فوضى التكفير بين الهوى والدين

  • 156

بقلم- د. خالد آل رحيم
إنه من المحزن والمؤسف أن تموج الساحة الآن بدعاة التكفير مِن منطلق الهوى أو الخلاف السياسي, أو الجهل بالقواعد والأصول الشرعية بأدلتها, وما يزيد من الألم أن هناك مَن يدَّعي العلم ويصنف في خانة العلماء مَن وقع فى هذه الفتنة, فصار يكفر بغير ضوابط مِن استيفاء الشروط وانتفاء للموانع، ولكنه الهوى والتعصب الأعمى.
 
ومن هذا المنطلق أردنا أن نعرج على هذا المفهوم
 
(التكفير) مع أني أتردد كثيرًا في الحديث عن هذا الموضوع؛ لأنه من الخطورة بمكان، وإن كنت أتمنى ألا يتحدث في هذا إلا العلماء الراسخين في العلم, ولكن من باب «وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين».
 
ولذلك سأعرج في الحديث عن هذه الفتنة، وإن شئت فقل: هذه الفوضى من التكفير، وذلك من خلال النقولات عن العلماء الربانيين الذين نثق في علمهم ومكانتهم وعدم تجرؤهم على تكفير الناس, وسيكون حديثنا في بيان خطورة إطلاق العنان للألسنة في تكفير الناس بأطيافهم مِن الحكام والعلماء والعامة.
 
عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا كفَّر الرجل أخاه فقد باء بها أحدهما»، وعنه أيضًا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أيما امرؤ قال لأخيه: يا كافر، فقد باء بها أحدهما، إن كان كما قال، وإلا رجعت عليه».
 
وروى أبو ذر الغفاري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يرمي رجل رجلًا بالفسوق، ولا يرميه بالكفر، إلا ارتدت عليه، إن لم يكن صاحبه كذلك».
 
وعن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ومَن لعن مؤمنًا فهو كقتله، ومَن قذف بكفر فهو كقتله».
 
فهذه الأحاديث وغيرها كثير تحذر من إطلاق التكفير على المسلمين، وذلك لأنه لا يجوز تكفير المسلم إلا إذا وقع فيما يوجب الكفر؛ لأن مَن تأكد دخوله في الإسلام فإنه لا يجوز تفسيقه أو تكفيره أو لعنه وإخراجه مِن الدين إلا ببينة توجب ذلك.
 
قال الإمام الطحاوي رحمه الله: «ولا نكفر أحدًا مِن أهل القبلة بذنب ما لم يستحله»، وكان الإمام أحمد رحمه الله يقول لعلماء وقضاة الجهمية: «أنا لو قلت قولكم لكفرت، ولكن لا أكفركم؛ لأنكم عندي جهال»، وقد صرح الإمام محمد بن عبد الوهاب في كتابه (صيانة الإنسان) بعدم تكفير الرجل يسجد عند قبر عبد القادر الجيلاني أو قبر السيد البدوي إلا بعد العلم والبيان وقيام الحجة الرسالية.
 
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى: «فالخوارج كفروا بالمعاصي وخلدوا العصاة في النار، والمعتزلة وافقوهم في العاقبة وأنهم في النار مخلدون, ولكن قالوا منزلة بين المنزلتين, وكله ضلال، والذي عليه أهل السنة وهو الحق: أن المسلم لا يكفر بمعصية مالم يستحلها»، وقال الألباني رحمه الله تعالى: «إن مسألة التكفير عمومًا لا للحكام فقط، بل للمحكومين أيضًا، هي فتنة عظيمة قديمة تبنتها فرقة من الفرق الإسلامية وهي المعروفة (بالخوارج)، ومع الأسف الشديد فإن البعض من الدعاة أو المتحمسين قد يقع في الخروج من الكتاب والسنة, ولكن باسم الكتاب والسنة, والسبب في هذا يعود لأمرين: الأول: ضحالة العلم. الثاني: -وهو مهم جدًّا- أنهم لم يتفقهوا بالقواعد الشرعية والتي هى أساس الدعوة الإسلامية الصحيحة».
 
ويقول الشيخ العثيمين رحمه الله تعالى: ومِن المعلوم أن الحكم بالتكفير يحتاج لشيئين مهمين: الأول: دلالة النص على أن هذا كفر, وكفر مخرج من الملة؛ لأن في النصوص ما يطلق عليه كفر وليس بكفر مخرج مِن الملة, فلابد أن تعلم أن النص دل على أن هذا العمل كفر أو هذا الترك كفر كفرًا مخرجًا مِن الملة. الثاني: تطبيق هذا النص على مَن صدر منه الفعل الذي دل النص على أنه كفر؛ لأنه ليس من فعل المكفر يكون كافرًا كما دلت النصوص مِن الكتاب والسنة, قال الله تعالى: ?مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ?.
 
إذًا فلابد مِن أمرين مهمين في التكفير:
 
1- دلالة النصوص على أن هذا كفر وكفر مخرج عن الملة.
 
2- وانطباق هذا الحكم على الشخص المعين؛ لأنه قد تكون هناك موانع تمنع مِن التكفير, وإن كان القول أو الفعل كفرًا.
 
فإذا لم يتم الشرطان, فمن كفَّر أخاه صار هو الكافر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن مَن دعا رجلًا بالكفر, أو قال: يا عدو الله، وليس كذلك, فإنه يعود إليه، فيكون هو الكافر، وهو عدو الله.
 
والخطر مِن هذا أنه جعل نفسه مشرعًا مع الله، وحكم على إنسان بالكفر مع أن الله تعالى لم يكفره، فجعل نفسه ندًّا لله، فليس لنا أن نكفر مَن لم يكفره الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم.
 
وإننا بدورنا نُهدي هذه الأدلة إلى الذين يجوبون الفضائيات يكفرون القاصي والداني بغير علم ولا هدى مِن الله ولا برهان .. ونقول لهم: اتقوا الله في أنفسكم ودينكم وإخوانكم.