حلب.. الشام.. بحر الآلام!

  • 164

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فما يحدث في "حلب" وفي سوريا كلها يدمى له قلب كل حي، ويؤلم كل مسلم، ومَن يشهد هذه الجرائم التي يرتكبها "بشار الأسد ونظامه"، والتي فاقت جرائم أبيه في حماة وحلب وغيرهما في زمنه، بل وفاقت ما فعل القرامطة بالمسلمين في بيت الله الحرام منذ نحو الألف سنة! وفاق ما فعله اليهود بفلسطين!
 
هل نتصور كم عدد الأسرى؟ وما يُفعل بهم في سجون نظام العلوي الكافر؟!
 
رغم هذه البحور مِن الآلام؛ إلا أننا لا بد لنا مِن دروس ننتفع بها مِن هذه الأحداث:
 
أولاً: أننا نرجو رحمة الله لأهل سوريا لما يحدث لهم، ولا نيأس أبدًا مِن ذلك، فقد قال الله -تعالى- عن بني إسرائيل: (فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا . عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا) (الإسراء:7-8). 
 
أحيانًا يكون تسليط الأعداء -ولو كانوا مِن الكفار- كفارةً للذنوب، ومحوًا للسيئات، ومغفرةً للتقصير في الفرائض والواجبات، ورحمةً بعموم المسلمين.
 
ثانيًا: إن نهاية الطغاة قد اقتربت مهما بلغ بطشهم، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ حَتَّى إِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ) ثُمَّ قَرَأَ: (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ القُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) (هود:102) (متفق عليه).  
 
ثالثًا: إن شر الكافر المرتد أشد مِن الكافر الأصلي كالطائفة النصيرية العلوية التي لا يعرف الكثيرون -عندنا- حقيقتها، ولربما رأينا أو سمعنا مَن يقبل ما يفعله "بشار"، أو يدافع عنه، أو يقول إنه لحماية سوريا مِن التقسيم، أو يقول إن هذه دعاية مغرضة يفعلها بعض المخالفين، مع أن تواتر الأحداث بالصوت والصورة، وبالشهود العدول الذين يشهدون هذه الجرائم يؤكدون صحة ذلك.
 
والحقيقة أن ما يجري هو تحتيم لتقسيم سوريا وتدميرها إن لم يتوقف!
 
ما هو الوطن إن لم يكن هو الشعب الذي يعيش فيه؟!
 
فمن يضحي بشعبه، بدمائه، وحرماته، وأعراضه، ودياره هو أعظم مُجرم في حق وطنه، هو الذي باع وطنه وحقق مراد الأعداء، فلينتهي أقوام عن الرضا، أو التبرير، أو المعاونة، أو المدافعة، ولو قلبيًّا بتمني نصرة هذا الطاغية بهذه الجرائم، وإلا فهو مثلهم شركاء في جرائمهم عند الله يوم القيامة، يوم تجتمع الخصوم.
 
وإن الحفاظ على البلاد يقتضي إزاحة هذا النظام وأعوانه حتى يمكن إعادة تعمير سوريا، بل إعادة وجودها.
 
رابعًا: إن مطالبة البعض للعلماء والدعاة بأن يصنعوا شيئًا -وهم لا يعجبهم الدعاء وجهود الإغاثة، ويعتبرون ذلك عجزًا وضعفًا- هي مجرد تنفيس عاطفي أو تعليق الأمر على شماعة الآخرين وتقصيرهم، فالعلماء والدعاة لا يملكون شيئًا غير ذلك.
 
والضعف الذي فيه الأمة هو ثمرة مرة لقرون من التقصير، والفساد العقدي، والعملي، والسلوكي، فتغيير هذا هو سبيل التغيير فـ(إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) (الرعد:11).
 
خامسًا: يجب تجنيب بلاد المسلمين -ومصر خاصة- مثل هذا المسار والمصير؛ فهو مسار لا يمكن أن يرتضيه عاقل فضلاً عن مؤمن، ومَن يتمنى خراب بلادنا وتدميرها بزعم أن الوضع عندنا مماثل لـ"نظام بشار"؛ ظالم بتمنيه، معتدٍ بقصده وحرصه، ومساواته ما ليس بمتساوٍ؛ فليحذر على نفسه عقوبة مَن فَعَل، فإن مَن عزم ومنعه العجز شريك في الإثم، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- عمن قال: لو أن الله أعطاني مثلما أعطى فلانًا الذي أنفق ماله في معصية الله وفي محاربة أمره لفعلتُ فيه مثلما فعل فلان، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (فَهُمَا فِي الْوِزْرِ سَوَاءٌ) (رواه أحمد والترمذي، وصححه الألباني)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (إِذَا التَقَى المُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالقَاتِلُ وَالمَقْتُولُ فِي النَّارِ)، فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا القَاتِلُ فَمَا بَالُ المَقْتُولِ؟! قَالَ: (إِنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ) (متفق عليه).
 
وبالقطع ليس الوضع عندنا كوضع سوريا حتى نسعى إلى مثل هذا الدمار.
 
سادسًا: يلزم مراعاة موازين القوى وحساب المآلات والنتائج في كل صدام يُقدِم عليه المسلمون، ولنتوقف عن العواطف الجاهلة التي تظن أن سنن الله هي في عدم الأخذ بالأسباب، ولا بحساب الحسابات بالقوى الواقعة والنتائج المتوقعة، ومَن لم يراع ذلك مخالف لقول الله -تعالى-: (إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ . الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ) (الأنفال:65-66)، فقد علّق الله -سبحانه- التخفيف بالضعف، وأوجب ثبات الواحد أمام الاثنين، وبشَّر بنصر الواحد المؤمن على العشرة، أما إذا وجدنا موازين القوى لصالح الأعداء بنسبة مائة إلى واحد أو ألف إلى واحد فلا يُقدم على الصدام مهما بلغ كفر العدو إلا جاهل ضال.
 
وإن كنا لا نلوم إخواننا في سويا على إشعال الثورة وقتال الطاغية؛ لأن المقصود الأول لهؤلاء المجرمين هو إفساد دين الناس، ثم كانت الموازين يومها توهم بدعم عربي وعالمي، وإمكانية إسقاط النظم بالثورات السلمية أو حتى المسلحة، ووجود دول جوار تحتضن الثورة وتؤيدها وتمدها بأنواع الإمداد اللازمة مِن المال والسلاح، ثم تبين الآن أن الكل يبحث عن مصالح نفسه ويوزع الكلمات الطيبات على الآخرين، ويشجب ويُدين، مع أنه لو قدَّم نوعًا مِن السلاح كمضادات الطائرات للثوار لتغيرت الموازين.
 
فيا شباب الأمة... اعقلوا الأمر، واعرفوا خطر التوهم والغيبوبة عن الواقع، وعدم الأخذ بالأسباب؛ فإن الله لما أراد أن يجعل الكرَّة لبني إسرائيل على عدوهم أمدهم بأسباب النصر مِن القوة الاقتصادية = الأموال، والقوة العددية = البنين، والقوة العسكرية = النفير، قال الله -تعالى-: (ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا) (الإسراء:6).
 
فإياكم والعبارات الجاهلة نحو تلقي الطلقات بالصدور العارية وغيرها، فإنها مخالفة للشرع والعقل.
 
سابعًا: إن الدخول في مفاوضات لإيقاف إطلاق النار والالتزام بالهدنة في مصلحة المسلمين أمام ما نرى مِن العجز عن المقاومة مِن الثوار، وخذلان العالم لهم فهو يتفرج على المجازر دون أن يصنع شيئًا.
 
اللهم قاتل الكفرة الذين يصدون عن سبيلك، ويكذبون رسُلك، ولا يؤمنون بوعدك، اللهم نجِّ المستضعفين مِن المسلمين في الشام وفي حلب وفي كل مكان يا رب العالمين، اللهم استر عوراتهم وآمن روعاتهم، اللهم احفظ دماءهم وأعراضهم وأموالهم، واجعل لنا فرجًا مِن عندك يا أرحم الراحمين، اللهم عليك ببشار الطاغية وجنده وحزبه، اللهم أنزل بهم بأسك الذي لا يُرد عن القوم المجرمين.