السلطة الخامسة

  • 189

تمثل العلاقة بين الدولة والمجتمع إشكالية في الواقع المصري، فقد استعادت  "٢٥يناير" دور المجتمع المصاب بالتراخي لعقود بسبب عوامل الإبعاد والتهميش، ولكنه للأسف أتى على حساب إضعاف شديد -مُتَفَهَّم في ظل الحالة الثورية- لدور الدولة، بينما استعادت "30/6" دور الدولة وسلطتها، وتغولها على المجتمع.

حصل اختلاط -وخلط- بين استعادة دور الدولة -وهو مطلوب- واحتكار الدولة لجميع المجالات (السياسية/ الدينية / الاقتصادية / الاجتماعية) التي من المفترض أن تُنشئها الدولة لتوفرها قوى المجتمع المختلفة من خلالها، وفق منظومة قانونية ودستورية.

دور الدولة -في النظم الحديثة- ينحصر في وضع الأُطُر القانونية لتنظيم عمل المجتمع، ومراقبة الالتزام بها. وليس دور الدولة منافسة المجتمع أو احتكار مجالات نشاطاته، رغبة في إضعافه؛ وهو ما يعود بالضعف على الدولة، فإن المجتمع القوي يفرز دولة قوية، والتي بدورها تنشئ مجتمعا قويا.

البعض يسمي المجتمع "السلطة الخامسة" بعد السلطات الثلاث والإعلام، وهو صحيح؛ فإن للمجتمع دورًا رقابيًا على الدولة، وكلما قوي هذا الدور كلما حدّ من تغوّل السلطة، والتي تحتكر القوة -المشروعة- وهو ما قد يدفعها للتغوّل على حقوق المواطنين، باعتبارها الراعي الأبوي لمصالحهم.

البعض يظن أن "المجتمع المدني" ينحصر في بعض الجمعيات المشبوهة، التي تسعى لنشر القيم والثقافة الغربية المنافية لديننا وهويتنا الدينية والثقافية، وهذه لابد من وقفة بشأنها؛ فإنها في الحقيقة تعمل على هدم المجتمع وتفكيك أواصره، ولكن الأمر يتسع ليشمل عمل النقابات والأحزاب والجمعيات الدينية والخيرية والخدمية، وهذه كلها في الحقيقة تتعرض لعرقلة، ووضع عقباتٍ يجعل عملَها محاطًا بالمخاوف التي تجعل أصحابها يُفَضِّلون إغلاقها بدلا من أن يكون مصيرهم السجن في نهاية الأمر.