القرآنيون والنسخ (3)

  • 197

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد..

من الشبهات التي يُثيرُها منكرو النسخ في القرآن: أن الأدلة في القرآن تدل على عدم النسخ، ويستدلون علي ما يريدون إثباته بآيات، الأولى قوله تعالى: "مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ"، والثانية قوله تعالى: "لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ"، وقوله: "لَّا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ"..

أما الآية الأولى، فقالوا: إن كلمة "آية" المقصود بها الآية الكونية وليست الآية الشرعية، بل إن كلمة "آية" جاءت في القرآن في أكثر من 380 موضع بلفظ المفرد والتثنية والجمع، وفي كل المواضع تآتي بمعني الآية الكونية وليست الشرعية..

وأما الآية الثانية والتي تليها، فقد قالوا: إنه بنص القرآن لا يوجد تبديل، يعني لا يوجد نسخ..

وللجواب عن هذه الشُّبَهِ نقول: إن كلمة "آية" وردت في القرآن بمعنى الآية الشرعية في أكثر من موضع، وكذلك في سُنّة النبي -صلى الله عليه وسلم-..

-       قال تعالى: "يَسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَىٰ عَلَيْهِ" أي: تُقرَأ عليه، وقوله: "قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُونَ"، وكذلك قوله تعالى: "وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ"، أي: بَدَّلْنا حكم آية مكان حكم آية، أو: بدلنا آية موضع آية أخرى بأن وضع لفظ آية مكان لفظ آية؛

ولذلك قال تعالى عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ"، فهذه الآية في حد ذاتها تثبت النسخ، ولكن الذي يفعل ذلك هو الله تعالى..

-       وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لأُبَيّ بن كعب: أَتَدْرِي أَيُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ مَعَكَ أَعْظَمُ؟.

أما الشبهة الآخرى، أنه لا تبديل لكلمات الله، فجوابها من وجهين:

-       الأول: أن الآيات التي فيها نفي التبديل لكلمات الله كقوله تعالى: "لاَ تَبْدِيـلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ"، وقوله تعالى: "لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ"، المقصود منها أنه لا أحد يبدِّل كلماتِ الله، أما الله تعالى فله أن يبدل آية مكان آية.

-       والوجه الثاني: أن المراد بكلماتِ الله التي لا تُبَدَّل: كلماته الكونية، كسننه في خَلْقِه، وما أخبر به من إثابة الطائعين ومعاقبة العاصين، فلا أحد يمكنه أن يبدل سُنّة الله وكلماته القدرية.

والحمد لله رب العالمين.