من مواطن الخلل .. عدم إدارك الواقع

  • 136

موطن الخلل كان عنوان المقالة السابقة، والتي عددنا فيها مجموعة عناصر قد يكون أحدها أساس الفشل، هذه العناصر هي: 1- ميزان القيم 2- تقدير القدرات 3- إدراك الواقع، وهي عوامل أساسية لتحديد 4- الهدف المراد، وتحديد  5- استراتيجيات وتفصيلات العمل المحقق للهدف.
 
ذكرنا موطن خلل في العنصر الأول حتى عند بعض أصحاب العقيدة الصحيحة عقيدة أهل السنة والجماعة.
 
العنصر الثاني: تقدير القدرات، يمكن النظر اليه من منظورين؛ ماذا تملك لتفعل؟ أو لأي مدى يمكنك أن تتحمل؟
 
وإذا كان الأمر متعلقا بصراع مع  طرف آخر؛ يصير تقدير القدرة أمر نسبي؛ ما تملك بالنسبة لما يملك هو؟، وما مقدار طاقتك على التحمل مقابل ما يطيقه هو؟
 
وهذه بديهيات احترمها الشرع على الوجهين "ما تقدر على الفعل أو التحمل" سواء كان مصدر ذلك ماديا أو معنويا، ففي القرآن الكريم: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ  إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ  وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ (65) الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا  فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ  وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ}، وفى سورة النساء: {وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا}.
 
ويحكي حذيفة بن اليمان عن الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: "لا ينبغي لمسلم أن يذل نفسه. قيل وكيف يذل نفسه؟ قال يتعرض من البلاء ما لا يطيقه".
 
إذاً التقصير في ذلك في مجال السياسة الشرعية تقصير عن أصل من أصول الشريعة.
 
أخي القارئ: لو تأملت هذا الأصل لظهر لك جليا أحد أسباب الكوارث التي جرّتها قيادات تنسب لأهل السنة والجماعة، ليس فقط على نفسها وكوادرها والمنتمين لها والمتعاطفين معها، بل يمتد أثر ذلك على الكيانات الإسلامية الأخرى، والأمثلة على ذلك كثيرة ومتوالية، تجدها هنا وهناك، ومن المشرق الإسلامي إلى غربه، وهي للأسف متوقعة التكرار، بعكس ما كان يحدث في صدر الإسلام، وهذا ما يمكن أن نتعلمه من خالد بن الوليد في مؤتة، ومن المثنى بن حارثة في موقعة الجسر، وهنا يبرز درس أعظم قدراً وأدق إدراكاً وأعظم نفعاً؛ أن نتعلم فقه الهزيمة،  وحسن التعامل معها.
 
نعم، إن دراسة فقه الهزيمة،  وحسن التعامل معها، بدلاً من محاولة حمقاء لتحويلها إلى نصر؛ فمحاولة لا يدعمها ميزان القوى هي في الحقيقة وصفة مُجرَّبة للانتحار.
 
نعم، قرار الاعتراف بالهزيمة  مرٌ بطعم العلقم، لكن طعم العلقم أحلى مائة مرة من طعم السم تتجرعه انت ومن وثق بقيادتك.
 
خير الكلام: {وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ} آل عمران (146).