تجديد الخطاب الأخلاقي

  • 145


ما أحوج الأمة إلى تجديد الخطاب الأخلاقي في الوقت الحاضر من خلال حملة قومية تدعمها الدولة ويقودها العلماء والشيوخ والدعاة وذلك بعدما انحدرت أخلاق الكثير من أبناء المجتمع حتى وصلت إلى أدنى مستوى لها وبشكل لم يسبق له مثيل.

والأخلاق في المجتمع المسلم تُستقى من مصدر واحد ألا وهو الدين الإسلامي الحنيف وذلك من خلال ما ورد في كتاب الله عز وجل وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم قولا وتطبيقا عمليا وهو الذي زكاه ربه تعالى بقوله: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}، وقد قال عن نفسه: «إنما بُعثتُ لأتمم مكارم الأخلاق»، وقال أيضا: «أدبني ربي فأحسن تأديبي». وقد ربى رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه على مكارم الأخلاق وتولوا هم تربية تابعيهم عليها ثم انتقلت تلك التربية الأخلاقية الحميدة من جيل إلى جيل كجزء لا يتجزأ من الإسلام الذي يتكون من أركان ثلاثة: العقيدة والعبادات والسلوك.

هذا الأخلاق الحميدة هي القاطرة التي تقطر باقي أركان الدين، فلا يتصور عقيدة صحيحة دون أخلاق حميدة كما لا يتصور عبادات تؤدَّى على الوجه الأكمل دون أن يتحلى صاحبها بمكارم الأخلاق.

ونحن لا نعرف زمانا منذ بعثته صلى الله عليه وسلم ساءت فيه أخلاق أبناء المجتمع المسلم مثل زماننا هذا؛ حيث انتشرت الألفاظ النابية وكثر التحرش بالنساء كما كثرت الإيحاءات الجنسية وسب الدين وانعدام الحياء بالكلية وتطاول البعض على البعض بأبشع الألفاظ بالإضافة إلى شرب المخدرات بكل أنواعها؛ حيث أصبحنا لا نعلم خُلقا حذر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا رأيناه في سلوكيات أبناء  مجتمعنا. فما الذي جرى؟ ولماذا ساءت أخلاق أبنائنا إلى هذا الحد؟

الحقيقة أنها مسئولية مشتركة تتحملها الدولة بأجهزتها المختلفة كما يتحملها البيت والمدرسة، ثم يتحمل الإعلام الفاسد بكل أشكاله المسموع والمقروء والمشاهد نصيبا كبيرا من هذا الانحدار الأخلاقي.

والراصد للأحداث بدقة سوء يصل إلى نتيجة هامة وواضحة، وهي أنه ما عرف المجتمع التحرش بالنساء في الشوارع وإهانة المدرسين والمدرسات  وهدم هيبتهم، وما يحدث من غش إجباري في الامتحانات، وكذلك شرب الدخان والمخدرات في المدارس وغير ذلك من سلوكيات مشينة لم يحدث ذلك إلا بعد عرض تلك المسرحية الهزلية المسماة «مدرسة المشاغبين» والتي صفق لها كثير من الناس إلا من رحم الله، ولم يكن يدري أحد أنها ستكون من أهم معاول هدم الأخلاق في مجتمعنا بل والمجتمعات العربية المجاورة، ثم تبعها وعلى نفس النهج الكثير من المسرحيات والأفلام والتمثيليات التي صارت بحق معاول هدم لأخلاق الشباب إلى يومنا هذا.

ولا ننسى البرامج التلفزيونية العديدة المعروضة على الهواء مباشرة والتي تنتشر فيها الألفاظ النابية والإيحاءات الجنسية وسوء الأدب.

ومما يؤسف له ما تم مؤخرا من انتخاب إحدى القنوات الفضائية المصرية الخاصة كأجرأ قناة تلفزيونية عربية وذلك في مؤتمر عُقد في إحدى الدول العربية، وطبعا لم يكن المقصود ذم القناة وإنما مدحها وإعطاءها جائزة على ذلك، مع أن المعلوم أن لفظ «أجرأ» في هذا المقام معناه أنها أكثر قناة فضائية إساءة للأدب حيث تتصف بعض برامجها بسوء خلق ليس له نظير ما عرفته قنوات التلفزيون في مجتمعنا من قبل. فما المطلوب بعد ذلك؟!

الدولة الإعلام والبيت والمدرسة الجميع مسئول عن هذا الانحطاط في أخلاق الشباب الذي لم يسبق له مثيل.

إننا في أمس الحاجة إلى تجديد الخطاب الأخلاق من خلال خطة قومية تمولها الدولة ويشارك فيها العلماء والدعاة تهدف إلى إعادة تشكيل أخلاق أبناء المجتمع على جميع المستويات والأصعدة، آخذين في الاعتبار أن أعظم مصدر لمكارم الأخلاق هو ديننا الحنيف ممثلا في كتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم وما تربى عليه صحابته الكرام، ويكفي أنه صلى الله عليه وسلم بشر أصحاب الأخلاق الحسنة بأنهم أقرب الناس مجلسا منه يوم القيامة فقال عليه الصلاة والسلام: «أقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا».

نسأل الله أن يرزقنا من فضله.