تركيا التي لا نعرفها (15)... (الانقلابات العسكرية في الجمهورية التركية)

  • 195

تمكنت القوات الحكومية التركية من إجهاض محاولة الانقلاب العسكري التي وقعت مساء الجمعة  15 – 6 – 2016م، وأعلن القائم بأعمال رئيس هيئة الأركان (أوميت دوندار) إحباط المحاولة، وتحرير الجنرال (خلوصي أكار) رئيس هيئة الأركان بعد احتجازه خلال محاولة الانقلاب، و تم سحق ما تبقى من قوات الانقلاب.

وأكد وزير الدفاع (فكري إيشيك) على أنه لا توجد منطقة خارج سيطرة الحكومة، لكن خطر الانقلاب لم يتلاشَ تماما، وحثّ أنصار الحكومة على الخروج إلى الشوارع مجددًا لمواصلة السيطرة على الموقف في الشارع، ومنع أي محاولة تمرد أخرى في أي وقت.

وقال رئيس الوزراء (بن على يلدريم) -متحدثًا من أمام مقره في قصر (جنكايا) في أنقره- إن الحكومة تسيطر بشكل كامل على الأوضاع، وحثّ الجموع على البقاء في الشوارع.

وقد أسفرت اشتباكات الليلة الدامية عن مقتل 265 شخصا، وإصابة 1440 من العسكريين غير الانقلابيين والمدنيين.

وبدأت الأجهزة الأمنية تعقب من قالت أنهم تورطوا في محاولة الانقلاب.

إجراءات "أردوغان" وحكومته بعد الانقلاب:

من هذه الإجراءات:

-           قام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بحملة اعتقالات وتطهير سريعة وواسعة في كل المرافق الحكومية وأجهزة التعليم والقضاء، شملت عشرات الآلاف بينهم جنرالات من الجيش وقُضاة -من بينهم بعض أعضاء المحكمة الدستورية- وضباط رجال شرطة وأساتذة جامعيين، ممن يرجح أنهم على علاقة أو من أنصار (فتح الله كولن)، الذي اتهمه "أردوغان" مباشرة بأنه وراء محاولة الانقلاب، وكان قد اتهمه من قبل بتكوين هيكلٍ موازٍ للدولة داخل الجيش والشرطة والقضاء والإعلام بهدف إسقاط الدولة. وتعهد "أردوغان" بتطهير البلاد من هذا الكيان الموازي، ولكن سيحتاج ذلك وقتًا لتعمق (حركة خدمة) في البلاد وصعوبة تتبعها.

في الوقت الذي نفى فيه "كولن" -المقيم في منفاه الاختياري في ولاية بنسلفانيا بأمريكا- هذه الاتهامات.

-           أعلن "أردوغان" فرض حالة الطوارئ في البلاد لمدة ثلاثة أشهر، ووافقه البرلمان، لمواجهة ما أسماه بالتهديدات التي تتعرض له البلاد، وللقضاء بشكل سريع وفعال على العناصر المتورطة في الانقلاب، حيث تبيح له المادة 120 من الدستور ذلك.

أعلنت الحكومة أن هناك أخطاء مخابراتية وفردية وقعت خلال محاولة الانقلاب، مؤكدة أن العمل جارٍ على إعادة هيكلة الجيش.

-           أمر "أردوغان" بإغلاق الآلاف من المدارس الخاصة والجمعيات والمؤسسات الخيرية و19 نقابة عمالية و15 جامعة و35 مؤسسة طبية تشتبه السلطات التركية في كونها على صلة بفتح الله كولن.

-           اعتقل الأمن أحد كبار رجال كولن (هايلز هانجي) باعتباره الذراع الأيمن لكولن والمسئول عن نقل الأموال  إليه، كما اعتقل الأمن ابن شقيق كولن (محمد سعيد كولن) لاستجوابه بتهمة الانتماء لتنظيم إرهابي.

-           أعلنت الحكومة تعليق العمل بالمعاهدة الأوروبية لحقوق الإنسان بصفة مؤقتة، مع التلويح باحتمالية إعادة تطبيق العمل بأحكام الإعدام في البلاد، مما أثار الاتحاد الأوروبي الذي يرفض ذلك وبشدة.

ردود الأفعال داخل تركيا:

من المؤكد أن انقلابًا عسكريًا في تركيا هو آخر شيء تحتاجه تركيا في وقت قيام محاولة الانقلاب، حيث تعاني تركيا من تفاقم الحرب السورية، وتردي الأحوال في العراق، وخطر "داعش" وتهديداتها، وتمرد الأكراد.

لذا لم يجد "أردوغان" صعوبة في جمع الأتراك حوله في مواجهة محاولة الانقلاب؛ خاصة وأن "أردوغان" كان قد نجح في تحقيق طفرة اقتصادية لتركيا، وأن تركيا عانت كثيرا من الانقلابات العسكرية السابقة وتسلط العسكريين على مقاليد الأمور في البلاد، وما أعقبه من تعطيل الأخذ بالديمقراطية، والتضييق على الحريات، والإضرار بالاقتصاد، وتحول المؤسسة العسكرية إلى دولة داخل الدولة أو فوق الدولة. ولهذا:

-           أعلنت سائر الأحزاب السياسية رفضها للانقلاب -وفي مقدمتها أحزاب المعارضة الثلاثة في البرلمان- وتأييدها لأردوغان والحكومة، دعما للديمقراطية والحرية والاستقرار، وتجاوب الشعب بطوائفه مع الحكومة في التنديد بالانقلاب والمشاركة في مواجهته.

-           دعا حزب الشعب الجمهوري -أكبر أحزاب المعارضة- الأتراك إلى التجمع -دعما للديمقراطية والشرعية- في ساحة تقسيم وسط إسطنبول -وهي الساحة التي طالما شهدت من قبل مظاهرات مناوئة للحكومة من المعارضة- بعد ثمانية أيام من محاولة الانقلاب، وانضم إلى الدعوة حزب العدالة والتنمية الحاكم.

-           التقى "أردوغان" برؤساء أحزاب المعارضة للتشاور في آخر التطورات، وشكرهم على مواقفهم الحازمة تجاه محاولة الانقلاب، ولم توجه الدعوة إلى زعيم حزب الشعوب الديمقراطي التركي الموالي للأكراد والمتهم بدعم منظمة حزب العمال الكردستاني، والذي تعتبرها الحكومة التركية منظمة إرهابية.

 اختلاف التكهنات حول حقيقة محاولة الانقلاب:

تعددت وتضاربت الأقوال تضاربًا شديدًا حول المدبر الحقيقي لمحاولة الانقلاب:

-           فلم يتأخر "أردوغان" عن  توجيه الاتهام إلى "حركة خدمة" الموالية لكولن.

-           ورأى البعض أن المجموعة التي قامت بمحاولة الانقلاب كانت تعلم بتتبع المخابرات التركية لها، وقرب اعتقال أفرادها، بتهمة أنها خلايا  لحركة "خدمة" داخل الجيش، فقامت بهذه الحركة الاستباقية، لكنها لم تعد لها جيدا. وهذا يعني أن المخابرات و"أردوغان" كانا على علمٍ بالأمر مسبقا.

-           رأى البعض أن المجموعة التي قادت محاولة الانقلاب مجموعة محدودة من ضباط -متوسطي الرُّتَب داخل الجيش- متمردة ساخطة على "أردوغان"؛ دفاعًا عن ما تبقى من علمانية دولة "أتاتورك"، وأن أكثر قادة الجيش لا يتعاطفون معهم، لذا بادروا بالتنصل منهم.

-           رأى البعض أن الانقلاب من صنع "أردوغان" نفسه، بغرض التخلص من كل معارضيه الظاهرين والمحتملين، وإحكام سيطرته على البلاد.

لماذا فشل الانقلاب؟

كان طبيعيا فشل الانقلاب، والذي بدا وكأنه وقع من هُوَاة:

-           فكان تحركهم مبكرًا، في التاسعة مساءً في يوم جمعة، أمام الجماهير، والأنسب أن يكون التحرك في وقت متأخر من الليل، ضمانًا لسرعة التحرك، وتجنبًا لأي احتكاك محتمل بالجماهير. وقيل أن سبب هذا التحرك المبكر أنهم علموا بانكشاف أمرهم فقدَّموا ساعة البدء بالتحرك.

-           إعلان بيانهم في الإذاعة قبل التمكن من القبض على كبار المسئولين خاصة "أردوغان"، فكشفوا أمرهم أمام مسئولين لهم حرية التصرف؛ مما أعطى الفرصة لأردوغان ورجاله في التحرك وإبطال محاولة الانقلاب.

-           عدم استمالة أكبر قدر من قادة الجيش الكبار لصفِّهم، وعدم انتشارهم بين فروع الجيش المختلفة، إذ كانوا مجموعة محدودة من الجيش الأول.

توالي توابع الزلزال التركي:

توالت الإجراءات من "أردوغان" والحكومة خلال الشهور التالية لمحاولة الانقلاب، منها:

-           مواصلة "أردوغان" تصفية مؤسسات الدولة من أتباع "كولن" في داخل تركيا وخارجها؛

فتم استبعاد صحفيين من أعمالهم، وإيقاف الكثير من الموظفين والإداريين في وزارة المواصلات والاتصالات، ووزارة المياه والغابات، ومؤسسة تقنية المعلومات، وشركة الخطوط الجوية التركية، وإقالة أكثر من ألف من موظفي مديرية الشئون الدينية.

-  اعتقال السلطات في دولة الإمارات -بعد تعاون مع المخابرات التركية-  لجنرالين تركيين يخدمان في أفغانستان للاشتباه في علاقتهما بالانقلاب، وتسليمهما للسلطات التركية.

- مطالبة تركيا للسلطات الأمريكية بتسليمها (فتح الله كولن) المقيم بأراضيها.

- إنشاء نصب تذكاري في إسطنبول وأنقرة تخليدًا لمن سقطوا خلال تَصَدّيهم للانقلاب، و تسمية جسر البوسفور في إسطنبول -الذي شهد جانبًا هامًا من أحداث الانقلاب- باسم جسر شهداء 15 يوليو.

- مواصلة عملية صياغة دستور جديد للبلاد -كانت قد توقفت قبل إتمامها- لظهور حالة توافق من جميع الأحزاب لإلغاء الدستور الذي تم وضعه عقب الانقلاب العسكري في عام 1981م.

بن علي يلدريم:

هو رئيس وزراء تركيا الحالي. تشكلت حكومته في 24 مايو 2016م.

انتخب رئيسا لحزب العدالة والتنمية في مؤتمره الاستثنائي الثاني في 22 مايو 2016م، وبحسب القانون الداخلي لحزب العدالة والتنمية فإن رئيس الحزب يصير تلقائيًا رئيسًا للوزراء.

"يلدريم" من عائلة كردية. ولد في عام 1955م في ولاية (أرزينجان) شمال شرق تركيا.

انتقل إلى إسطنبول في طفولته. أنهى المرحلة الإعدادية، ثم الثانوية، ثم أدى الخدمة العسكرية عامي 1980- 1981م.

درس العمارة البحرية وهندسة المحيطات في جامعة إسطنبول التقنية. حصل على الدكتوراة من المنظمة البحرية الدولية التابعة للأمم المتحدة  عام 1991م، وعمل مديرًا عامًا لشركة إسطنبول للعَبّارات السريعة من عام 1994م حتى عام 2000م، وشهدت هذه الفترة فترة  تولي "أردوغان" لبلدية إسطنبول.

"يلدريم" أحد مؤسسي حزب العدالة والتنمية عام 2001م. أصبح نائبا في البرلمان عن الحزب عن إسطنبول، ثم عن أرزينجان مسقط رأسه، ثم عن أزمير في دورتين.

تخصص في الهندسة والملاحة البحرية، وأشرف على العديد من مشاريع البنى التحتية والنقل البحري.

تولى وزارة المواصلات في جميع حكومات حزب التنمية والعدالة منذ عام 2002م باستثناء الفترة من 2013 إلى 2015م.

في 5 مايو 2016م أعلن رئيس الوزراء (داود أوغلو) استقالته من رئاسة حزب العدالة والتنمية بعد تكهنات بتدهور العلاقة بينه وبين أردوغان. وفي المؤتمر العام الاستثنائي للحزب الذي عقد في أنقرة حصل "يلدريم" على أغلبية الأصوات في انتخابات رئاسة الحزب، ليتولى بعدها رئاسة الوزارة.

محاولات سابقة لاغتيال "أردوغان":

لم تكن محاولة الانقلاب في يوليو 2016م أول محاولة للتخلص من أردوغان، فقد سبقتها محاولات لاغتياله منها:

-           في عام 2007م تمكنت الشرطة التركية من اكتشاف شاحنة تحمل 300 كيلو جرام من مادة (تي إن تي) شديدة الانفجار، كانت تقف على بعد كيلو متر واحد من مقر رئاسة الوزراء، وتستهدف نسف مقر رئاسة الوزراء أثناء عقد "أردوغان" لاجتماع بداخله، وذلك بعد ما تلقت الشرطة معلومات عن عملية إرهابية في أنقرة، فأعلنت حالة التأهب الأمني والتفتيش. وعليه تم نقل "أردوغان" من مكان الاجتماع إلى مكان آمن.

-           في يونيو 2010م  تمكنت قوات الأمن من إحباط محاولة اغتيال لأردوغان بتفخيخ دمْيَة (عروسة أطفال) دُسَّت بين دمى سيقوم "أردوغان" بتوزيعها على أطفال؛ لتفجيرها أثناء إمساكه بها.

-           ذكرت صحيفتا (طرف) و (أكشام) التركيتان أن أجهزة الأمن تمكنت من إحباط ثمان محاولات سابقة لاغتيال "أردوغان" خلال ثلاث سنوات، كانت إحداها تتضمن تفجير سيارة أثناء مرور موكب "أردوغان" إلى منزله في إسطنبول.

-           في 3 مايو 2011م تم حادث هجوم مسلّح على موكب "أردوغان" بمحافظة (قسطمونو)، وقتل في الهجوم أحد أفراد الحراسة وأصيب آخر.