بين نصر الروم وهزيمة أصحاب الفيل

  • 163

تلقت الإمبراطورية الرومية البيزنطية النصرانية هزيمة ساحقة في أقرب أرض الشام لبلاد العرب، أو لبلاد فارس، في معركة أنطاكية عام 613 ميلادية على يد الفُرس المجوس الوثنيين "الإمبراطورية الساسانية"، فحزن المسلمون لأن الروم أهل كتاب بينما الفُرس وثنيون، فجاءت البشارة القرآنية بما يخالف توقع الوضع السياسي السائد حينئذ، والذي كان يُشير لانكسار الروم، وقرب انهيار إمبراطوريتهم تماما.

عاد هِرقل ملك الروم وانتصر على كسرى ملك الفُرس خلال فترة تراوحت بين ثلاث إلى تسع سنين، من المعركة الأولى، أو من وقت نزول الآيات، وفرح المسلمون بهذا النصر.

فقد تحققت البشارة، وقيل: إن هذا النصر وافق يوم بدر أو يوم الحديبية.

قال تعالى: {الم . غُلِبَتِ الرُّومُ . فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ . فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّـهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ . بِنَصْرِ اللَّـهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ . وَعْدَ اللَّـهِ لَا يُخْلِفُ اللَّـهُ وَعْدَهُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ . يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ}.

وكما كانت بلاد فارس وثنية، كان الشرك سائدًا بمكة، فلماذا لم ينتصر أصحاب الفيل كما انتصرت الروم، وهم أهل كتاب أيضًا؟!

{أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ . أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ . وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ . تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ . فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ}.

روى مسلم رحمه الله تعالى في صحيحه أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قال، ذاتَ يومٍ في خطبتِه: "ألا إنَّ ربي أمرني أن أُعلِّمكم ما جهلتم مما علَّمني، يومي هذا. كل مالٍ نحلتُه عبدًا حلالٌ. وإني خلقتُ عبادي حنفاءَ كلهم. وإنهم أتتهم الشياطينُ فاجتالتهم عن دينهم. وحرَّمَتْ عليهم ما أحللتُ لهم. وأمرتهم أن يُشركوا بي ما لم أنزلَ بهِ سلطانًا. وإنَّ اللهَ نظر إلى أهلِ الأرضِ فمقتَهم، عربِهم وعجمهم، إلا بقايا من أهلِ الكتابِ. وقال: إنما بعثتك لأبتليكَ وأبتلي بك.

الحقيقة أن هناك تباينًا شديدًا في العديد من زوايا الواقعتين، حيث إن علة هزيمة أصحاب الفيل تكمن في أنها إرهاص لمولد النبي محمد صلى الله عليه وسلم، إذ وُلِد في هذا العام نفسه.

كما أن جيش أبرهة ظالم باغ، والظلم والبغي مرتعهما وخيم، وفي حديث أنس الذي حسنه الألباني لغيره قال: "دعوةُ المظلومِ وإن كان كافرًا؛ ليس دونها حجابٌ". وفي حديث أبي هريرة الذي حسنه الحافظ ابن حجر في الفتح قال: "دعوةُ المظلومِ مستجابةٌ، وإن كان فاجرًا ففُجورُهُ على نفسِهِ".

والأصل في نشأة البيت وإقامته أنه كان طاهرًا مُطهرًا، وإنما الوثنية طارئة عليه وإلى أمد قصير مداه ودنا منتهاه، فلو سُلِط عليه أصحاب الفيل مع علمهم بحرمته في كتابهم لكان اعتداء على حق الله في بيته، وحق العباد الذين حوله.

لكل ذلك وغيره مما يعلمه العليم الحكيم عزَّ وجلَّ نصر الروم على الفرس، وهزم أصحاب الفيل.

{وَمَا النَّصرُ إِلّا مِن عِندِ اللَّـهِ}.

{فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّـهِ تَبْدِيلًا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّـهِ تَحْوِيلًا}.

{فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ}.