التحالف الإسلامي السني خطوة إلى أمل منشود

  • 147

جاء إعلان الرياض بقيام تحالف بين 35 دولة إسلامية سنية -على رأسها السعودية ومصر وباكستان وتركيا- لمحاربة الإرهاب خطوة طال انتظارها في سبيل أن تتولى الأمة الإسلامية شئونها وأن لا يكون التدخل الأجنبي هو الحل لمشاكلها، كما هو إلى الآن الطريقة الوحيدة التي حُلت بها مشاكل حَلّت بسببها مصائب بالأمة كلها، ابتداءً بما سمي حرب تحرير الكويت الذي  كان أول استفتاح لدخول الجيوش الأجنبية ـوإن كانت في صورة تحالف- إلى أراضينا العربية الإسلامية، ومرورًا باحتلال العراق، وانتهاءً بالحالة المأساوية في سوريا؛ والتي صارت أرضها عرضًا مستباحًا لجميع الدول عدا الدول العربية أو الإسلامية السنية، ولم يأت التدخل الأجنبي أبدًا بخير على الأمة، بل زاد فرقتها وضاعف مشاكلها، ويوشك أن ينتهي بتقسيم دولها، كما وقع في الماضي بعد الحرب العالمية الأولى وما كان من وعد بلفور بإنشاء دولة إسرائيل على أرض فلسطين، ومعاهدة "سايكس بيكو" بتقسيم الدول العربية والإسلامية تحت الاحتلال الإنجليزي والفرنسي،
 
ولما كان الإرهاب والجماعات المنحرفة هي الغطاء المبرر لكل صور التدخل في واقعنا المعاصر؛ كان التحالف الإسلامي السني ضد هذا الإرهاب -وإن كان لابد أن يشمل كل صور الإرهاب وليس فقط تنظيم داعش- الذي حرصت كل الدول الغربية على تعظيمه والسماح بتمدده لتبرر تدخلها وفرض نفوذها، وليكون محرقة للشباب المسلم المخدوع بشعاراته الإسلامية، وليظل صورة مشوهة للإسلام أمام شعوب العالم؛ فلا تحفظ صورة الدولة الإسلامية لدى الشعوب المسلمة وغير المسلمة إلا بصورة الملثم الذي يمسك بالسكين ويذبح ضحيته بل ضحاياه أو يحرق ضحاياه بالنار وأحسنهم الذي يقتلهم بالرصاص، بل يجب أن يشمل التحالف محاربة كل إرهاب يقتل الأبرياء ويرعبهم بغير حق، ويغتصب أعراضهم وأموالهم ويدمر بلادهم؛ فلابد أن يدخل في ذلك ميليشيات الرافضة التي سامت أهل السنة سوء العذاب -مثل  حزب الله الذي صنفته دول أوروبية وغربية عديده كمنظمة إرهابية لما حاربت إسرائيل فيما يبدو للناس- وتبنت عمليات تفجير في كثير من البلاد، فلا يمكن أن يزول عنها هذا الوصف إذا كانت  فعلت أضعاف ذلك بالمسلمين من أهل السنة، وها هي ميلشيات حزب الله مع الميلشيات العراقية الشيعية تفعل نفس أفعال داعش وزيادة في أهل السنة في العراق وسوريا، ولكن دون تغطية إعلامية، بل بسكوت وتضامن غربي كان موجودًا على أرض العراق ومسيطرا على الأجواء السورية.
 
وأمام هذا التحالف الجديد مهام صعبة في سوريا وليبيا واليمن؛ التي تشهد اضطرابات خطيرة تهدد مستقبلها كدول موحدة مستقلة، وإذا كان هذا التحالف لغرض الأمن والعدل والاستقرار في هذه الدول بدلاً من التدخل الأجنبي فهو الأمل المنشود والرجاء المضيء في ظلمات البؤس الذي يعيشه عالمنا.
 
وجاء دخول مصر إلى جانب السعودية في هذا الحلف أيضا أملاً منشوداً في وحدة القرار والهدف، كما هي وحدة المصير، فإن هاتين الدولتين مقصودتان بالتدمير والتقسيم؛ ليزداد العالم الإسلامي والعربي تفتتاً وتدميراً وتخريباً، وإن وحدة العمل والتصرف والمصلحة بين هاتين الدولتين من بين سائر الدول هي أعظم مهمة تمنع السقوط في هاوية الخطر.
 
ثم كان دخول مصر وتركيا وقطر ضمن هذا الحلف علامة على بُعد نظر في الحاضر والماضي، فمهما كان من خلاف بين الحكومات فإن الشعوب سوف تظل تربطها روابط الدين الواحد والمصالح المشتركة والمصير المشترك، ولابد أن نطبق في السياسة الحديث النبوي العظيم "أحبب حبيبك هونًا ما عسى أن يكون بغيضك يومًا ما، وأبغض بغيضك هونًا ما عسى أن يكون حبيبك يومًا ما" حديث حسن.
 
وهذه رسالة مهمة من قيادات هذه الدول إلى من يريدون أن يتحول الخلاف -المؤقت إن شاء الله- إلى عداوة دائمة ويؤججون نار الخلاف كأنها حرب، والحقيقة أن ضغط المصالح المشتركة يطفئها ولابد.
 
نرجو الله أن يوفق الجميع في هذا التحالف الذي يراه البعض رمزياً أكثر منه حقيقياً مؤثرًا يفرض واقعا جديداً لمصلحة الأمة ويجبر أهل الانحراف على التوقف عن مسارهم في تشويه صورة الإسلام وزعزعة استقرار المجتمعات.
 
ولو لم يكن إلا رمزيًا فرمز الوحدة خير من شق الفرقة، ودائما كانت التحالفات تقوم على أفراد فاعلة حقيقة وأفراد مشاركة بالرمزية، ويكفي أن تكون مصر والسعودية وتركيا قاصدة قصداً حقيقيًا من هذا التحالف في محاربة الارهاب.