نظرة موضوعية في نتائج المرحلة الأولى من الانتخابات البرلمانية

  • 370

انتهت المرحلة الأولى من الانتخابات البرلمانية وما صاحبها من صخب وشغب، ورغم كل ما قيل عن نتائج حزب النور، والتي جانب الكثيرون النظرة الموضوعية فيها، فإن النظرة المتأنية ترفع عن حزب النور هذا القدر الكبير من التحامل عليه، بل تعطينا بعض الحق في الإشادة بأداء الحزب وما حققه من نتائج.
 
وبداية لا ينتقص أي حزب سياسي أن يمنى بخسارة انتخابية، وإنما يعيبه ألا يستفيد من تجربته التي خسر فيها، ويصحح من أوضاعه، خاصة إذا كان حزباً جديداً وأغلب أعضائه من شباب الأمة. هذا إذا كانت هناك خسارة لا تحقق هدف الحزب من دخوله ميدان العمل السياسي، وجاءت من خلال منافسة شريفة شارك فيها الحزب، وهذا ما لم يحدث في الانتخابات الحالية. وإلا فقد حقق حزب النور جزءًا كبيرًا من هدفه وهو التواجد والمشاركة في البرلمان، إذ لم يتطلع إلى المغالبة والاستحواذ كما أكد على ذلك قيادات الحزب مرارًا قبيل بدء الانتخابات، وجاء ذلك في ظل قانون انتخابي معيب، ومنافسة غير شريفة من المنافسين.
 
* نتيجة متوقعة من قانون انتخابي معيب:
 
أصرت الأجهزة التنفيذية والحكومة على وضع هذا القانون الانتخابي الذي يضعف الحياة الحزبية في البلاد بتخصيص خمس ( 1/5) مقاعد البرلمان للقوائم الحزبية وهي –أي الأحزاب- أساس العمل السياسي في النظام الديمقراطي، الذي تم الاتفاق على الأخذ بآلياته، وجعل الأخماس الأربعة الباقية من المقاعد فردية لمرشحي الأحزاب والمستقلين. وجعل القوائم مطلقة (مغلقة) –وهو نظام لا تأخذ به معظم دول العالم الديمقراطية– وليست قوائم نسبية، لأنها –أي المطلقة- تهدر نسبة كبيرة من أصوات الناخبين الذين اختاروا قوائم لم تنل الأغلبية المطلقة ولو بفارق صوت واحد بينها. وقد تم التجاهل التام لكل الاعتراضات من الأحزاب، ورفض ما قدمته من مقترحات لتعديل هذا القانون الانتخابي. كما فتح -هذا القانون- الباب لرموز الحزب الوطني ورجاله الذين أفسدوا الحياة السياسية في مصر في عهد مبارك، وقامت ثورة 25 يناير من أجل إقصائهم، خاصة وأن أكثرهم مازال يتمتع بنفوذه وأمواله، ومنهم رجال أعمال ارتبطوا بنظام مبارك وتحالفوا معه.
 
* أثر الأخذ بالقائمة المطلقة على حزب النور:
 
في انتخابات 2012م _وفي ظل الأخذ بنظام القوائم النسبية مع جعل نسبة قوائم الأحزاب الثلثين ( 2/3 ) من المقاعد ونسبة الفردي الثلث الباقى منها_ حصل حزب النور على 90 مقعدًا في البرلمان من قوائمه، ولم تهدر أصوات من اختاروا قوائمه بالكلية كما حدث في هذه الانتخابات، بينما حصل الحزب على بضع وثلاثين مقعدا فردياً، وكانت نسبة مقاعده في البرلمان بذلك نحو 5و22 % من إجمالي مقاعد البرلمان. ولو طبق الأخذ بالقائمة المطلقة (المغلقة) في انتخابات 2012 م ما كان لحزب النور هذه المقاعد الـ 90 إذ تصدر الإخوان وقتها القوائم الانتخابية.
 
وقد حازت قائمة حزب النور في غرب الدلتا -في الانتخابات الأخيرة في المرحلة الأولى- على نحو ثلث الأصوات بما يسمح بدخول ثلث القائمة في البرلمان لو تم الأخذ بالقوائم النسبية. ولكن جاء القانون الانتخابي المعيب ليحرم حزب النور مما حققه في الانتخابات الماضية بجعل للقوائم الحزبية الخمس وجعلها مطلقة ( مغلقة).
 
* تكالب كل القوى السياسية على حزب النور ومرشحيه:
 
اتفقت كل القوى السياسية على معاداة حزب النور قبل وطوال العملية الانتخابية، رغم مواقف الحزب الوطنية ووقوفه إلى جانب المحافظة على الدولة ومؤسساتها طوال سنوات ما بعد ثورة يناير، رغم كل ما تعرض له من حملات تشهير وتخوين، ورغم أنه الممثل الوحيد الباقي للتيار الإسلامي في العملية السياسية، وساهم ببقائه في العملية السياسية في منع تصور الصراع بين الإخوان والنظام الحالي على أنه صراع ديني، وتصويره على حقيقته أنه صراع سياسي. ولكن الغلاة من العلمانيين واليساريين والليبراليين ومن معهم من فلول الحزب الوطني ورجال المال فيه أبوا إلا تصوير حزب النور على أنه من المعادين للدولة، ومخالف للدستور والقانون، واستماتوا في حشد الجماهير في هذا الاتجاه، رغم قانونية الحزب وموافقته للدستور. والعجيب هو تغاضي النظام والحكومة عن كل ذلك، والذي كان من نتيجته رفض كل الأحزاب والقوى السياسية التحالف مع حزب النور، مما جعله ينزل الانتخابات منفردًا أمام تكتلات تحالفت مع بعضها البعض وهدفها الأكبر إبعاد حزب النور بكل السبل الشريفة وغير الشريفة عن دخول البرلمان وبأي ثمن.
 
* أثر القانون الانتخابي في فتح الباب لفساد المال السياسي:
 
أتاح القانون الانتخابي للفلول ورجال الحزب الوطني المنحل ورجال الأعمال الذين ارتبطوا به وتحالفوا مع نظام مبارك المشاركة في العملية الانتخابية، مما فتح الباب لإفساد العملية الانتخابية ممن اعتادوا على إفساد العملية السياسية بأموالهم من عهد مبارك. لقد تجلى ظهور المال السياسي فى تجاوز السقف الأعلى المسموح به في الدعاية، وتقديم الرشاوى للناخبين، وشراء أصوات البسطاء من الناس، واستغلال حاجة المحتاجين، وتسخير وسائل الإعلام الخاصة التي يملكها -المرئية منها والمقروءة- لدعايته. وفي المقابل تسخير الأقلام والصحف والقنوات الإذاعية المرئية والمسموعة والمقروءة في التهجم على منافسيه والانتقاص منهم بالأكاذيب والافتراءات، والتشنيع عليهم بما ليس فيهم. في وقت لا يملك الآخرون هذه الوسائل التي تمكنهم من الدفاع عن أنفسهم، أو مجاراتهم في الإعلان عن أنفسهم بنفس الدرجة.
 
* التثبيط الإخواني والحشد العلماني والطائفي ضد حزب النور:
 
إذ قام الإخوان بتثبيط أنصارهم خاصة وشباب التيار الإسلامي عامة عن تأييد حزب النور بدعاوى الخيانة والعمالة وموالاة النظام المعادي للإخوان بسبب الصراع السياسي بينهما.
 
بل وصل الأمر ببعضهم إلى تعمد النزول للجان الانتخابات لتأييد المنافسين لحزب النور والدعوة لذلك.
 
كما حاول العلمانيون حشد الجماهير ضد الحزب تارة برفع القضايا أمام المحاكم تطالب بحل الحزب بدعوى أنه حزب ديني، رغم أن الحزب بين أعضائه ومن مؤسسيه بل وعلى قوائمه الحزبية في الانتخابات نصارى ممن ارتضوا برنامجه المبني على المرجعية الإسلامية التي نص عليها دستور البلاد صراحة. ومع فشل هذه الوسيلة سعوا إلى جمع توقيعات من المواطنين من أنصارهم ومن المغرر بهم للمطالبة بذلك في مخالفة واضحة وصريحة للدستور ورفض علني لأحكام القضاء التي خذلتهم، ولم يكن هدفهم الأكبر حل الحزب فهم يعلمون عدم قدرتهم قانونيا وسياسيا على ذلك، ولكن أرادوا تثبيط همم مؤيدي الحزب، وبلبلة الناس، وصرفهم عن تأييد الحزب، وبلغت هذه المحاولات ذروتها مع مشارف المرحلة الأولى من الانتخابات، مما صرف الكثيرين من المتعاطفين مع الحزب ومرشحيه عنه.
 
كما شهدت هذه الانتخابات حشدا طائفيا واضحا لصالح حزب معين يروج له البعض بصفته ممثلاً للنصارى.
 
* زعم أن أحد القوائم هي قائمة الرئيس:
 
ساد انطباع بين عموم الناس أن قائمة (في حب مصر) هي القائمة التي ترعاها الرئاسة والحكومة، وذلك في ظل من دخلوها من الرموز السياسية وفلول الحزب الوطني وممن استمالتهم هذه القائمة من مرشحي الأحزاب الأخرى ومن المستقلين ممن يظن فيهم القدرة على جذب أصوات الناخبين أو شرائها، دون إبداء الرئاسة أو الحكومة أي تعليق بخصوص ذلك، مما ثبط همم الكثيرين عن المشاركة في انتخابات تبدو محسومة.
 
إلى جانب انصراف الشباب الذي شعر بإهمال الدولة له ولثورته، وعزوف عموم الناس عن المشاركة لفشل الدولة في اتخاذ خطوات جادة نحو تحقيق العدالة الاجتماعية التي يتطلعون إليها، فجاءت نسبة المشاركة في التصويت ضعيفة.
 
* الحشد الإعلامي السافر ضد حزب النور:
 
تعرض حزب النور لحملة إعلامية شرسة عنيفة لا أخلاقية ممنهجة من الكثير من الوسائل الإعلامية الخاصة المرئية والمقروءة، والتي وجهت الجماهير توجيها مباشرا لمعاداة حزب النور وقدمت دعما صريحا لمنافسيه، ببرامج دعائية مدفوعة وغير مدفوعة الأجر، والتي يمتلكها رجال أعمال يرعون مرشحين لهم من الأحزاب ومستقلين.
 
وتعالت نبرة الطعن في قيادات الحزب ومرشحيه، ونشر الأكاذيب والافتراءات حول رموزه، وتشويه فتاوى دعاة الدعوة السلفية، وتعمد الخلط بين الدعوة السلفية وباقي التيارات التي تنتهج العنف ضد المجتمع وتكفيره تارة، وبينهم وبين جماعة الإخوان المسلمين تارة أخرى، لتنفير الناس عن الدعوة والحزب، بل ووصف الحزب أن فكره داعشي.
 
ولم تقم الدولة بالتصدي لهذه التجاوزات، التي تخل بمبدأ تكافؤ الفرص، في ظل عدم قدرة حزب النور على الرد على هذه الافتراءات لفقده القدرة الإعلامية، ولم تلتفت الدولة إلى تأثيرها الواضح على نتائج العملية الانتخابية، بل شاركت وسائل إعلام الدولة الرسمية في التعرض لحزب النور أحيانا.
 
وقد أقرت لجنة متابعة ورصد الأداء الإعلامي للانتخابات بوجود هذه الحملة الإعلامية الواسعة المعادية لحزب النور، وأثبت البعض رصده لها موثقا، دون أي إجراءات تتخذ ضدها.
 
* نظرة عامة على نتائج المرحلة الأولى:
 
- أشارت النتائج إلى ضعف الأداء الحزبي في مصر عامة، وقد ساهمت الدولة قديما وحاليا في إضعاف تواجده.
 
وأكدت عزوف الجماهير خاصة الشباب عن العملية الانتخابية، وعدم ثقتهم في قدرة الدولة والحكومة على تحقيق طموحات الشعب خاصة نحو العدالة الاجتماعية والقضاء على الفساد، رغم تأييد معظم الشعب لرئيس الدولة وتعاطفهم معه.
 
- زادت النتائج من مخاوف ضعف المعارضة في البرلمان القادم، وتزعم المستقلين لمعارضة ليس لها خريطة واضحة للعمل السياسي، بل ربما تسير في ركاب الحكومة من جهة، ويكون همها تحقيق مصالحها الخاصة من جهة أخرى.
 
- مخاوف اقتصار العمل البرلماني على تقديم الخدمات لأبناء الدوائر الانتخابية -وهو من مهام المجالس المحلية- فلا كتل برلمانية ولا رؤى متوازية بين المرشحين لتحقيق أهداف تشريعية أو رقابية في ظل زيادة أعداد المرشحين المستقلين الذين لا انتماء معروف لهم، لا تعرف لهم رؤية واضحة للعمل السياسي، فيصير البرلمان برلمانا مفككا.
 
* إيجابيات في العملية الانتخابية:
 
- منها التأمين بكفاءة للمقار الانتخابية، وعدم وقوع حوادث عنف خاصة في الصعيد الذي يموج بالصراعات القبلية والعصبية والطائفية. لذا قيل نجحت الدولة أمنيا ولم تنجح سياسيا.
 
- ومنها تمثيل حلايب وشلاتين بمقعد منفصل لأول مرة دون الاكتفاء بدمجها بمحافظة البحر الأحمر كما كان يحدث من قبل، لذا شهدت حلايب وشلاتين أعلى نسبة تصويت على مستوى الجمهورية، تجاوبا مع هذا التطور الجديد.
 
* من طرائف الأحزاب في هذه الانتخابات:
 
فلأول مرة نجد قوائم الأحزاب وقوائم ائتلافاتها تقوم بشراء وضم من ترى لهم شعبية جماهيرية داخل دوائرهم بعد دراسات رجحت ذلك، ومهمة الأحزاب إعداد كوادرها من داخلها ووفق برامجها، فلا تستأجر مقاعد برلمانية من أصحابها إيجارا مؤقتا تدفع فيها الأموال الطائلة.
 
وقد ساد الغموض حول قوائم ائتلافية لا يعرف على وجه اليقين كل من يدعمها ويمولها، ومن يحركها عن بعد، وهو أمر خطير في ظل الانقسام الشديد داخل المجتمع المصري الحالي، ومحاولة تخمين نوعية الأشخاص الذين لهم القدرة على هذا الانفاق ببذخ وغايتهم من ورائه.
 
* ايجابيات لحزب النور في هذه الانتخابات:
 
- نجاح الحزب في دخول البرلمان الجديد وإن كان بعدد محدود حتى الآن، قابل للزيادة في المرحلة الثانية إن شاء الله، رغم المحاولات المستميتة لإبعاده عن دخول البرلمان. وهي نتيجة مرضية طالما أنه لا يسعي للاستحواذ أو المغالبة في هذه المرحلة للحالة التي تعيشها الأمة.
 
- حصول قائمته المنفردة في غرب الدلتا على ثلث الأصوات، في مواجهة قوائم مؤلفة من عدد كبير من الأحزاب، ورغم إهدار هذه النسبة بقانون الانتخاب فهي تجعل الحزب في مقدمة الأحزاب المصرية من الناحية السياسية والجماهيرية، حيث لا يستطيع أي حزب أخر أن يحصل على هذه النسبة منفردا.
 
- انفراد الحزب بالمنافسة الشريفة في مقابلة المنافسة الغير شريفة من منافسيه، ولم يصدر من شباب الحزب وأنصاره أي عنف أو تجاوز بارز يحسب عليه ولله الحمد.
 
- رفض فكرة الانسحاب من المسيرة الانتخابية رغم كل ما حدث إذ يسىء ذلك إلى الدولة ككل، بالإساءة إلى العملية الانتخابية وتعريضها للانهيار، وفتح الباب للطعن في البرلمان الجديد في مرحلة لا تحتمل ذلك، فوجب تقديم المصلحة العامة على مصلحة الحزب الخاصة.
 
* وسيذكر التاريخ لحزب النور:
 
- أنه عبّدَ الطريق أمام التيار السلفي للمشاركة السياسية.
 
- أنه منح جيلاً من أبناء الدعوة خبرة عملية سياسية حقيقية كان من الصعب الوصول إليها في هذا الوقت القصير.
 
- أنه منح التيار الإسلامي في مصر تعددية سياسية كان يفتقدها لعشرات السنين في ظل احتكار الإخوان المسلمين للمشاركة السياسية طوال عشرات السنين.
 
- أنه أثرى بتجربته السياسية الحياة السياسية في مصر، إذ أوجد بديلاً له منهجه السياسي الإسلامي الفريد.
 
- أنه تزعم عن جدارة الدفاع عن هوية مصر الإسلامية.