"مسلمو بورما"... إلى أين؟!

  • 175

 الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد حرَّم الله -تعالى- الظلم والبغي والعدوان، وجعل الله -تعالى- عاقبة الظالمين وخيمة، فقال -تعالى-: (وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَص فِيهِ الْأَبْصَارُ) (إبراهيم:42)، وقال الله -تعالى-: (أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) (هود:18).

ومِن أبشع أنواع الظلم: ما يشاهده العالَم اليوم مِن اعتداءٍ على المسلمين المستضعفين في "بورما"؛ فبعد أن كان المسلمون يعيشون في مملكة "أراكان" منذ أن دخلها الإسلام في عصر الخليفة العباسي "هارون الرشيد" عام 172هـ، وهم يعيشون في مملكة مستقلة، يتمسكون بالشريعة، ويحفظون "القرآن الكريم"، ويحافِظون على دعوة التوحيد، وينشرون الإسلام ،ثم تسلط عليهم "البوذيون" مِن "بورما"، وقاموا باحتلال دولتهم، وأطلقوا على الدولة الجديدة اسم: (ميانمار)، وكان ذلك في عام 1784م.

وهنا تحول المسلمون إلى أقلية مستضعفة، ومِن يومها، ويعيش المسلمون وسط أنواعٍ شتى مِن الظلم والتنكيل، والتشريد والقتل! والبوذيون لا يرحمون؛ لا طفلًا رضيعًا، ولا شيخًا كبيرًا، ولا امرأة مُسنَّة.

تٌقام المذابح والمجازر، وحملات الإبادة الجماعية للمسلمين منذ ذلك الزمان، عشرات الآلاف مِن القتلى، ومئات الآلاف مِن المشردين النازحين إلى بعض الدول المجاورة "كبنجلاديش"، ودول الجوار هناك: كالهند، والصين، وغيرهما، لا تسمع ولا ترى! بل تحول العالم كله إلى إنسان أبكم أصم أعمى! بل ومنظمات حقوق الإنسان هي الأخرى لا تسمع ولا ترى؛ هذا فضلًا عن التمييز الذي تمارسه الحكومة على المسلمين في بورما.

والسؤال الذي يطرح نفسه الآن:

ماذا لو كان هؤلاء مِن اليهود؟!

بل ماذا لو كان هؤلاء مِن النصارى؟!

بل ماذا لو كان هؤلاء مِن الملاحدة؟!

بل ماذا لو كان هؤلاء مِن غير جنس بني آدم؟

أكان العالم سيسكتْ عن هذا الإجرام؟!

ولكن تحقق قول الصادق -صلى الله عليه وسلم-: (يُوشِكُ الْأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا)، فَقَالَ قَائِلٌ: وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: (بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ، وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ، وَلَيَنْزَعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمُ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ، وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهْنَ)، فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا الْوَهْنُ؟ قَالَ: (حُبُّ الدُّنْيَا، وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ) (رواه أبو داود، وصححه الألباني).

والمسلمون ينشغلون عن إخوانهم بمتابعة المباريات والتصفيات لكأس العالم!

ويتسابقون إلى مساعدة أمريكا في إعصارها!

ولم ينشغل إلا قلة مِن المؤمنين بهؤلاء المساكين؛ فهم كما قال الله -تعالى-: (الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) (الحج:40)، فهؤلاء المساكين ليس لهم جريمة إلا أنهم يقولون ربنا الله!

وهؤلاء نصرتهم واجبة على كل مسلم قدر استطاعته، فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا)، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنْصُرُهُ إِذَا كَانَ مَظْلُومًا، أَفَرَأَيْتَ إِذَا كَانَ ظَالِمًا كَيْفَ أَنْصُرُهُ؟ قَالَ: (تَحْجُزُهُ، أَوْ تَمْنَعُهُ، مِنَ الظُّلْمِ فَإِنَّ ذَلِكَ نَصْرُهُ) (رواه البخاري).

ولو عجزنا عن نصرتهم بالمال والسلاح؛ فلن يعجز أحدٌ مِن المسلمين عن نصرتهم بالتضرع والدعاء، ونشر قضيتهم في عالم الذئاب، فلا بد أن يستشعر المسلم أن جسده يٌمزق، وقلبه يحترق على إخوانه في العقيدة؛ فنحن أمة واحدة، مهما تباعدت الأقطار، وتنوعت واختلفت اللغات، يجمعنا الإسلام فوق أي أرض، وتحت أي سماء؛ عن النعمان بن بشير -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ، مَثَلُ الْجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ، تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى) (متفق عليه).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "وَلِهَذَا كَانَ الْمُؤْمِنُ يَسُرُّهُ مَا يَسُرُّ الْمُؤْمِنِينَ، وَيَسُوءُهُ مَا يَسُوءُوهُمْ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مِنْهُمْ".

والله المستعان.