بلادنا في مفترق طرق

  • 167

ما زال خطر الانقسام والفوضى جاثمًا

ما زال أمل الكثيرين في الهدم والتخريب قائمًا

ما زالت طوائف منا تتصرف حسب أجندتها الخاصة لا تعبأ بآلام الضعفاء

لا تزال كثير من المشاكل تأخذ طريق التعقيد مع أن طريق الحل سهل وواضح وميسور

لا تزال توافقات أو قل تحالفات الإخوة متباينة الأفكار والمناهج والأهداف، تجتمع في الخطوة التكتيكية التي هي الهدم، والكل يحلم بأنه سوف يبنيها على نظافة -كما يتوهم-، مع تناقضهم وبقاء كل واحد منهم، لكن كل منهم يتصور أنه سيتخلص من رفقاء اليوم كما فعل سابقه عبر التاريخ، كل منهم يريد أن يبنيها بعد الخراب على طريقته؛ منهم من يريدها ليبرالية غربية، ومنهم من يريدها إسلامية ثورية؛ في وجه الطواغيت والمجتمع الجاهلي -كما يظن-، ومنهم من يريدها اشتراكية ثورية، والكل يحلم حلمه الخاص ليعيش به في غيبوبة تعمي عليه حقائق التاريخ التي هي سنن الله الكونية بعد سننه الشرعية.
 
 إن نفق الدماء المظلم مسدود، وإن الخروج منه لا يكون بأحلام كل واحد، وإن ما يهدم لا يبنى كما كان، حتى ولو كان البناء الأصلي معيبا ضيقا سيئا لكنه ربما صار في المستقبل حلما لا ينال.
 
ونحن لم نكن يوما دعاة هدم رغم الفساد والظلم الذي تعرضنا له، لكن لا يمكن أن نعالجه بظلم أشد، ينال الملايين، لا نجد أمامنا شيئا نقدمه لهم، كما نعجز اليوم عن ملايين العراق وسوريا الذين لم يجد أطفالهم حلا إلا أن يقبلوا قدم البابا لينقذهم -وما هو بفاعل-، لكن مع ذلك لا بد لنا أن ننصح ونذكر بضرورة تجنب أسباب الخراب المتكررة عبر الأنظمة المتتابعة، يلدغ الناس من نفس الجحر مرات، ولا يتعظون بمن سبقهم.
 
نقول نحن نرفض الفوضى والتدمير، ونحذر من سفك الدماء وانتهاك الحرمات، وفي نفس الوقت نقول لمن تحملوا المسئولية: لا بد من علاج حقيقي لنقاط هي أسباب السقوط في كل مرة، ولا يكفي الاعتراف بوجود الخلل، بل لا بد من معالجة قبل فوات الأوان:
 
الأمر الأول:

الظلم والاعتداء على الأبرياء، والمتهم بريء حتى تثبت إدانته، والعدل البطيء ظلم سريع، وانتهاك حقوق البشر محرم في الشرع وفي الدستور وفي القانون وفي المواثيق الدولية، فإلى متى ندفن رؤوسنا في الرمال، ونقول: لا نستطيع العلاج؟ نعم هي مسئوليات مشتركة بين القضاء والسلطة التنفيذية والسلطة التشريعية لكن لا بد من حل، ربما دعوة مظلوم لم يرتكب جرما ولم يفكر في هدم وطنه ولا محاربة مجتمعه؛ ربما كانت سببا في الخراب.
 
 الأمر الثاني:

التفاوت الاجتماعي الهائل: بين الفقر المُنسي الذي يعاني منه الملايين وعشرات الملايين، والغنى المطغي الذي يعضده الفساد الضاغط المسيطر العميق لا يمكن أن يستقر مع هذا التفاوت المجتمعي، ولا أن ينعم بالأمن، ولا يجوز أن يدفع الفقراء فاتورة المرحلة الانتقالية التي نخشى أن تكون انتقالا للأسوء الذي لا يُبقي غنيا ولا فقيرا، انهيار البناء المتصدع سيكون على الجميع وأبنائنا في المقدمة.
 
 الأمر الثالث:

لا بد من إنهاء الاستقطاب الحاد والصراع القاتل داخل المجتمع، لا بد من هدوء النبرة، لا بد من صدق الكلمة، لا بد من تأخير المصالح الشخصية والطائفية لصالح المصلحة العامة، والكل لا بد أن يتنازل ليتقارب لنتعايش، كلنا عندنا ما نقدمه للتنازل، لنتقارب مع المخالفين، ولنتعايش مع اختلافنا لا بد أن يختفي الكبر والإصرار على المواقف التي ثبت خطؤها.
 
الأمر الرابع:

اقتران رأس المال بالسياسة والتشريع؛ لا بد وأن يجعل صاحبه أن يبحث عن نفسه وطائفته بأنانية ونرجسية، تفتح للفساد أبوابا لا تغلق لا بد أن يعلم كل واحد أنه لا يمكنه أن يقوم بكل شيء، لا بد أن لا تستحوذ طائفة على كل شيء، لا بد أن يتسع المكان للجميع والعمل للجميع.
 
في النهاية نقول: الصدق والإخلاص واليقين بالأخرة وكمال التوكل على الله يخرجنا الله به من الظلمات إلى النور.
 
اللهم ألف بين قلوبنا، وأصلح ذات بيننا، وانصرنا على عدوك وعدونا، واحفظ بلادنا آمنة مطمئنة، رخاء وسائر بلاد المسلمين.