سلامة المنهج وصحة الفكر (1)

  • 211


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد،،

إن الطريق إلى الله تعالى له معالم معينة، وله مواصفات دقيقة خاصة، والسير في هذا الطريق شرف، ومن معالم هذا الطريق أنه مستقيم ليس فيه انحراف أو اعوجاج، وأما غيره من الطرق التي تحيط به فهي معوجة ومحاطة بالمخاطر والأهوال.

عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: "كان النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- جالسًا يوما فَخَطَّ على الأرض خَطًا مستقيمًا وخطَّ على جانبي هذا الخط خطوطًا قصيرة، ثم قال: (هَذَا سَبِيلُ الله، وَهَذِهِ سُبُلٌ، عَلَى رَأْسِ كُلٍّ مِنْهَا شَيْطَانٌ يَدْعُو إِلَيْهِ) ثم تلا قولَ الله تعالى (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ  وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ) (الأنعام:153)؛ فبَيَّن لنا الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن السبيل واحدٌ لا يتعدَّد، وأن الحقَّ واحدٌ لا يتفرق، وأن الباطلَ سُبُلٌ؛ وأن الباطل تَفرُّقٌ وهوًى وضلال.

فالطريق إلى الله طريق النور، وغيره من الطرق هي الظلمات، قال تعالى: (اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)، (257 البقرة) وقال تعالى: (قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ )(المائدة 15 - 16) وقال تعالى: (الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) (إبراهيم 1). وقد أفرد الله النور وجمع الظلمات؛ لأن الظلمات متعددة وهي كثيرة.

وإذا تأملنا واقِعَنا المعاصر نرى انحرافًا في المنهج والفكر، فهناك مناهج التكفير وممارسة العنف، ومناهج التغريب والعولمة، وغير ذلك من المناهج المنحرفة، وقد وضَّح الله لنا المنهج السديد الذي يلزمنا أن نسير عليه، قال تعالى: (لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً).

وَالشِّرْعَةُ وَالشَّرِيعَةُ هي الطَّرِيقَةُ الظَّاهِرَةُ الَّتِي يُتَوَصَّلُ بِهَا إِلَى النَّجَاةِ، وهي مَا شَرَعَ اللَّهُ لِعِبَادِهِ مِنَ الدِّينِ، وَقيل أن  الشَّرِيعَة: ابتداء الطريق، والمنهاج: الطَّرِيقُ الْمُسْتَمِرُّ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنِ وَغَيْرِهِمَا: "شِرْعَةً وَمِنْهاجاً" سُنَّةً وَسَبِيلًا.

ومن أهم مقومات المنهج: الجانب العقدي؛ فمن أعظم الواجبات الشرعية الاهتمام بالجانب العقَدي والإيماني، وذلك وَفق عقيدة "أهل السُنَّة والجماعة" من السلف الصالح والتابعين لهم بإحسان، ومن ثَمَّ كانت عقيدة التوحيد والإيمان ضرورة لا يَستغني عنها الإنسان؛ ليستكمل شخصيَّته، ويحقِّق إنسانيته.

ولقد كانت الدعوةُ إلى عقيدةِ التوحيد والإيمان أولَ شيئ قام به رسول الله -صلوات الله وسلامه عليه- لتكون حجر الزاوية في بناء الأمة الإسلامية؛ وإذا استقرت العقيدة الصحيحة أثمرَت الفضائل العليا، من الشجاعة والكرم، والسماحة والطمأنينة، والإيثار والتضحية والبذل والعطاء ونحو ذلك.

ونستكمل في مقال قادم بمشيئة الله تعالى.