مختصر سمات الأداء السياسي لحزب النور

  • 182

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

فقد خاض حزب النور غمار السياسة في مرحلة حساسة من تاريخ مصرنا الحبيبة وكان له مواقف مشرفة شهد المنصفون والعقلاء بسببها للحزب، بالوطنية وإعلاء المصلحة العامة على المصالح الخاصة، فقد كان لأداء الحزب عدة سمات، من فهمها جيدًا استطاع أن يتعرف على مغزى كل موقف وأن يتوقع مواقف الحزب فيما يستقبل من أحداث.

السمة الأولى:

أن الحزب يرى حتمية توسيع دائرة تحمل المسؤولية؛ فقد كانت رؤية حزب النور أن الواجب على الإسلاميين حين شكلوا أغلبية البرلمان، توسيع دائرة تحمل المسئولية؛ بحيث يشارك فيها القوى السياسية الوطنية، والكفاءات من كل الإتجاهات؛ وذلك لتحقيق الأمور الآتية:

1- الإستفادة من الكفاءات الوطنية وإشراكها في بناء الدولة يعطي رسالة واضحة بأن الإسلاميين ليسوا إقصائيين وأنهم جاذبون للكفاءات لا طاردون لها، خاصة وأن التركة ثقيلة لا يستطيع الإسلاميون تحملها وحدهم ولو مجتمعين فكيف إذا انفرد فصيل منهم بذلك؟!

    2- كما أن اتباع هذا السياسة يُشعر الجميع بالانتماء وبدورهم في بناء دولتهم؛ مما يسهم في الإسراع بتحريك عجلة الإنتاج والتقدم بالبلاد.

3- توسيع القاعدة الشعبية المقتنعة بالأداء، الواثقة في إدارة الدولة، وإنقاذ هذه القواعد من تلاعب المعارضة الهدامة بها.

      4- تمكين الرئاسة والحكومة من مصارحة المجتمع بحقيقة الحالة الإقتصادية للبلاد؛ مما يجعل الشعب يصبر ويتعاون مع الدولة، وتقل الاضطرابات، والاعتصامات، ويسود الأمن وتتحرك عجلة الإنتاج.

 

§       من أجل هذا كان الموقف المشهور لحزب النور فى أول يوم فى مجلس الشعب 2012 حين سحب أعضاءه من انتخابات اللجان حتى يتم الجلوس مع كل القوى السياسية المشاركة في المجلس لتشارك في مكاتب اللجان؛ لتتم الاستفادة من جميع كفاءات المجلس.

§        ومما يدل على تلك السمة أيضًا: ما كان من رؤية حزب النور فى اختيار المرشح للرئاسة؛ بأن يكون أقرب إلى التوافقية منه إلى الانتماء التظيمي للإخوان أو لغيرهم؛ ولذلك وقع الاختيار على الدكتور أبو الفتوح؛ لأننا وجدنا أنه يجمع أطيافًا من القوى الثورية والوطنية حوله، وفى نفس الوقت يلتف حوله أطياف من التيار الاسلامي.

§       وحين جاءت الإعادة بين الدكتور مرسي والفريق شفيق، كان الاختيار دعم الدكتور مرسي، لكن بشروط، على رأسها توسيع دائرة تحمل المسئولية، وتوسيع دائرة المشورة، وإشراك الجميع في العملية السياسية، إلا أن الإخوان لم يلتزموا بهذا، واعتمدوا المعادلة الصفرية في إدارة الدولة "أنا مائة بالمائة، والباقي لجميع القوى السياسية يساوي صفر) وهذا قاد القوى السياسية إلى معادلة صراع البقاء "إما أنا وإما أنت طالما أنك لا تقبل الشراكة في تحمل المسئولية"، واشتد الصراع واحتدم، واستُخدمت فيه كل الأساليب من الطرفين، وانتهى الأمر بسقوط دولة الإخوان، ومع ذلك لم يقبلوا وساطة أحد لترك المعادلة الصفرية والقبول بحلول وسط حتى لا يعاملهم الطرف الآخر بمعادلة صراع البقاء؛ لأن صراع البقاء أصبح بعد سقوط دولة الاخوان صراع بين جماعة الإخوان ومن تعاطف معهم وبين الدولة، ولن يقبل أحد أن يفرض على الدولة أن تكون طرفًا في معادلة صراع البقاء مهما كان الطرف الآخر في المعادلة؛ لأن النتائج حينئذ ستكون وخيمة ليس على مصر وحدها، بل على المنطقة كلها؛ ومن هنا، يتملكنا العجب ممن يتشكك فى طريقة تعامل حزب النور في البرلمان القادم، مع علم الجميع أنه لن يستطيع أي حزب أن يحقق فيه الأغلبية.

السمة الثانية:

اعتماد الحزب سياسة الإصلاح التدريجي لمؤسسات الدولة، لا الصدام معها؛ وذلك لأن أصحاب المناهج الإصلاحية عندهم حس الدولة وأهمية بقائها وتماسك بنيانها المتمثل في استقرار مؤسساتها وعدم انقسام مجتمعها؛ ولذلك يعملون بكل جهدهم للحفاظ على بقاء مؤسسات الدولة واستقرارها حتى لو وقع عليهم بعض الظلم والجور منها وحتى لو كان منها من يقع في بعض المخالفات والأخطاء، فيقومون بدورهم المستطاع في إصلاح الخلل ومعارضته، لكن لا يعملون أبدًا على هدم تلك المؤسسات، بل يقومون بدورهم في حمايتها ممن يعمل على هدمها، فهم يُفَرِّقُون بين المعارضة البناءة والعمل على الإصلاح التدريجي للمؤسسات قدر الطاقة والاستطاعة وبين الهدم وزعزعة الاستقرار.

السمة الثالثة:

انتهاج السياسة البناءة، حتى لو كنا في صفوف المعارضة؛ والسياسة البناءة لها أربعة أركان، بغض النظر عن موقع صاحبها، وتلك الأركان هي:

·       دعم القرار والموقف الصحيح، حتى لو كان من المنافسين السياسيين له؛ لأن الموقف أو القرار الصحيح الصائب سيصب فى المصلحة العامة وهي مقدَّمة على المصالح الخاصة.

·       تقديم النصيحة في حالة القرارت المحتملة للتصويب والتخطئة، التي لا نجزم بخطئها وضررها، فتقدم النصيحة بوجهة نظرنا ولا نعمل على تشويه ذلك الموقف المحتمل لأنه يحتمل أن يكون هو القرار الصائب ويكون التشويش عليه مانعًا من تفاعل الشعب معه؛ مما قد يؤدى إلى إفشاله، وهذا ليس في المصلحة العامة.

·       عدم التأخر في تقديم النصيحة الخالصة للدولة في المشكلات التي تواجهها والتي يكون لنا رؤية في حلها أو نستطيع أن نشارك بأنفسنا في حلها.

·       المعارضة للقرارت والمواقف التي نراها ضد مصلحة البلد أو تحمل ظلمًا لأحد، فنعارضها معارضة منضبطة بضوابط المعارضة البناءة المثمرة، لا المعارضة التي تزيد الأمر تعقيدًا.

وهذه السياسة رباعية الأركان هي التي انتهجها الحزب مع الدكتور مرسي وحزبه، حزب الحرية والعدالة، طوال فترة حكمه، فكان الدعم في المواقف الصائبة والنصيحة التي كنا نقدمها كل أسبوع لمكتب حزب الحرية والعدالة وكل أسبوعين لمكتب الرئيس والتي تتضمن تعليقاتنا على القرارت والمواقف المختلفة ومقترحاتنا لحل المشكلات المختلفة واستعداداتنا للمشاركة في الحلول، لكن بلا جدوى، حتى وصل الأمر إلى الانهيار.

 السمة الرابعة:

 إصرار الحزب على العمل بكل ما أوتي من قوة للحفاظ على استقرار الدولة ومنع انزلاقها في مستنقع الفوضى والحرب الأهلية باسم الدين؛ فقد تسببت طريقة إدارة الإخوان للدولة وإسلوب تعاطيهم مع الأزمات التي واجهتهم (سواء كانت تلك الأزمات حقيقية أم مفتعلة بسبب الصراع السياسي) المهم أنها تسببت في حدوث استقطاب حاد على كل المستويات:

على مستوى القوى السياسية، وعلى مستوى مؤسسات الدولة، وعلى مستوى الإعلام، وعلى المستوى الشعبي، فتقدم حزب النور بمبادرة كان الغرض منها استيعاب حالة الانقسام هذه بأن يتحمل الجميع المسئولية، فإن حدث نجاح كان للجميع، وإن حدث إخفاق لم ينسب للإسلاميين بل سيتحمل الجميع المسئولية ويدركوا أن ضعف موارد الدولة التي جُرفت على مدى عقود هو السبب في الأزمات وليس فشل الإدارة، وإن كان سبب الفشل هو ضعف الحكومة سينزل شباب التيار الإسلامي جنبًا إلى جنب مع جموع الشعب مطالبين الرئيس بتغيير الحكومة وساعتها لن يكون هناك استقطاب شعبي وسيضيق حيز الاستقطاب السياسي، لكن مع أن المبادرة كانت طوق نجاة للإخوان إلا إنهم رفضوها وشوهوها ليس إلا لأنها من قِبَل حزب النور؛ ولأن المعارضة قبلتها فلما رُفضت شعر الناس باليأس؛ لعدم رؤيتهم لحلول قريبة في الأفق، وبدأ الانقسام الشعبي يزداد حدة حتى ظهرت "تمرد" لتضيف بعدًا حركيًا في الشارع، إضافة إلى معارضة جبهة الإنقاذ، وبدأ الاستعداد لـ(30/6) فكان الرد من الإخوان ومن معهم بالحشود مقابل الحشود، وهو أخطر قرار اتخذته الأحزاب الإسلامية حيث كان بداية النهاية لحكم الدكتور مرسي (من قبل أنصاره)، وبدأ اعتصام رابعة العدوية تحت شعار "نصرة الإسلام والشريعة والشرعية" ضد من أطلقوا عليهم أعداء الشريعة والشرعية وبدأت إرهاصات انزلاق البلاد في صراع أهلي في ظل هذه الأجواء الخطيرة تحرك حزب النور في ستة لقاءات متتالية لاحتواء الأزمة بتقديم النصيحة، فذهب إلى مكتب الرئيس في لقائين مع مساعديه يحذر من مغبة الحشود مقابل الحشود، وأن الدم إن سال باسم الإسلام فلن يتوقف وستدخل البلاد في فوضى سواء كان المقتول من الإسلاميين أم من غيرهم، وفي نفس الوقت، التقى حزب النور بالحرية والعدالة والأحزاب الموالية له في لقائين متتاليين؛ لينقل لهم تلك الصرخات؛ لعلهم يفيقوا ويروا الأمور على حقيقتها، لكنه وجد الإصرار على المضي قدمًا في الحشود مقابل الحشود، فطلب مكتب الإرشاد وبالفعل جاء مكتب الإرشاد يوم 16/6 وكانت المفاجأة أن هناك غيبوبة تامة عن الواقع، فقدمنا لهم النصيحة بعدم الاستمرار في المواجهة وأن هناك حلولًا يمكن أن نسعى فيها وأقصاها: تغيير الحكومة والنائب العام، فرفضوا، واستمر الأمر، وبدأت الدماء تسيل وازداد استفزاز البلطجية للشباب الاسلامي حتى كان يوم 29/6 ليلًا؛ حيث استَدعي الدكتور مرسي الأحزاب الإسلامية ليخبرهم أن الجيش تقدم بمبادرة، والمفاجأة أنها لم يكن فيها إلا تغيير الحكومة والنائب العام! والمفاجأة المحزنة أن تلك الأحزاب الموالية للإخوان رفضتها! وخرج الناس يوم 30/6 بالصورة التي رآها الجميع، وزاد الأمر سوءًا، وفي اليوم التالي أعلن الجيش والشرطة رسميًا أنهما مع الشعب، وأعطى الجيش مهلة أخيرة 48 ساعة، وهنا أصبح شباب التيار الإسلامي في مواجهة مع دولة بكامل مؤسساتها، وقد كان في التصريحات المنسوبة للتيار الإسلامي ما ينذر بالعنف من خلال رموز الجماعة الإسلامية وغيرها، وصدر بعد مهلة الجيش الأخيرة تصريحات من رموز الإخوان المسلمين أنفسهم، ما يؤكد على هذا، فهذا عصام العريان يقول: "الجماعة والتيار الإسلامي بدون (المخابرات والجيش والشرطة والقضاء) لهم النصر بإذن الله"، وحثَّ المتظاهرين على الصبر، وقال: "إن الموت في سبيل الله أسمى أمانينا"، ومما يؤكد خطورة الأمر وأننا مقبلون على حرب أهلية حقيقية، ما قاله جهاد الحداد، المتحدث الرسمي باسم الحرية والعدالة، موضحًا أن الإخوان لديهم خطة مُعَدَّة سلفًا للمواجهة مع الجيش إذا استدعى الأمر: "إن تهديد الجيش بالتدخل أدى لتغيير قواعد اللعبة"، وقال: "إننا نغيِّر تكتيكنا وقمنا بإعداد سيناريو منذ فترة لمواجهة مثل هذا الموقف"، وقال أيضاً: "إذا تحرك العسكر على الأرض فإن لدينا الخطة لمواجهة ذلك"، ومن هنا، أصر حزب النور على سحب الفتيل بالإصرار على أن هذا الصراع صراع سياسي، وليس صراع من أجل الدين؛ لأنه لو اقتنع كل شباب التيار الإسلامى أنه صراع ديني لحدث تهوُّر لا يعلم مغبته إلا الله، وتقدم بالنصيحة للدكتور مرسي والأحزاب الإسلامية الموالية له، لكن بدون جدوى، ووضع الدكتور مرسي يوم (2/7)، بعد خطابه الشهير الذى قال فيه: "جئت بالشرعية ودمي فداء لها" فتم عزله ووضعه في الإقامة الجبرية، ونحن لا نعلم بهذا، وحين دُعي حزب النور للحوار يوم (3/7) كان الحرية والعدالة مدعو هو الآخر بالإضافة إلى الأزهر والكنيسة والمعارضة بشقيها: جبهة الإنقاذ، وحركة تمرد، لكن رئيس الحرية والعدالة اعتذر في أخر لحظة، وحين حضر ممثل حزب النور المهندس جلال مرة، علم أن د. مرسي قد تم عزله ووضعه في الإقامة الجبرية، وهكذا لم يكن أمام حزب النور إلا أحد خيارين:

الأول: أن ينسحب بمفاسد خطيرة محققة.

الآخر: أن يستمر؛ لاحتمال تقليل هذه المفاسد واحتمال تعظيم بعض المصالح.

ومن مفاسد الانسحاب من المشهد:

أولًا: سيتمكن متطرفوا العلمانية من ركوب الموجة وإضعاف المكون المتعقل من المشهد السياسي والسيطرة عليه بالتعاون مع المقتنعين بالخيار الدموي في التعامل مع جميع الإسلاميين، وستدفع كثير من القوى العالمية في هذا الاتجاه بكل قوة لإدخال الدولة في فوضى الاحتراب الداخلي.

ثانيًا: سيسهل على أصحاب هذه النظرية الدموية وضع الإسلاميين جميعًا في سلة العنف والمواجهة مع الشعب بالتلفيق تارة وباستدعاء ماضي بعض الجماعات المشاركة في رابعة تارة، وبالاستدلال بالتصريحات المنسوبة إلى قادة الإخوان ومن معهم تارة، وباستغلال صور العنف والتفجير التي يتبناها أصحاب الفكر التكفيري العنيف والتي ستزداد حدتها بسبب تهور الشباب الذي ستصل إليه القناعة بأنها فعلًا حرب على الإسلام، وكل هذا ستترتب عليه مخاطر لا حصر لها على:

الدولة والدستور والشعب والدعوة والتيار الاسلامي والمشروع الإسلامي والعالم العربي واستقراره، خاصة في هذه المرحلة الحرجة، والتي من عجائبها أن تهدد داعش التي جاءت فيما بعد، مع ضعفها وانحرافها، أن تهدد استقرار ليس دولة واحدة، بل عدة دول.

المصالح المترتبة على بقاء حزب النور فى المشهد:

أولًا: تقليل ما تقدم من مفاسد، خاصة المتعلقة باستقرار الدولة وبقائها بالهوية في الدستور بالضغط في اتجاه منع إلغاء الدستور وبقاء الأمر عند التعديل.

ثانيًا: التعاون مع المؤسسات المتعقلة كالأزهر والمتعقلين من الوطنيين؛ للحفاظ على الدولة من الدخول في حرب أهلية باسم الإسلام.

ثالثاً: المنع من أن تنسب الاستهانة بالدماء والتكفير لكل الإسلاميين؛ بما يؤدي إلى زيادة الكراهية بين الإسلاميين ومجتمعهم الذي هو رأس مالهم؛ لأن الإصلاح الحقيقي إنما يكون من خلال التواصل مع المجتمع لا العزلة والعداء له.

رابعًا: بقاء فصيل إسلامي في المشهد يرسل رسائل هامة:

أولها: للمتربصين بمصر وباستقرارها والذين كانوا يريدون أن يتم إنقسام مصر باسم الإسلام (إسلاميين وشعب) مما يسهل دخولها في حرب أهلية لا تنتهي إلا بسقوطها وانهيارها، واستسلامها لمخططات أعدائها، رسالة إلى هؤلاء أن مخططاتهم فشلت وأن الشعب المصري لن يدخل في سيناريوا الانفسام باسم الإسلام إن شاء الله؛ بدليل ظهور الإسلاميين كجزء من المشهد.

ثاني هذه الرسائل للشعب المصري، أن الفشل الإداري الذي حدث لا يُنسب إلى المنهج الإسلامي الصحيح، وإنما هو اجتهاد خاطئ من بعض من ينتسبون للإسلام، وأن الخطاب العنيف والتهديد والوعيد بهذه الصورة السيئة لا يُنسب إلى الإسلام، وأن هذا السخط الشعبي الكبير ليس متوجهًا لكل الإسلاميين، وإنما لبعض من ينتسبون إليهم، فهذا من مصلحة مستقبل الإسلاميين وقبول الشعب لهم واستجابته لرؤيتهم الإصلاحية وتجاوبه معها.

ثالث هذه الرسائل لشباب الصحوة المتعقلين منهم: أن طريق التعقل والانضباط بضوابط الشريعة هو السبيل لنصرة الشريعة والحفاظ عليها، وأن هناك طريق متاح للعمل الإصلاحي ويمكنهم الانضمام إليه والاستمرار فيه حتى لا يصيبهم اليأس كما أصاب غيرهم فينجرفوا في التكفير والعنف.

من أجل هذا وغيره: قرر حزب النور أن يستمر في المشهد للتعاون مع المتعقلين من مكونات المشهد السياسي في العمل على إنقاذ ما يمكن إنقاذه من المصالح، ودفع ما يمكن دفعه من المفاسد، فكان الاختيار أن يستمر في جلسة الحوار التي انتهت ببيان خارطة الطريق.

السمة الخامسة:

الحفاظ على الثوابت مع المرونة المبنية على قواعد السياسة الشرعية في التعامل مع الواقع، ومما يدل على هذا موقف حزب النور في لجنة الخمسين؛ فقد كانت هناك اعتراضات على المادة 219 فأخبرنا اللجنة أن نص المادة 219 ليس مقصودًا لذاته وإنما المقصود المعنى، فقلنا للجميع:

·       لفظ "مبادئ" مضافًا إلى الشريعة الإسلامية لم يُستخدم كمصطلح له معنى ثابت ومستقر قبل استعماله بهذه الصياغة في دستور (71)؛ ولذلك احتاج إلى تفسير.

·       كل ما احتاج إلى تفسير قد يتغير تفسيره مع اختلاف المفسِّر له، فكيف نترك هذا اللفظ الذي وُضع وكأنه مفسِّر للشريعة عُرضه لتفسيرات مختلفة؟! ولذلك نحتاج إلى أن ينص الدستور على ما يمنع من التطور في التفسير الذي قد يُفرغ الشريعة من محتواها تدريجيًا، وذكرنا لهم أن التفسيرات التي وردت في أحكام المحكمة الدستورية منها ما هو واضح وشامل ومنها ما يوهم إغفال بعض أحكام الشريعة.

فاتفق الجميع على البحث عن حل توافقي يضمن هذا المعنى المطلوب ولا ينتقص من الشريعة شيئًا، وبعد استعراض جميع أحكام المحكمة الدستورية، توافق الجميع على أن الإلزام في التفسير بمجموع أحكام المحكمة الدستورية في هذا الشأن يفي بالغرض تمامًا؛ حيث تلتزم الأحكام الدستورية التي تُوهم إغفال بعض أحكام الشريعة بغيرها من أحكام المحكمة التي تتسم بالشمول والوضوح في الإزام بجميع أحكام الشريعة، بل تم الاتفاق على أن يُخص بالذكر في مرجعية التفسير عدة أحكام، على رأسها أكثر هذه الأحكام شمولًا، وهي أحكام سنة 4 قضائية والتي ورد فيها: "وهو بذلك يُلزم المشرع بالالتجاء إلى أحكام الشريعة الإسلامية؛ للبحث عن بغيته فيها، مع إلزامه بعدم الالتجاء إلى غيرها، فإذا لم يجد في الشريعة الإسلامية حكمًا صريحًا؛ فإن وسائل استنباط الأحكام من المصادر الاجتهادية في الشريعة الإسلامية تمكن المشرع من التوصل إلى الأحكام اللازمة والتي لا تخالف الأصول والمبادئ العامة للشريعة"،[من الحكم الصادر في 4 مايو سنة 1985م،]، على أن يكون الاجتهاد دومًا واقعًا في إطار الأصول الكلية للشريعة بما لا يجاوزها، ملتزمًا ضوابطها الثابتة، ومتحريًا مناهج الاستدلال على الأحكام العملية، والقواعد الضابطة لفروعها، كافلاً صون المقاصد العامة للشريعة بما تقوم عليه من حفاظ على الدين والنفس والعقل والعرض والمال، [من الحكم الصادر في 18 مايو 1996]، وقد خص بالذكر في المضابط أيضًا، وورد أيضًا في حكم 85، وهذا يعني عدم جواز إصدار أي تشريع في المستقبل يخالف أحكام الشريعة الإسلامية، كما يعني ضرورة إعادة النظر في القوانين القائمة قبل العمل بدستور سنة 1971، وتعديلها بما يجعلها متفقة مع أحكام الشريعة الإسلامية"، [من الحكم الصادر فيي4 مايو سنة 1985م]

السمة السادسة:

مزاحمة المبادئ السياسية الخطأ بالمبادئ الصحيحة؛ فمن سمات الأداء السياسي لحزب النور: مزاحمة المبادئ السياسية الخطأ بالمبادئ الصحيحة، والعمل على الانتقال التدريجي للمبادئ الصحيحة من طور النظرية إلى طور التطبيق؛ فهناك بون شاسع بين مبادئ السياسة الميكيافيلية والمبادئ المستقاة من السياسة الشرعية، فالصدق والوضوح مثلًا من المبادئ التي يتبناها حزب النور والتي كانت من أسباب نجاح الحزب وقبوله في المجتمع، وهي تذكر بقول عمر بن الخطاب: "لست بالخب الماكر المخادع الكذاب ولكن الخب لا يخدعني"، وهذا المبدأ غير مقبول تمامًا عند ميكيافيللي ومن نسج على منواله.

السمة السابعة:

تقديم الصالح العام على المصالح الحزبية الخاصة، ويدل على هذا: كل مواقف حزب النور التي تعرض فيها للنقد والتجريح من التيار الإسلامي وهو في نفس الوقت يتعرض لما يتعرض له من التيارات المدنية، ومع هذا فهو ثابت على مواقفه، مصمم على السير في العمل على استقرار الدولة والحيلولة بينها وبين الدخول في صراع باسم الإسلام.

السمة الثامنة:

أن حزب النور يعي جيدًا حجم المخاطر التي تُحيط بالدولة المصرية، ويطلع بدوره المنوط به في العمل على حمايتها من تلك المخاطر، فإذا دققنا النظر في الواقع العالمي والإقليمي والعربي والداخلي لنقف على التحديات الكبرى التي تواجه أمتنا بصفة عامة ودولتنا بصفة خاصة، لوجدنا أن من أكبر هذه التحديات، تلك الصراعات التي ينالنا معظم، أو على الأقل، بعض سهامها، تلك الصراعات أهمها وأخطرها: أربعة صراعات؛ وهى: صراعات متكاملة يؤثر بعضها في بعض ويكمل بعضها بعضًا وبينها عوامل مشتركة تنالها السهام المدمرة من كل نوع من أنواع الصراعات، ومن هذه العوامل المشتركة دولتنا المصرية.

الصراع الأول: صراع مصالح القوى الكبرى في العالم؛ وذلك أن القوى الكبرى تريد أن تبقى منطقة الشرق الأوسط منطقة نفوذ وتبعية لا منطقة تأثير واستقلال، وأن تبقى أيضًا كفة إسرائيل راجحة عسكريًا واقتصاديًا، فلابد أن تبقى منطقة الشرق الأوسط في حالة نزاع دائمة، ووجدوا أن أفضل وسيلة لهذا هي: عسكرة التيار الإسلامي وتهيئة المناخ للانحرافات الفكرية بتكفير المجتمع والصدام معه، ومن المعلوم أن مصر هي قلب العالم العربي والإسلامي، وصمام الأمان له، والتاريخ والواقع خير شاهد على ذلك، فلا غرابة أن تكون هي المستهدف الأكبر في هذا الصراع، والتي من أجل النَيْل منها والإحاطة بها؛ عن طريق:

·       دعم الصراع الليبي؛ ليطول أَمَدُه ويصدر الفكر العنيف إلى داخل مصر.

·       تأجيج الفتن في السودان وتقسيمه.

·       دعم المناوئين للدولة، داخلها وخارجها؛ لإحداث الفوضى والدمار أملًا في إيصال الدولة إلى الانهيار، فإن لم تصل إليه، ظلت على الأقل مشغولة بنفسها، فلا تستطيع أن تمنع الألاعيب والمخططات التي تحُاك لدول الجوار والعمق الاستراتيجي لها؛ ليُحاط بها من كل جانب، من شرقها في سيناء ومجاورتها للكيان الصهيوني والبحر الأحمر وباب المندب وغربها الليبي المضطرب و عمقها الاستراتيجي في الخليج العربي وجنوبها السوداني والامتداد الإفريقي، والأدهى وأمر؛ شريان حياتها: النيل.

ومن أجل هذا يتم دعم تلك الجماعات التي تستدرج الشباب إلى مستنقع العنف والانحراف الفكري؛ ليكونوا معاول هدم لبلادهم بالقتل والتدمير والتخريب والمحاولات المستميتة لإيقاف مسيرة الدولة؛ حتى تصل إلى الفشل التام ثم الانهيار، وهذا لن يحدث إن شاء الله طالما وُجد المخلصون من أبناء هذا الوطن وقاموا بدورهم في حمايته من آثار تلك الفتنة؛ حتى يتعافى منها.

كما تقوم تلك القوى، من خلال مخابراتها، بدعم المنظمات التي ترعى الإلحاد والطعن في الثوابت؛ لتقوم هي الأخرى بدورها في خلخلة البنية التحتية الشبابية، والتي إذا اختلت اختل توازن الدولة.

الصراع الثانى: صراع النقاء الفكري وتصحيح المفاهيم:

وهذا الصراع يدور في المقام الأول بين المنتسبين للتيار الإسلامي، إلا أن له علاقة مباشرة بالدولة وببقية الصراعات الأخرى وبالمتربصين بالدولة وبالأمة، والذي يطالع التاريخ يتبين له تلك الحقيقة؛ وهي أن كل انحراف عن ثوابت المنهج النقي للفكر الإسلامي الصحيح، يقود إلى فتن ومحن وصراعات مدمرة؛ فالخوارج لم يكن لهم أن يصيروا خوارج إلا حين أسسوا تحركهم على أساس فكري منحرف عن الفكر النقي وأقنعوا أتباعهم به، وعلى أساسه كفروا المسلمين واستباحوا دمائهم وأموالهم، والشيعةكذلك وغيرهم من أصحاب الأفكار المنحرفة.

وفي واقعنا الحاضر، هؤلاء الشباب الذين يُفَجِّرُون ويُقَتِّلُون ويُخَرِّبُون بلادهم ويشوهون صورة العمل الإسلامي، بل ويشوهون صورة أمتهم ودينهم ويصدون عنه، إنما أصل ذلك خلل فكري تم اللعب عليه وتزيينه للشباب حتى صاروا معاول هدم لبلادهم بدلًا من أن يكونوا لبنات بناء؛ فالانحراف الفكري يؤدي بلا شك إلى انحراف سلوكي، وأخطر ما يكون على استقرار الدول، اهتزاز البنية التحتية الشبابية لها بالانحرافات الفكرية والسلوكية، سواء كان بالتفريط والانحلال والإلحاد، أو بالإفراط والغلو والتطرف، ومصر مستهدفة بهز بنيتها التحتية الشبابية للوصول بها إلى مرحلة الفوضى "الخلاقة" التي لا تُبقي ولا تذر؛ لأنها الدولة العربية الوحيدة المتماسكة التي تحول دون قيام المشروعَين: الشيعي والصهيوني والمؤهَلة في نفس الوقت لقيادة الأمة إلى توحيد الصف والجهود لمواجهة المخاطر الخارجية.

ومن المواقف الواضحة لحزب النور فيما يتعلق بهذا الشأن موقفهم من الصراع التالى:

الصراع الثالث: صراع المعادلة الصفرية الذى يعامل به الإخوان في طريقة إدارتهم للدولة إبان حكمهم لها ثم إدارة أزمتهم مع الدولة بعد فشلهم في حكمها؛ تلك الطريقة التي لم تَحِد عن المعادلة الصفرية "أنا مائة بالمائة وباقي القوى السياسية ومؤسسات الدولة وغيرهم ليس لهم إلا الصفر)، لم يحد الإخوان عنها وهم في سدة الحكم مع التحذيرات والنصائح التي حاول الكثير إسدائها لهم؛ لإنقاذهم من أنفسهم، وإنقاذ البلاد من مغبة فشلهم، ولكن كانت تلك النصائح بلا جدوى، وبعد تنحية الدكتور مرسي وظهور فشل المعادلة الصفرية، كان ينبغي على الإخوان أن يراجعوا معادلتهم هذه، إلا أنهم استمروا عليها ليضيفوا خسائر إلى خسائرهم.

الصراع الرابع: الصراع بين سياسة الإصلاح وسياسة المصالح النخبوية داخل مكونات المشهد السياسي في الدولة المصرية؛ وفى الجهاز الإداري حدث ولا حرج عن المحسوبيات والفساد المالي والإداري الذي لا يستطيع أحد أن يواجهه؛ لأن معظم الإداريين في ذلك الجهاز لهم ظهور من النخبة والحاشية تحمي فسادهم، بل تشاركهم في العائد منه، بل إن هؤلاء الإداريين لم يصلوا إلى مناصبهم هذه بالكفاءة ولا بالأحقية وإنما بالمحسوبية وقدرتهم وتفننهم في وسائل الفساد والإفساد.

أما سياسة الإصلاح: فهي محاولة عكس كل ما سبق والتخلص من آثاره ولو بالتدرج، وهنا ننبه أنه توجد السياسة التفجيرية التي لا تقبل التدرج في الإصلاح؛ فتحدث صدامات هائلة تؤدي إلى انفجارات وتصدَّعات قد تقود إلى تدمير البنية الأساسية للمجتمع فتؤدي إلى الإفساد من حيث تريد الإصلاح، وأما السياسة الإصلاحية، فهي التي تعتمد التدرج في إعادة إحياء الوعي الشعبي والإصلاح الإداري والمالي وتقديم المصالح العامة على المصالح الخاصة، وتتسم بالوضوح والمكاشفة وتراعي مصالح الأجيال القادمة، والدولة المصرية وأي دولة، خاصة بعد الثورات، وتغيير الأنظمة يقع فيها الصراع بين أصحاب السياسة الإصلاحية وأصحاب سياسة المصالح النخبوية؛ لأن سياسة الإصلاح ستضئ النور فيظهر السارق والمنتهب والغشاش وستُحدث وعيًا شعبيًا وممانعة مجتمعية للفساد بكل صوره، وهذا سيجعل مصالح هؤلاء ومحسوبياتهم في خطر، وهذا مالا يرضونه، وسيقاتلون في سبيل منعه بكل قوة فيعرقلون الإصلاح ويشوهون من يتبناه ويحاولون إفشاله بكل الصور وإن كان الثمن إفشال الدولة نفسها وبيعها لأعدائها، وهذا يدعوا جميع الإصلاحيين إلى التكاتف والتآزر والبحث عن مساحات التوافق في الرؤى الإصلاحية التي يتبنونها للخروج بالبلاد من هذا المضيق وتجنيبها الانهيار والوقوع فريسة للمتربصين بها، وحزب النور حزب إصلاحي يعتبر قواعده الشعبية ظهيرًا لكل من يريد الإصلاح، ويعتبر من يقدمهم من كوادر للعمل السياسي شريكًا بناءًا وفعالًا في المسيرة الإصلاحية للدولة.

وختامًا: أسأل الله أن يحمي بلادنا من كل مكروه وسوء.