خطورة أي فعل أو قانون أو إجراء أو سلوك سياسي الآن يعزز من الانقسام الوطني ويوسعه، هذا يخدم الإرهاب ولا يحاصره كما يتخيل البعض، الذين تعلو أصواتهم بتشديد القوانين وإعلان حالة الطوارئ لمواجهة الإرهاب يتجاهلون أن حالة الطوارئ معلنة بالفعل في شمال سيناء منذ تسعة أشهر، وما زال الإرهاب مستمرًا بل ويتوسع بالرغم من وجودها، فليس بالطوارئ وتشديد القوانين نواجهه، بل الطوارئ وقسوة التشريعات تخدم الإرهاب وتساعده معنويا وسياسيا بقدر ما تضعف الاصطفاف الوطني وتوسع من دوائر الغضب وتحشد المزيد من المعارضة للنظام السياسي القائم.  

والله الموفق والهادى إلى سواء السبيل