كمال الصيام والعتق من النار

  • 208

أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، وقد ذكر الفقهاء أن الصوم هو الامتناع عن المفطرات من طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس مع النية، ولكن ينبغي التنبه إلى أن هذا التعريف للصيام لا يكفي وحده لنيل الأجر المرجو من الصيام إلا بإضافة درجتين أخريين معه، فللصيام درجات ثلاث من استكملها استكمل الصيام ونال أجره كاملا وإلا فلا.
 
- فالحد الأدنى من الصيام: الامتناع عن المفطرات من دخول  الفجر الصادق إلى غروب الشمس مع النية، فمن جاء به سقط عنه به فرض صيام ذلك اليوم، فلا يؤمر بقضائه بعد رمضان، ولكن هذا لا يكفيه لنيل أجر صيام اليوم حتى يضم إليه الدرجة الآتية، ألا وهي:
 
- الحد الأوسط من الصيام: وتكون بأداء الواجبات الشرعية اليومية المأمور بها، وترك المحرمات  المنهي عنها، فلا يقع الصائم في المعاصي الصغيرة أو الكبيرة؛ فإن  المخالفات الشرعية تنتقص من أجر الصيام، بل قد تضيع الكبائر أجر الصيام  بالكلية.
 
فمن صام رمضان وصانه من الذنوب غفر له ما تقدم من ذنوبه، ففي الحديث المرفوع  عند مسلم: (الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن إذا  اجتنب الكبائر)، وفي الحديث المرفوع عند البخاري: (من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه)، وفي الحديث المرفوع عند الحاكم وابن حبان وصححه الألباني في صحيح الجامع (5376): ( ليس الصيام من الأكل والشرب فقط ، إنما الصيام  من اللغو  والرفث، فإن سابّك أحد أو جهل عليك فقل: إني صائم). ولذا جاء في الحديث المرفوع: (رُبَّ صائم ليس له من صيامه إلا الجوع، ورُبَّ قائم ليس له من قيامه إلا السهر)، وفي لفظ: ( رُبَّ صائم حظه من صيامه الجوع والعطش، ورُبَّ قائم حظه من قيامه السهر) . قال الألباني: حسن صحيح.  
 
فاقتراف الصائم للصغائر ينتقص من ثواب صيامه، ما لم يسارع بالاستغفار والتوبة، وكلما ازدادت المعاصي زاد نقصان الأجر، وربما فقده كله بكثرتها والتمادي فيها، فإن عاجل نفسه بالإقلاع عنها والتوبة منها نفعه ذلك، وزكاة الفطر في آخر رمضان إنما شرعت لتكون مطهرة لذنوب العبد من الصغائر في رمضان، كما أنها  طعمة للمساكين. أما اقتراف الصائم للكبائر –كالغيبة والنميمة والغش وسباب المسلم والكذب والرشوة وترك الصلاة-  فيضيع معها أجر الصيام بالكلية، كما هو مستفاد  مما ذكرناه من الأحاديث. نعم حقق العبد فيها الحد الأدنى من الصيام، وصيامه  صحيح يجزئ عنه عند جماهير العلماء ولا يؤمر بالقضاء –ومن الفقهاء من أوجب القضاء باقتراف الصائم للمعصية وهو قول ضعيف-  لكنه محروم من أجر الصيام .
 
فمن جاء بهذا الحد الأوسط من الصيام نال أجره وهو مغفرة ما تقدم من ذنبه، كما ورد في الحديث.
 
وأعلى من ذلك  أجرًا من جاء بالحد الآتى، و هو:
 
- الحد الأعلى من الصيام: ويكون باجتهاد الصائم بعد أداء الواجبات وترك المحرمات في الازدياد من أنواع الطاعات المستحبة والمندوبة في ليله ونهاره، من صلاة النوافل المؤكدة والغير مؤكدة، وصلاة التراويح  والتهجد، وقراءة القرآن، والتصدق بالمال والطعام، ومساعدة الفقراء والمحتاجين، و الوقوف مع  اليتامى والأرامل، ومدارسة القرآن والسنة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر  بآدابه وضوابطه، والالتزام بآداب الصيام و أخلاقه، والقيام بحقوق الأهل والأولاد، وصلة الأرحام، إلى آخر ذلك من الأعمال المقرِّبة من الله تعالى، والتي ينال بها العبد رضا الله تعالى  ومحبته.
 
وهذا هو الحد من الصيام الذي يؤهل الصائم لأن يكون بفضل الله ورحمته ممن يعتق الله تعالى رقبته من النار في شهر رمضان؛ ففي الحديث المرفوع عند الترمذي: (إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن، وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها  باب، وينادي مناد: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة) . صححه الألباني، وعند الإمام أحمد مرفوعا: (إن لله عتقاء في كل يوم وليلة، لكل عبد منهم دعوة مستجابة) يعني في رمضان . ذكر في صحيح الترغيب برقم ( 2002 ) أنه صحيح لغيره .