تحديات وعقبات في طريق المنهج الإصلاحي (2)

  • 227


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

ثانيًا: تحديات إقليمية:

حين اتُّخِذ القرار بإلغاء الخلافة العثمانية عملت القوى العالمية في ذلك الوقت على إحكام القبضة على قلب العالم الإسلامي "وهو الوطن العربي"، والعمل على الحيلولة دون حدوث رد فعل يستعيد مرة أخرى التماسك الإسلامي العربي؛ فتم تقسيم المنطقة على أساس "سايكس بيكو"، وفي نفس الوقت زرعتْ دولة كجسمٍ غريب في المنطقة يتم رعايتها، وتنمية قدراتها لتعمل كشرطي المنطقة، وهي "إسرائيل".

ثم تطور الأمر إلى إيجاد شرطي آخر بعد قيام "الثورة الخمينية", حيث يقوم شرطي الثورة الخمينية بإثارة القلاقل في المنطقة وشغلها بنفسها، واستنزاف قوتها؛ حتى لا توجد فيها قوة لها قرارها؛ ليتوسع الشرطي الأول تدريجيًّا على حساب الفراغات التي تخلفها الصراعات بيْن "شرطي الخمينية" وبيْن الدول العربية.

ولما كان توسُّع الشرطي الأول بالتطبيع، وتوسع الشرطي الثاني بالتشييع -أو تصدير الثورة الشيعية-, كان المنهج الإصلاحي هو الذي يحمل في طياته الممانعة الحقيقية لكلٍّ مِن التطبيع والتشييع؛ لذا كان هو المنهج المستهدَف مِن كلٍّ مِن الشرطيين، وبالتالي فإن هذا يحمل التحديات ووضع العقبات أمام هذا المنهج الإصلاحي؛ فيُضغط على الأنظمة ووسائل الإعلام، وتُستقطب النخبة؛ لأخذ مواقف حادة تجاه هذا المنهج الإصلاحي!

وبهذا يضم الإقليم أربعة مشاريع تدعمها دول في الإقليم وخارجه:

1- مشروع المنهج الخرافي.

2- مشروع المنهج المفرغ.

3- المشروع الفرسي الشيعي.

4- المشروع الصهيوني.

وكلها تعمل على إقصاء وحصار المنهج الإصلاحي، لكن كل منهم له طريقته الخاصة ودوافعه.

ثالثًا: تحديات محلية:

وأخطر هذه التحديات: الفكرة المغلوطة عن المنهج الإصلاحي؛ بسبب تاريخ ومواقف المنتسبين إلى الحركة الإسلامية، فلو أن أحدًا مِن خارج الحركة الإسلامية قرأ تاريخها يحدث عنده شك في وجود منهج إصلاحي حقيقي، أو -على الأقل- يحتاج إلى جهودٍ كبيرةٍ لإثبات وجود ذلك المنهج الإصلاحي، وهذه إطلالة سريعة على ما يمكن أن يراه القارئ لتاريخ الحركات الإسلامية.

1- بداية نشأة الحركات الإسلامية كان في ظل الاحتلال كرد فعل لإلغاء الخلافة العثمانية وضعف البلاد العربية، وبُعد المجتمعات عن تعاليم الإسلام، وكان للنشأة في ظلال الاحتلال أثر في رسوخ أمر خطير في العقل الباطن للكثير مِن أبناء الحركة الإسلامية؛ ألا وهو: الاعتقاد أنه لا يمكن التغيير إلا مِن خلال هدم تلك المؤسسات والبناء بعدها، ومِن ثَمَّ الاستعداد للصدام معها!

وقد ظهرتْ آثار هذا الأمر في مواقف كثيرة مما رسَّخ في أذهان الكثيرين أنه مِن لوازم كل أبناء الحركة الإسلامية وفصائلها، وأنها حتى لو بدأت بالإصلاح؛ فإنها تنتهي بالسلاح!

2- في البداية كانت توجد بعض الجمعيات التي حصرت الإصلاح في بعض صوره، فتركت المجال واسعًا؛ فملأه الأستاذ "حسن البنا" الذي كانت دعوته في البداية إصلاحية عامة، تتحدث عن كل المجالات؛ مما استقطب أعدادًا كبيرة مِن الشباب المتحمس, وظلت دعوة "البنا" إصلاحية في الثلاثينيات إلى أوائل الأربعينيات حيث بدأ يُظهِر علامات الثورية الصدامية حين صرَّح الشيخ "حسن البنا" في المؤتمر العام الخامس للإخوان قائلاً: "سوف نستعمل القوة حين لا يجدي غيرها!" (بالمناسبة هذه هي حجة شباب الإخوان الآن على قياداتهم؛ يقولون: هذه مقولة مؤسس الحركة، سنستعمل القوة حين لا يجدي غيرها، قالوا: ولم تجدِ الرؤية الإصلاحية دعوية كانت أو سياسية، وذهبوا إلى أنه لا يجدي إلا القوة, ولم تجد القيادات لهم جوابًا مقنعًا!).

3- لنعود إلى الأربعينيات حيث أعلن الشيخ "حسن البنا" هذا، وفي نفس الوقت كان قد اكتمل تشكيل "التنظيم الخاص"، والذي استدرج إلى الصدام؛ مما أدى إلى تعطيل العمل الإصلاحي، وقتل مؤسس الحركة.

4- بعد "ثورة يوليو"، ومع أن "جمال عبد الناصر" كان أحد المبايعين للإخوان قبْل الثورة، وعَرَض على الإخوان المشاركة في الوزارة بثلاث وزراء، وأن يترك لهم العمل الإصلاحي المجتمعي؛ إلا أن العقلية الصفرية في الإدارة التي هي فرع على الهدم ثم البناء؛ منعتهم مِن قبول الشراكة، حتى تحول الأمر إلى صراع صفري أدى إلى دخول الحركة الإسلامية -والتي كان يمثِّلها في ذلك الوقت الإخوان- في نفق مظلم، وسجون ودماء، وتعطلت الدعوة ما يزيد عن عشرين سنة!

5- نشأ في ظل هذا الصراع الصفري والفتن المترتبة عليه، والبطش بأبناء الحركة، والظلم والقهر الذي تعرضوا له - نشأ فكر التكفير واستحلال الدماء، وفكرة حمل السلاح بصورة أكثر دموية.

وللحديث بقية -إن شاء الله-.