القرآنيون والنسخ

  • 160

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد,

مرَّ معنا أن القرآنيين ينكرون السُنّة جملةً وتفصيلًا، ويسعون لهدم نَقَلتها في نفوس المسلمين حتى يتم لهم الهدم -زعموا-..

ولم تكن علاقة من يزعمون أنهم "قرآنيون" مع كتاب الله تعالى بأفضل حالًا من علاقتهم مع سُنّة رسوله -صلى الله عليه وسلم-؛ إذ لا يوجد عندهم تفسير كامل لكتاب الله تعالى، فضلًا عن أن يكون لهم منهج أو طريقة شرعية منهجية لذلك، زاعمين أن وجود تفسير لكلام الله يعني اتهام رب العزة بإنزال كلام غامض يحتاج للتفسير، وأن الله قد تكفّل بتفسيره ولا حاجة لمفَسِّر من البشر حتى الرسول -صلى الله عليه وسلم-، زاعمين ذلك في قوله تعالى: "وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا".

ومما ينكرونه: "الناسخ والمنسوخ".. فما معنى النسخ؟ وما هي شبهاتهم؟

"النسخ" معناه في اللغة: الإزالة، أو ما يشبه النقل،  فالأول كقولهم: "نسَخَت الشمس الظل" أي أزالته، والثاني كقولهم: "نسخت الكتاب"؛ إذ ناسخ الكتاب لم يُزِلْه ولم ينقِلْه؛ وإنما نقش حروفه وكلماته؛ لأنه لو كان "نسخ الكتاب" يعني نقلَه كان إذا نسخته انمحت حروفه من الأول، وليس الأمر كذلك.

أما في الشرع: فإنه رفع حكم بدليل شرعي، أو لفظه، بدليل شرعي متراخٍ عنه؛ يقول تعالى: "مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" و(مِن) لبيان الجنس؛ لأن ما اسم شرط جازم مبهم، والمراد بـ "الآية" الآية الشرعية، وليست الكونية.

والنسخ ثلاثة أنواع:

-       نسخ التلاوة والحكم.

-       نسخ التلاوة دون الحكم.

-       نسخ الحكم دون التلاوة.

وذلك لحكم كثيرة منها: الإتيان بخيرٍ منها أو مثلِها.

ووجه الخيرية -كما يقول العلماء- أن النسخ إن كان  إلى أشَدّ فالخيرية بكثرة الثواب، وإن كان إلى أخَفّ فالخيرية بالتسهيل على العباد مع تمام الأجر، وإن كان بالمماثل فالخيرية باستسلام العبد لأحكام الله -عزّ وجلّ- وتمام انقياده لها.

وكذلك إثبات تمام قدرة الله -عزّ وجلّ-؛ لقوله تعالى: "أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ".

أما هؤلاء القرآنيون فقد أنكروا وقوع النسخ بأنواعه الثلاثة، وقالوا إن المعنى المألوف للنسخ هنا هو الكتابة والإثبات وليس الحذف والإلغاء.

وسنرد على هذه الشبهة وأمثالها في المقال اللاحق بإذن الله. والحمد لله رب العالمين.