الملاحدة.. وقصة الخلق (5)

  • 166

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

 في المقال السابق كنا قد طرحنا زعم بعض الملاحدة لإشكالات في قصة خلق الإنسان؛ يذكرونها على أنها شبهات! وهي:

هل آدم خلق أولا أم حواء؟ وهل خلق آدم خلقا مباشرًا ؟ أم تدريجيا تطويريا من خلية أحادية مرت بمراحل عبر ملايين السنين إلى أن وصلت لصورة الإنسان الحالي؟!

إن الله سبحانه وتعالى قال: (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ) ولم يقل خلقكم من زوجين وانتهى؛ لأنه عندما يُردّ الشيئ إلى اثنين قد يكون لواحد من الاثنين هوى، وإنما هذه ردت إلى واحدة فقط، فيجب ألا تكون لكم أهواء متنازعة لأنكم مردودون إلى نفس واحدة، وهذه هي العظمة؛ أنه خلق الرجل وخلق الأنثى، وهي من جنسه، ولكنها تختلف معه في النوع بحيث إذا التقيا معًا أنشأ الله منهما رجالًا ونساءً.

إذن فهي عملية مقصودة، وعناية وغاية وحكمة، وانظروا عظمة الأسلوب في قوله  "وَبَثَّ" أي: نشر، والخلق يجب أن ينتشروا في الأرض، كي يأخذوا جميعا من خيرات الله في الأرض جميعا.

والنشر معناه تفريق المنشور في الحيز، فهناك شيئ مطوي وشيئ آخر منشور، والشيئ المطوي فيه تجمع، والشيئ المنشور فيه تفريق وتوزيع، إذن فحيز الشيئ المتجمع ضيق، وحيز الشيئ المبثوث واسع، ونريد أن نفهم هذه كي نأخذ منها الدليل الإحصائي على وجود الخالق؛ فهو (بَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً) والجمع  البشري الذي ظهر من الاثنين سيبث منه أكثر.. وبعد ذلك يبث من المبثوث الثاني مبثوثا ثالثا، وكلما امتددنا في البث تنشأ كثرة؛ فكلما تقدم الزمن تحدث زيادة في السكان، ونحن نرى ذلك في الأسرة الواحدة، فهي مُكوَّنة عادةً من أب وأم، وبعد ذلك يمكن أن نرى منهما أبناء وأحفاد، وعندما يطيل الله في عمر أحد الوالدين يرى الأحفاد وقد يرى أحفاد الأحفاد.

فكلما تقدم الزمن بالمتكاثر من اثنين يزداد وكلما رجعت إلى الماضي يقل؛ فعندما يقول الحق: إنه خلق آدم وحواء، وتحاول أنت أن تسلسل العالم كله سترجعه لهما، ومادام التكاثر ينشأ من الاثنين، فمن أين جاءا؟

الحق سبحانه يوضح لنا ذلك بقوله (إنا خلقناكم من ذكر وأنثى)؛ وكان من الضروري أن تأتي هذه الآية كي تحل لنا اللغز في الإحصاء؛ فكلما أتى الزمن المستقبل كثر العالم وكلما رجعنا إلى الماضي قل التعداد إلى أن يصير وينتهي إلى اثنين، وإياك أن تقول إلى واحد، لأن واحدًا لا يأتي منه تكاثر، فالتكاثر يأتي من اثنين.

ومن أين جاء الاثنان؟ لابد أن أحدًا خلقهما، وهو قادر على هذا، ويعلمنا الله ذلك فيقول: (خَلَقَكُمْ مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً) ونأخذ من "بَثَّ" الانتشار؛ ولو لم يقل الله هذا لكانت العقول  الحديثة تتوه وتقع في حيرة وتقول: نسلسل الخلق حتى يصيروا اثنين، والاثنان هذان كيف جاءا؟

فلابد أن نؤمن بأن أحدًا قد أوجدهما من غير شيئ. وهو الله سبحانه وتعالى. والحمد لله رب العالمين.