احـذروا الهـدم

  • 154

تعاني بلادنا من أزمات ومشاكل متعددة، تعرضها لخطر حقيقي لا بد أن نجتمع جميعًا على إبعاده ودرئه.
تتعالى أصوات غريبة تدعو إلى الهدم، والإسراع نحو الانهيار، وحصول اليأس والإحباط، وهذا كله مما يزيد الخطر الذي نحذر منه، ونحن لا نيأس من روح الله مهما بلغت المعاناة، قال الله عز وجل عن إبراهيم {وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ}.
 
ولكن علينا أن نحذر الهدم، ومن يحاول الهدم لمجتمعنا وبلادنا هم طوائف عدة؛ فمنهم من يرسخ للفساد والظلم والاعتداء على حقوق الناس في دمائهم وأعراضهم وأموالهم، حتى ولو كان تحت شعار الحفاظ على الوطن وهيبة الدولة، فإنه من أسرع الناس هدمًا من استغل منصبه الذي جُعل فيه ليخدم الأمة وقت حوائج الناس، فجعله سببًا للمال الحرام؛ من رشوة أو غصب أو اعتداء على الناس في دمائهم، حتى صار القتل أمرًا عاديًا، أو أعان بالكذب والزور على ظلم ضعيف لا يجد من ينصره، فهو من أسرع الناس هدمًا للوطن والمجتمع، منهم من يصم أذنه عن سماع النصح، ويرى الفساد والمنكر ولا يتحرك لتغييره، وهو مسئول عما جعله الله تحت يده، "فكلكم راع وكلم مسئول عن رعيته" من أكبر مسئول إلى أصغر عامل، الأب والأم والمعلم والطبيب والمحاسب كل صاحب مهنة ومسئولية إلى أصغر مكلف في هذا الوطن الذي يئن بسبب غياب الإصلاح، فلن يتحقق الذي نريد بالأماني ولا بالشعارات، بل لا بد من صدق في النوايا، وإخلاص لله عز وجل وعمل صالح دءوب في الدعوة للخير والنصح للامة، وإن أغلق أذنه عن سماع الناصحين، أو عاداه من أجل نصحهم أو أغمض عينيه عما يستطيع تغييره في المنكر، فهو شريك في الهدم.
 
ومنهم من يهدم أخلاق الأمة وشبابها، ويبيح أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا باسم حرية الفكر، والإبداع، والرأي والتعبير!، ويرفضون وجود سقف لذلك!، وما شرعه الله من الحلال والحرام، فهؤلاء من أعظم الناس هدمًا.
 
ومنهم الذين يريدون هدم كل شيء من مؤسسات الدولة لورود خلل فيها، مع أصحاب الفكر المنحرف من أصحاب الأهواء والشهوات، فكم من دعوات ظهرت خلال الأيام السابقة لهدم الحكومة والبرلمان والرئاسة، وكأن البلاد تحتمل إنشاءها من جديد بعد هدمها، ولا نشك في وجود خلل كبير ولكن لا يمكن أن يكون خيارنا هدم الدولة والوطن، وإن كنا قد تعرضنا لظلم أو إقصاء أو تهميش، فلن يكون موقفنا أبدا إن شاء الله تأييد من يهدم أو يدعو للهدم ويخرب البلاد والعباد.
 
منهجنا منهج إصلاحي يقدر المصالح والمفاسد، ويوازن القوى في الداخل والخارج، ويعرف الفرق بين المطلوب المرجو والممكن المتاح، ويحسب المآلات والنهايات قبل الإقدام على القرارات، لا نقبل التخريب ولا نرضى بالفساد، وننصح الأمة؛ سمع نصحنا من سمع وأبى وكرهه من كرهه.
 
إن من أخطر ما تواجهه البلاد الأزمة الاقتصادية الخانقة، والتي لا بد فيها من تعظيم أمر التكافل والتعاطف ورعاية الفقراء، ولا يصح أن يبحث الواحد منا عن مصلحة نفسه دون أمته، فليجري علينا ما يجري على الجميع، من غلاء أو نقص كما منع عمر نفسه من السمن والزيت حتى يجده المسلمون، أما من يستغل حاجة الناس ليزداد غنىً، ولو طحن الفقراء تحت قدميه؛ فهو أخطر من يهدم، وسيعود هدمه على نفسه ولو بعد حين.
 
فلنبذل في البناء، ولنتعاون عليه، ولننه عن الفساد والمنكر، وأسأل الله أن يفرج كرب أمتنا ويفتح علينا من بركاته.