• الرئيسية
  • المقالات
  • سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ

سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ

  • 447

(سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ)

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فيكثر في القرآن كثيرًا ذكرُ نوعي الآيات الدالة على وحدانية الله -عَزَّ وجَلَّ-: "الآيات الآفاقية، والآيات النفسية"، قال الله -تعالى-: (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ) (فصلت:53)، أي توحيد الله وإثبات رسالة الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وإثبات رسالة الرسل.

والآيات الآفاقية في خلق السماوات والأرض، والآيات النفسية في خلق الإنسان، كثيرًا ما تقترن في آيات القرآن، قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ . الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ) (البقرة:21-22)، وقال -سبحانه وتعالى-: (لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ) (غافر:57)، وقال -تعالى-: (اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) (غافر:64).

فالله -عَزَّ وجَلَّ- جعل هذه الحجج أوضح الحجج؛ قال الله -عَزَّ وجَلَّ- على لسان موسى -عليه السلام-: (قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ . قَالَ لِمَنْ حَوْلَهُ أَلَا تَسْتَمِعُونَ . قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ) (الشعراء:24-26).

يحتاج الإنسان دائمًا إلى أن يتفكر في هذا الخلق الذي حوله، نحن وُجِدْنا رغمًا عَنَّا، نحن نُحْمَل حَمْلًا؛ يُسَارُ بنا مِن مرحلة التراب إلى مرحلة النُّطْفَة، إلى العَلَقَة، إلى المُضْغة، إلى الخلق الآخر -العظام واللحم، ونفخ الروح، وتَسْوية الإنسان إنسانًا، ثم خروجه طِفلًا، ثم أن يبلغ أَشُدَّه- كل ذلك يَحْصُلُ له، لا يَحْصُلُ منه؛ فتدبر هذا الحال الذي يَمُرّ به (ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا) (غافر:67)، كما قال: (وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا) (الحج:5).

الإنسان يجد نفسه يُنْقَل، لا يَمْلك أن يَمْتَنِع، لا يملك مثلاً أن يقف في مرحلة الشدة والقوة، و(اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً) (الروم:54)، سبحان الله!

كذلك هو مولود في عَالَمٍ أوسع منه، أكبر منه، لا يَمْلِكُ فيه شيئًا على الإطلاق، لا يَمْلِكُ حَرَكة الشمس ولا القمر، ولا الأرض، ولا الريح، ولا النجوم، لا يَمْلِكُ شيئًا على الإطلاق؛ فقيرٌ تامّ الفقر.

ذلك يدفعه بالتأكيد إلى أن يتفكر في النهاية، هذه البداية (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأَةَ الْأُولَى فَلَوْلَا تَذَكَّرُونَ) (الواقعة:62).

تتعظ في أن هناك نشأة أُخرى سوف تُحْمَل إليها أيضًا؛ أنت تُحْمَل إلى الموت وما بعد الموت، تُحْمَلُ إليه أيضًا، تُقْهَر عليه.

قاهرٌ فوق عِبَادِه، على كل شيء قدير -سبحانه وتعالى- (وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ) (الأنعام:18)؛ فهذا القهر الذي قهره العباد -هذا القهر الظاهر- لا بد وأن يدفعهم إلى التفكر فيما سوف يقع بعد ذلك.

وليس مِن جوابٍ فيما يقع إلا مِن خلال الوحي المنزل على رسل الله -صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين-، ذلك أن الناس لم يُخْلَقوا عبثًا، ولن يُتْرَكوا سُدَى، وسوف يُسْأَلون.

سوف يُسْأَلون عما اعْتَقَدوا وعما قالوا؛ سوف يُسْأَلون عن كلِّ ذلك، ويُحَاسَبون عليه؛ لذلك ينقسمون في النهاية إلى (فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ) (الشورى:7)، وهو -عَزَّ وجَلَّ- بَدَأَهم كذلك، قَبَضَ قَبْضَةً بيمينه وقال: فَريقٌ في الجَنَّة، وقَبَضَ قَبْضَةً بِشِمَالِه وقال: فَريقٌ في السعير؛ نسأل الله أن يجعَلَنا مِن أهل الجنة، وأن لا يجعَلَنا مِن أهل السعير.

لذلك؛ كثرة التفكر في هذا يدفع الإنسان إلى أن تصغر عينه الدنيا، ذلك لأنه مُفَارِقٌ لها حَتْمًا ويقينًا، مَقْهورٌ على فِرَاقِها؛ فليعمل ليوم الفِرَاق، وليعمل لليوم الآخر، وليُعِدّ لِلِقاءِ اللهِ -عَزَّ وجَلَّ- عُدَّتَه.

نسأل الله -عَزَّ وجَلَّ- أن يُدْخِلَنا في رحمته، وأن لا يجعَلَنا مع القوم الظالمين.