امضِ ولا تلتفت (1)

  • 232

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد يتصور البعض أنه بلا وجود المسجد لا تقوم الدعوة، ولن تكون دعوة بلا مسجدٍ، ولا ينكر أحدٌ دور وأهمية المسجد في الدعوة إلى الله -تعالى-، حتى إن أول أعمال النبي -صلى الله عليه وسلم- في المدينة كان: "بناء المسجد، والمؤاخاة بيْن المهاجرين والأنصار"، لكن السابقون الأولون مِن المهاجرين والأنصار، وخير هذه الأمة تربوا بدون بمسجدٍ، حيث لم يكن للمسلمين يومئذ في الأرض مسجد؛ فالعمل للدين -ومنه الدعوة إلى الله- يكون في الشدة والرخاء، وفي السراء والضراء، لا يرتبط بحالٍ معين، ولا بمكانٍ معين.

وله صور كثيرة، منها:

1- الدعوة بالقدوة: أن تكون في سلوكك وأخلاقك وتعاملك، صورة لما تدعو إليه؛ ففعل رجل في ألف رجل خير مِن قول ألف رجل لرجل، وكم مِن إنسانٍ كان سبب هدايته صاحب الخُلُق الحسن، والسلوك القويم.

ووجود التناقض بيْن فعل الإنسان وقوله نوع مِن الصد عن سبيل الله؛ فكم مِن إنسان كان رفضه للالتزام بالشرع رؤيته أو تعامله مع مثل هذه النماذج السيئة!

وقال الله -تعالى-: (رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا) (الممتحنة:5).

قال القاسمي -رحمه الله- في تفسيرها: "أي: ربنا لا تجعلنا نهمل مِن ديننا ما أمرنا به، أو نتساهل فيما عزم علينا منه، حتى لا تنحل بذلك قوتنا، ويتزلزل عمادنا، ويفتح لعدو الدين الافتتان به؛ لأن المؤمنين ما داموا متمسكين بآداب الدين، محافظين عليها، قائمين بها حق القيام، فإن النصر قائدهم والظفر رائدهم؛ ولذا أصبح المسلمون في القرون الأخيرة بحالهم، حجة على دينهم أمام عدوهم، ولا مسترد لقولهم، ومستعاد لمجدهم إلا بالرجوع إلى أصل كتابهم، والعلم بآدابه، والمحافظة على أحكامه، ونبذ ما ألصق به، مما يحرف كلمته، ويجافي حقيقته، وللحكماء في هذا الموضوع مقالات معروفة" (محاسن التأويل 9/  205-206).

وقال الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- عن أسباب انصراف الناس عن دين الله: "أضف إلى هذا سببًا رابعًا -هو علة لما قبله-: وهو ضعف رجال الدين الإسلامي أنفسهم، وعجزهم عن إظهار حقيقة الإسلام لتلك الشعوب، ولنابتة المسلمين العصرية أيضًا، بالبيان والحجج المناسبة لحال هذا العصر، ومقاومة بعضهم للإصلاح العلمي والمدني ما استطاعوا، ونفاق بعضهم للأجانب في البلاد التي استولوا عليها، وهؤلاء شر آفات الإسلام، وأعدى أعدائه، وفتنة للذين كفروا تصدهم عنه: (رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (الممتحنة:5)، هذا ملخص ما يصرف الأوربيين وأمثالهم عن معرفة الإسلام والاهتداء به" (تفسير المنار 10/ 312-313).

وللحديث بقية -إن شاء الله-.