الملاحدة .. وقصة الخلق (6)

  • 169

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

إشكال آخر يطرحه بعض المَلَاحِدَة، وهو: إن كان الأمر كما ذكرنا أن "آدم" -عليه السلام- خُلِقَ خَلْقًا مُباشِرًا؛ فهل خُلِقَت "حَوّاء" من نفس الجنس وبنفس الطريقة؟ وما هو توجيه الآيات التي تنص على خلق الإنسان ويظهر فيها تعارض؟ هل خلق من تراب، أم من طين، أم من ماء، أم من عَلَق، أم من أمشاج؟

وهذا في الحقيقة لا إشكال فيه، لأن الأمر -لمن يعقل- ميسور..

بدايةً نقول: إذا قيل: خلق الإنسان من طين، أو من تراب، أو من صلصال فهو آدم عليه السلام، بدلالة الآيات التي ذكرت أن الإنسان خلق من تراب ومن ماء ومن طين..

فهذه أطوار في الخلق؛ فإن التراب إذا ابتل بالماء أصبح طينًا، والطين إذا تعفن صار طينا لازبًا، فأمكن تشكيله بصورة ما ليكون جسمًا ماديًا، ثم يبس الطين اللازب فصار صلصالًا كالحمأ المسنون، له رائحة ولون من السواد، وإذا نشف أكثر صار صلصالًا كالفخار، وبعدها نفخ فيه الروح.

يقول تعالى (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِّن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ)؛ فهذه الأطوار التي مرت على خلق "آدم" -عليه السلام-.

أما "حَوّاء" أُمُّ البشرية، زوجة آدم -عليه السلام- فقد خلقت من ضلع آدم، كما بَيَّنَ الله -سبحانه وتعالى- ذلك بقوله: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً)، وبَيَّنَ النبي -صلى الله عليه وسلم- (استوصوا بالنساء خيرًا، فإن المرأة خُلِقَت من ضلع أعوج، وإن أعوج ما في الضلع أعلاه).

وحينما يقول ذلك فإنَّه لا يذمُّ النساء بهذا كما يزعم المبطلون، وإنَّما هو -صلَّى الله عليه وسلَّم- يُحدِّد طبائع النساء، وما اختصهنَّ الله به مِن تفوُّق العواطف على العقل، على العكس من الرَّجل الذي يتفوَّق فيه العقلُ على العواطف، فما زاد في المرأة نقص من الرجل، وما زاد في الرجل نقص من المرأة.

أما بقية البشر فجاءوا من التزاوج، طورًا من بعد طور، وحتي لا يظنن أحدٌ تعارضًا بين ما ذكرنا وقوله تعالى (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ)؛ فإن النسل والتزاوج لا ينفي أن كل إنسان فيه جزء من التراب والطين، وعليه فلا إشكال بحمد الله تعالى.

ولذلك كله قال العالم الفرنسي "مونيه" عندما أراد أن يرد على الخرافات التي يقولونها من أن أصل الإنسان كذا وكذا، قال: (أنا أعجب ممن يفكرون هذا التفكير، هل تُوجِد المُصادَفة ما نسميه "ذَكَرًا"، ثم تُوجِد المُصادَفةُ شخصًا نسميه "أُنثى" ويكون من جنسه لكنه مختلف معه في النوع بحيث إذا التقيا معا جاءا بذَكَرٍ كالأول أو بأنثى كالثاني؟ كيف تفعل المصادفة هذه العملية؟ سنسلم أن المصادفة خلقت "آدم"، فهل المصادفة أيضًا خلقت له واحدة من جنسه، ولكنها تختلف معه في النوع بحيث إذا التقيا معا ينشأ بينهما سيل عاطفي جارف وهو أعنف الغرائز، ثم ينشأ منهما تلقيح يُنشئ ذَكَرًا كالأول أو ينشئ أنثى كالثاني؟! أي مصادفة هذه؟! هذه المُصادَفة تكون عاقلة وحكيمة. هم يسمونها مُصادَفة ونحن نسمي ذلك الإله الواحد القادر). والحمدلله رب العالمين.