قراءة في الاتفاق النووي الإيراني

  • 138

كان يحلو لإيران وأمريكا أن تصف كل واحدة منهما الأخرى بالشيطان الأكبر، فماذا حدث بينهما؟ وما هذا التسارع في إبرام تلك الصفقة التي لم تسفر عن إنهاء الأنشطة النووية العسكرية الإيرانية وتخليها عن سلوكها العدواني الهدفان المعلنان لذلك الحصار الاقتصادي والصراع الدبلوماسي الذي طال لعدة عقود، بل أسفر فقط هذا الاتفاق عن إيقاف التخصيب الثقيل لمدة عشر سنوات فقط، وبقيت لإيران جميع أبنيتها النووية ورفع الحصار عنها لتسترد ما يزيد عن 100 مليون دولار أرصدة كانت مجمدة لها، وتمارس التغول الاقتصادي والعسكري في المنطقة، وتدعم أكثر وأكثر الأذرع الإيرانية التي زعزعت استقرار عدة دول في المنطقة، فلذا كانت في حالة حصار قد استطاعت بأذرعها فقط أن تؤثر في استقرار المنطقة فكيف بعد زوال الحصار والتقارب الظاهري مع الغرب؟!
 
إنها الآن فتحت أمامها خيارات عديدة لتلعب دورها المقصود والمنشود لصالح من أبرم معها الاتفاق.
 
هذا التقارب الأمريكي الذي أُعلن بهذا الاتفاق، والذي كان في الحقيقة يخفونه تحت ستار الشيطان الأكبر والشيطان الأكبر الآخر، هذا التقارب وهذا الاتفاق نقرأ خلفه عدة أمور لا يمكن إغفالها:
 
1-  الخطأ الفادح الذي وقعت فيه كثير من دول المنطقة حين وضعت كل كراها في السلة الأمريكية لتدحرجها السياسة الأمريكية حيث شاءت، حتى إذا لم تعد لها فائدة ألقتها في البحر وأدارت ظهرها لها، لذلك فمن الواجب على تلك الدول أن تعيد حساباتها وتتدبر أمرها بنفسها.
 
2-  المنافسة الاقتصادية الإيرانية لاقتصاد دول الخليج ككل الدول التي ترتكز في استقرارها على تفوقها الاقتصادي حيث صار هذا العامل في مهب الريح.
 
3-  تأهيل إيران مرة أخرى لتكون شرطي المنطقة كما كانت في عصر الشاه، الشرطي الذي يُنتظَر أن تُطلق يده في المنطقة يعيث فيها حيث شاء إذا لم يجد على الأقل منافسًا يردع أطماعه ويكبح جماح شهوته التوسعية.
 
4-  التوقع أن تلعب إيران مباشرة في أكثر من موضع في المنطقة بعد أن كانت تلعب من خلال أذرعها وخلاياها النائمة، فقد هدت أذرعها ومنها حزب الله في لبنان وعصائب الحق في العراق والحوثيون في اليمن وغير هؤلاء الكثير من الأذرع النائمة التي ينتظر أن تعرب عن نفسها بعد ظهور إيران كقوة مؤثرة.
 
5-  لا يمكن أن يكون أحد بالسذاجة التي تجعله يصدق أن إسرائيل لم تأخذ نصيبها الأكبر من هذا التقارب الإيراني الأمريكي على الأقل التطمينات اللازمة والتي لم تكن في الحقيقة في حاجة إليها إذا استندنا إلى الأصول المذهبية للنظام الإيراني وإلى تاريخ العلاقات السرية بين إيران وإسرائيل.
 
الحقيقة أن إسرائيل هي المستفيد الأكبر من إطلاق تلك الأيادي والأذرع المخربة في المنطقة والتي مِن شأنها أن تدفع باتجاه التطرق الداعشي المضاد (ظاهرًا) والمحاصر حصار الحماية الذي نعمت به إيران قبل ذلك ليقوي ويزلزل ويزعزع استقرار بقية المنطقة في الشرق الأوسط التي لا تصل إليها الأذرع الإيرانية؛ لتنشغل كل بقعة في المنطقة بنسها لتعمل إسرائيل في أمن في تحقيق مشروعها وبلوغ غاياتها والجميع في سُبات عميق.
 
ولذلك لابد أن نعيد قراءة المشهد برمته مرة أخرى لنتفقد مواضع أقدامنا ونتعرف على ما ينبغي أن يكون منا.