الملاحدة.. وقصة الخلق (7)

  • 191

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

ذكرنا في المقالات السابقة أن هناك ثلاثة أسئلة ملحة، ولا يمكن الإجابة عليها بدون هداية ربانية، خلق الكون والإنسان والحياة.

وقد تطرقنا للحديث والإجابة بشئ من الإختصار على خلق الكون والإنسان، والسؤال الثالث كيف تكونت الحياة ووجدت النباتات والحيوانات؟ وهل خلقت قبل آدم عليه السلام؟ ومن أي مادة خلقت؟ وهل خلقت خلقًا مباشرًا مثل ما بيَّنا في خلق الإنسان أو أنها  وجدت بالتطور كما يزعم الدراونة، وعلى رأسهم دارون في كتابه أصل الأنواع.

وكما ذكرنا أنه لم يشهد أحد من البشرية شيء من ذلك فلا سبيل إلى التعرف على ذلك إلا من خلال الوحي كتابًا وسنة، ففي صحيح مسلم أن الحيوان والنبات وغيرها خلقت قبل آدم عليه السلام، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (أخذ رسول الله صلى الله عليه  وسلم بيدي فقال: خلق الله عز وجل التربة يوم السبت، وخلق فيها الجبال يوم الأحد، وخلق الشجر يوم الاثنين، وخلق المكروه يوم الثلاثاء، وخلق النور يوم الأربعاء، وبث فيها الدواب يوم الخميس، وخلق آدم عليه السلام بعد العصر من يوم الجمعة في آخر الخلق في آخر ساعة من ساعة الجمعة فيما بين العصر إلى الليل) .

وخلق هذه الأشياء المذكورة وغيرها قبل خلق الإنسان لا شك أن له حكما جليلة، علمها من علمها وجهلها من جهلها، ولعل من هذه الحكم أن الله عز وجل لما خلق الإنسان لعبادته وحده لا شريك له، وكرمه على سائر مخلوقاته، وجعل الكون كله في خدمته، كما قال الله تعالى:(وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) ، هيأ له الأرض وقدّر فيها أقواتها وبث فيها الدواب ليكون ذلك كله في خدمة الإنسان المكرم، حتى يؤدي الوظيفة التي من أجلها خلق وهي عبادة الله تعالى، وشأن الكريم أن يهيئ الإكرام لمن يريد إكرامه قبل قدومه، والله سبحانه وتعالى الذي كرم الإنسان هو أكرم الأكرمين. يقول في محكم كتابه: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا)، قال أهل التفسير: خلقه للانتفاع والاعتبار والاختبار.

ويقول تعالى: (وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ)، ويقول تعالى: (وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ)، فتهيئة الأرض للسكنى وخلق هذه الأشياء قبل خلق الإنسان هي من باب التكريم الذي خص الله تعالى به الإنسان، يضاف إلى هذا أن هذه الأشياء كلها تسبح بحمد الله تعالى فهي في نفسها عابدة لله، قال الله تعالى: (وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا).

 أما عن مادة خلقه فقد قال الله تعالي: (وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِن مَّاء فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)، وهو نص صريح في أن الله تعالى خلق جميع أنواع الدواب التي فصل في بيان بعضها، من الماء، لا من بعضها البعض، ولا من أصل واحد كما يعتقده التطوريون.

وقوله تعالى: (وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ). ولعله أن يكون نصًا صريحًا كذلك في أن أنواع المخلوقات على الأرض قد خلقت "أزواجا" (بالخلق المباشر)، وليس تدرجًا من أصل واح.

 ولذلك كان خلق الحيوان أيضا خلقًا مباشرًا ولكن زعم أتباع دارون أن الحيوانات جاءت عن طريق التطور! كذلك يزعم أصحاب التطور الموجه بأن الأنواع الحيوانية تشترك في أصل واحد وتطورت عنه إلى أنواعها الموجودة، لكنهم ينكرون أن يكون حدوث ذلك راجعًا إلى العشوائية والصدفة!، زاعمين أن هذه حقيقة علمية ثابتة لا تقبل النقاش، وأن إنكارها يعد مخالفًا للمنهج العلمي.

وهذا في الحقيقة سب وتنقص لحكمة الله تعالى وعلمه، ذلك أن خالقًا كان لا يخلق إلا خلقًا ناقصًا متخلفًا عن لوازم البقاء في الأرض والاستقرار النوعي، ثم "طور" ذلك الخلق تدريجيًا و"حسنه" بما يناسب حتى يصلح للبقاء، وسبب ذلك أن هؤلاء استندوا إلى تأويل بدعي لقوله تعالى في سورة العنكبوت: "قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" العنكبوت :20.

فهم يعتقدون أن الآية تأمرهم بالتنقيب في الحفريات للبحث في الكيفية التي بها جرت أحداث الخلق الرباني للدواب وسائر المخلوقات الحية على الأرض، وكذلك وقعوا في خلط كبير بين التكيف أو التطور الصغروي (micro evolution) وبين التطور الكبروي (macro evolution) فما هو المعني الصحيح للآية، وما هو الفرق بين التطور الصغروي والكبروي؟ حتي نعرف الخلط الذي وقعوا فيه، هذا ما سنتعرف عليه في المقال اللاحق إن شاء الله.

والحمد لله رب العالمين.