معي أو ضدي

  • 215

نفسية "معي أو ضدي" تحجب الفرد عن التفكير فيما يقول أو يسمع، وتسيطر عليه حالة مِن الرفض قبل السماع أصلًا بدعوى أن هذا ضدي.
 
وازداد الأمر تعقيدًا عندما مارس البعض الإرهاب الفكري، واستخدم الفتاوى في الإطاحة بالخصم والمنافس، وتبرير أي خطأ لأتباعه ومَن يوافقه الرأي، حتى ولو كان الانحراف والخطأ ظاهرًا لا يحتاج كلامًا كثيرًا.
 
والتاريخ يشهد، ألم يقل أتباع مسيلمة الكذاب: نشهد أن محمدًا صادق وأن مسيلمة كذاب، لكن كذاب ربيعة أحب إلينا مِن صادق مضر.
 
دخل التعصب للأشخاص والتجمعات ليقضي على ما تبقى من إنصاف أو الاستعداد لقبول الحق، والبعض لا يريد السماع أصلًا، حتى إن أحد هؤلاء قيل له: تعالَ نتناقش، فقال بعفوية: "علشان تقنعوني؟ أنا لا أريد أن أسمع"، يخاف مِن السماع حتى لا يقتنع، وقد تقول لي: أنت مُبالِغ .. والله لقد حدث ووقع ما ذكرت دون مبالغة أو تعريض.
 
هل وصلنا في واقعنا إلى حوار الطرشان؟! وهل فكرة الحوار والوصول لحل لما نحن فيه موجودة أصلًا؟!
 
الرسالة لما أتت كان حال الناس هكذا، فعالج النبي صلى الله عليه وسلم هذا التحدي الضخم، وكان الحل هو ربط الناس بالدليل والوحي المنزل.
 
وكان -قبل نزول الوحي- لسلطان القبلية والتعصب منزلة القداسة وعدم المراجعة، حتى ولو عرف زيغ وضلال ما قلت وفعلت، يقول دريد بن الصمة: "وهل أنا إلا مِن غزية، إن غوت غويت، وإن ترشد غزية أرشد".
 
فكَّ الإسلام هذه العُقدة، فانحلت كل العقد بعد ذلك؛ لأنها كانت مِن أشدها وأشرسها في وجه الرسالة.
 
فعلينا استبدال طريقة "معي أو ضدي" بطريقة "قبول الحق مِن كل مَن جاء به، ونرد الباطل مِن كل مَن أتى به".
 
وإلا "معي أو ضدي" مِن ميراث الجاهلية، وفساد وضلال مبين.
 
ولا تقوم للأمة قائمة ولا المجتمعات إلا باتباع الدليل والوحي، وأي طريق غير هذا الطريق مسدود وتضييع للوقت وللأعمار التي سنحاسب عليها.