الدعاة إلى الله ومشاركة الأمة آمالها وآلامها وأفراحها

  • 178

شاركت الدعوة السلفية الشعب المصري فرحته ببعض الإنجازات التي تحققت في الفترة الماضية مثل مشروع ازدواج قناة السويس ودخول صفقات سلاح جديدة إلى الجيش المصري مثل طائرات الرافال الفرنسية وطائرات الإف 16 الأمريكية مما أوجد اعتراضات خرج معظمها من جانب الإخوان أو المتعاطفين معهم وقد أنتج هذا قدرًا من التساؤلات عند أبناء الدعوة السلفية ولذلك أحببت أن أنبه على ذلك في نقاط عاجلة على النحو التإلى:

-  على كل جماعة أو جمعية تقدم نفسها للناس على أنها جماعة دعوة إلى الله فيجب أن تعلم من ابجديات ذلك أن يتكلم من قلب المجتمع وليس من طرفه فضلا أن يتكلم على أنه من فوقه وإذا كان الله قد شرع لأنبيائه خطابًا من هذا القبيل وهم يدعون أقوامهم حال كفرهم كما قال تعإلى "وَإلى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ"
فكيف بالدعاة في المجتمع المسلم الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالحمى والسهر"
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتفقد أحوال الأمة أفرادًا وجماعات حتى أنه تفقد إمرأة سوداء كانت تقُمّ المسجد (أي تُخرج منه القمامة) فلما علم أنها ماتت وقبرت قام فصلى على قبرها ومن هذه القصة علمنا مشروعية الصلاة على القبر وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يشارك الجميع اهتماماته حتى أنه كان يشارك الصغار اهتماماتهم فقد كان لأنس رضى الله عنه أخًا صغيرًا يسمى أبا عمير وكان له طائر صغير يلهو به فكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول "يا أبا عُمير ما فعل النُّغير"

- وإذا كان الأمر كذلك على المستوى الفردي فعلى المستوى الجماعي والأهداف الكبرى للأمم الشعوب من باب أولى وكانت سيرة عمر رضى الله عنه في ذلك خير سيرة بعدما اتسعت رقعة الدولة الاسلامية في عهده فكان يسأل من يأتيته من كل بلد عن أحوالهم وأمنهم وأسعار طعامهم ونحو ذلك.

-  إنكار جماعة الإخوان أو غيرهم على مشاركة الناس فرحتهم ببعض المشروعات لا علاقة له بجدوى هذه المشروعات الاقتصادية ولا حتى بأي مخالفات شرعية وقعوا في معظمها -إن لم يكن كلها- وهم في الحكم، وإنما الأمر نابع من موقفهم من الدولة المصرية بعد 30-6 وما صرح به كثير منهم من أنهم يتمنون سقوطها بزعم أن حالة اللا دولة أفضل من الدولة الظالمة رغم ما يرونه بأعينهم من البلاد التي وصلت إلى حالة اللا دولة وكيف وصل الحال بأهلها وشعبها، كما أنهم لم يقولوا هذا الكلام على الدولة قبل 25 يناير بل زعموا أنهم معها وهذا لأنهم في ذلك الوقت كانوا ينتهجون النهج الإصلاحي الذي اختطّه الأستاذ البنا رحمه الله، بينما هم الآن ينتهجون نهج القوة والذي جعله الأستاذ البنا -عفا الله- عنه بديلًا حال فشل المشروع الإصلاحي وهو البديل الذي اختارته قيادات الإخوان بعد 30-6 رغم أنه أشد فشلًا وأكثر ألمًا وضحاياه أكثر فضلًا عن مخالفته للسنن الشرعية والكونية.

 - وإذا أردت أن تتحقق من ذلك فراجع مواقف الإخوان حينما كانوا ينتهجون المنهج الإصلاحي وكيف كانوا يحرصون على الوجود في أي شيء يثير اهتمام الناس حتى وإن كان خارج رسالة الجماعة أو خارج نطاق اهتماماتها ولعل الشاشات العملاقة التي كانوا يضعونها لمتابعة مباريات المنتخب والتي انقلبت بعد 30-6 إلى الدعوة على المنتخب المصري بالهزيمة وهو مثال على بساطته يكشف العقيدة التي تقف وراء موقف.

-  محاولة إعطاء حكم واحد لصورة مركبة يمكنها أن تشمل على جزئيات تتفاوت في درجتها مغالطة منطقية ينتج عنها الكثير من الانحرافات، ولعل أخطر الانحرافات التي نتجت عن ذلك بدعتي التكفير والإرجاء كليهما، حيث لم يتصور أصحاب كلِ من هاتين البدعتين أن الشخص الواحد قد يمدح من وجه ويذم من وجه آخر، يمدح على أصل الإيمان ويذم على المعصية، يقام عليه الحد في ارتكاب الكبيرة ومع هذا يقول النبي صلى الله عليه وسلم لمن لعنه: "لا تلعنه لعله يحب الله ورسوله" كما في حديث الرجل الذي كان كثيرًا ما يؤتى به في الخمر، ومن ثم فالمطالبة بأنك عندما تقيم مشروعا من ناحية جدواه الاقتصادية لا يجوز أن تفصلها عن طريقة تمويله ولا يجوز أن تفصلها عن طريقة الاحتفال به مثلًا كلها طرق غير سديدة لا سيما إذا صدرت ممن سبق له التساهل في جل هذه الأمور أو كلها، وهذا له متعلَّق بصورة أو بأخرى بالمبحث الأصولي الذي في مسألة أثر النهي في المنهي عنه وكيف يمكن أن تنفك جهة الأمر عن جهة النهي حتى صحّح جمهور أهل العلم الوضوءَ بالماء المغصوب مع جزمهم بإثم الغصب وللمسألة نظائر كثيرة.

 - بالنسبة لمشروع قناة السويس لا يحتاج المتابع إلى كبير تفاصيل ليدرك أن ازدواج أي طريق نقل أو ازدواج جزء منه يمثل خفض لساعات الانتظار وطاقة استيعابية أكبر لذلك اتجه المشككون في أول الأمر إلى التشكيك في إمكانية تنفيذ المشروع ثم لما نُفِّذ شككوا في جدواه الاقتصادية رغم ظهورها.

-  في مقابل هؤلاء يوجد من يبالغ في الأرباح المتوقعة وهؤلاء يوصلون الناس إلى ذات النتيجة التي يوصلهم إليها الفريق الأول حيث يرفعون سقف طموحات الناس مما يجعلهم لا يرضون بما تحقق بالفعل من انجاز والإنصاف عزيز في كل المسائل.

 - أحسب أننى والغالبية العظمى من الناس لا يملكون أدوات ولو كانت إجمالية للموازنة بين قدرات "الرافال" وال "إف 16" ولكن أظن أن معظم الناس يمكن أن يدرك بسهولة أن تنويع مصادر السلاح أمر مطلوب حتى لو كان من دولتين في حلف واحد كامريكا وفرنسا.

- بالطبع كان الفرح سيكون عظيمًا لو كنا نصنع سلاحنا بأنفسنا ولكن تبقى هذه أمنية قد لا يكون مناسبًا ذكرها في معرض النجاح في القدر الممكن الآن وهو تنويع مصادر السلاح مما قد يُساء فهمه لا سيما مع وجود المتصيدين وهم من الكثرة بمكان ولو أنصفوا لفسروا الكلام المحتمل من أي فرد بمجموع أقواله وأفعاله وأحواله ولكن هيهات أن يفعل ذلك من "يتمنى لك الغلط".

-  نحن جزء من هذا الشعب نشاركه آماله وأحلامه وآلامه، نعمل على تماسك مجتمعه وبقاء دولته قوية، ومن مستلزمات ذلك أن تعين أجهزة الدولة إذا أصابت وأن تشيد إذا أنجزت، وأن تنصح إذا أخطأت وأن تفصل إذا اقتضى الأمر التفصيل، فلا ينبغى أن نسمح لأحد أن يرهبنا فكريًا فيدفعنا إلى تبنى مواقف نابعة عنده من عدائه للدولة والمجتمع من قبلها ولا لأحد أن يلزمنا إذا فرحنا وأشادنا في موقف أن نقصر في أمانة النصيحة في المواقف التي تقتضى ذلك.
نسأل الله أن يسبغ علينا نعمه ظاهرة وباطنه وأن يعصمنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن.