النَاصِحُ الأَمين

  • 221

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده..

حديث تعليم النبي -صلّى الله عليه وسلم- ونصيحته للمسيء في صلاته، وإن كان في باب الصلاة وأحكامها إلا أنه يتعلق أيضًا بالنصيحة, لأن النبي -صلّى الله عليه وسلم- نصح لهذا الرجل المسيء في صلاته, ونحن نرى كثيرًا من الناس يسيئون في دينِهم ولا نقدم لهم النصيحة، وهذا على مستوى الأفراد والجماعات والمؤسسات والدول..

ولو طبقنا هذا النهج لانصَلَح حال الجميع, وتقدمت الإنسانية روحيًا قبل ماديًا, لكنها المداهنة والمجاملة.. وإذا ما وُجِد من ينصح ويتكلم بأدلة شرعية يُوصف بالتشدد بل التطرف بل التعصب وغيره.

والنبي -صلّى الله عليه وسلم- لم يُعَلِّم الرجل وينصحه من أول مرة، بل ولا الثانية، وإنما بعد الثالثة؛ وهذا من الفقه، ليشوقه للتعَلّمِ والنصحِ.. ولذلك اعترف الرجل بأنه لا يعرف ولا يَعلم إلا هذه الصلاة, وقال: فَعَلِّمْنِي,  فقَدَّم له النصيحة وعَلَّمَه.

ونحن على يقين بأن الدين الحق هو الإسلام, لا غيره, "إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ", وهو أعظم نعمة على البشرية, وأنا اُشَبِّه نعمة الإسلام بالواحد الصحيح وباقي النعم كالأصفار عن يمينه, إذا أضيف صفر صار الرقم عشرة، أو صفرين صار مائه وهكذا، أصفار لها قيمه؛ لكن لو أُزيل الواحد الصحيح لم يكن للأصفار قيمة, فلا بد من المحافظة على هذا الواحد الصحيح بكل ممكن ومستطاع, حتى لو كلّف الانسان حياته..

ومن عظيم هذه النعم ما في الحديث الآتي: عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ -صلّى الله عليه وسلم- قَالَ: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ» قُلْنَا لِمَنْ؟ قَالَ: «لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ»..

وهذا من جوامع الكلم وبلاغته -صلّى الله عليه وسلم-؛ وكأن النصيحة الدين كلّه, فهي مهمة جدًا.

ولابُد في الناصح أن يكون أمينًا، كما قال هود -عليه السلام- لقومة: "وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ".

فالنصيحة لله تعالى: بتوحيده في الربوبية والألوهية والأسماء والصفات, وتعظيم أمره، والتذلل إليه وعبادته بكل أنواع العبادات، قلبية وبدنية وقولية ومالية, وترك ما نهى عنه وزجر, والتقرب إليه بكل ما شرع على لسان رسوله -صلّى الله عليه وسلم-..

والنصيحة لكتابه: حفظه، وقراءته، وتدبر معانيه، والتحاكم إليه؛ أن نأتمر بأوامره وننتهي بنواهيه، والاتعاظ بقصصه, والتأدب بآدابه, ورد متشابهه الى محكمه فيتسق الكتاب كله..

أما النصيحة لرسوله -صلّى الله عليه وسلم-:  تعظيمه، واتباعه، والعمل بسُنّته، والدعوة إليها، والصبر على نشرِها بين الخلق،  ومحاربة البدع، والصلاة عليه إذا ذُكِر أو كُتب اسمه -صلّى الله عليه وسلم-..

والنصيحة لأئمة المسلمين: بدعوتهم إلى تحكيم شرع الله في الخلق, والصبر عليهم, وأن يقودوا الدنيا بالدين, وتفعيل قضية الولاء والبراء مع الجميع مسلمٍ وكافرٍ, وأن يتخذوا البطانة الصالحة, والتعاون معهم على البر والتقوى..

والنصيحة لعامة المسلمين: بأن تَرضى لهم ما تَرضَاهُ لنفسِك، وتحب لهم ما تُحبه لنفسِك, وأن تصبر عليهم، وتعلمهم دين الله -عزّ وجلّ- وسُنّة نبيه -صلّى الله عليه وسلم-, وتوقّر الكبير، وترحم الصغير, وتكون في قضاء حوائجهم.

فهل أنتَ ناصحٌ أَمين؟

والحمد لله رب العالمين.