انتقاص القمم سبب للخذلان

  • 167

 إن مِن أعظم الآفات وأخطرها انتقاص القمم، وأعني بالقمم: العلماء الربانيين الذين تقدموا في العلم  والدعوة وأعمال البر والإحسان-، والطعن فيهم يكون لمجرد الهوي وحب الرياسة أو التطلع لمنصب أو جاه.
 
فيُزَيِّن الشيطان لأصحاب الأهواء  أعمالهم ويستدرجهم مِن حيث لا يعلمون للطعن في نِيَّات وأعراض تلك القمم الشامخة، مع أن الأصل قبول الحق مِن أي طريق جاء، فما بالك لو جاء عن طريق هؤلاء الأفاضل-نحسبهم كذلك-؟
 
قال الإمام أحمد رحمه الله: «كل رجل ثبتت عدالته لم يُقبل فيه تجريح أحد حتي يتبين ذلك بأمر لا يحتمل غير جرحه».
 
وقال ابن عبد البر رحمه الله: «والصحيح في هذا الباب أن مَن صحَّت عدالته وثبتت في العلم إمامته وبانت ثقته وبالعلم عنايته؛ لم يلتفت فيه إلى قول أحد إلا أن يأتي في جرحته ببينة عادلة يصح بها جرحته عن طريق الشهادات والعمل فيها مِن المشاهدة والمعاينة لذلك بما يوجب تصديقه فيما قال لبراءته مِن الغل والحسد والعداوة والمنافسة وسلامته مِن ذلك  كله، فذلك كله يوجب قبول قوله مِن جهة الفقه والنظر».
 
وقال رحمه الله: «فمَن صحَّت عدالته، وعلمت بالعلم عنايته، وسلم مِن الكبائر، ولزم المروءة والتصاون، وكان خيره غالبًا وشره أقل عمله؛ فهذا لا يُقبل فيه قول قائل لا برهان له به، وهذا هو الحق الذي لا يصح غيره إن شاء الله».
 
قال بكر بن عبد الله المزني: «إذا رأيت الرجل مولعًا بعيوب الناس، ناسيًا عيبه؛ فاعلموا أنه قد مُكر به».
 
وقال ابن حبان: «فمَن اشتغل بعيوب الناس عن عيوب نفسه عمي قلبه وتعب بدنه وتعذر عليه ترك عيوب نفسه، فإنَّ أعجز الناس مَن عاب الناس بما فيهم، وأعجز منه مَن عابهم بما فيه».
 
وأعظم الجحود والنكران أن يكون ذلك الانتقاص لشيخك الذي علَّمك وربَّاك وكان سببًا في حياتك وهداك؛ فإن مِن مكارم الأخلاق أن تعرف حق مَن أحسن إليك، وتسعى جاهدًا لرد جميله بكل ما تملك مِن أدوات.
 
واعلم أن مِن أكبر أسباب الخذلان هو الانتقاص مِن القمم والطعن في أصحاب الهمم مِن العلماء والدعاة الذين قال الله فيهم: "وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُوا الأَلْبَابِ"، وقال أيضًا: "شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ".
 
وصدق القائل:
 

وهبك أن تقول إن الصبح ليل *** أيعمى الناظرون عن الضياء