حوار "جريدة الفتح" مع د."ياسر برهامي" حول حادث "مسجد الروضة" (1)

  • 217

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

استنكر الدكتور "ياسر برهامي" نائب رئيس الدعوة السلفية، الحادث الإجرامي الذي استهدف مئات المصلين في مسجد الروضة أثناء صلاة الجمعة.

وأكَّد أنه لا بد مِن إعادة النظر في كيفية المعالجة، وأنها لا بد أن تشتمل على الحل الأمني والفكري، والتنموي والاقتصادي، مشيرًا إلى أن "الدعوة السلفية" أكبر فصيل إسلامي حارب فكر التكفير عبْر أكثر مِن 40 سنة، وليس كما يدّعي البعض.

وإلى نص الحوار:

- ما تعليق "الدعوة السلفية" على استهدف مئات المسلمين أثناء صلاة الجمعة بالمسجد؟!

هذا حادث إجرامي يؤلم كل مسلم، بل يؤلم كل عاقل في الحقيقة؛ إذ لا يُتصور أن يصل هذا الإجرام لهذا الحد؛ قتل الناس أثناء أداء صلاة الجمعة في المسجد الذي يُعبد فيه الله -تعالى-، ولا نعرف عنهم سببًا مُبيحًا لدمائهم، ولا نعرف عنهم كفرًا، وليس كل مَن وقع في بدعةٍ يصح تكفيره بها، هذا الكلام خطير جدًّا "أقصد تعميم الكفر على الناس، واستهدافهم كما يُستهدف الجيوش المعتدية المحاربة للأمة بأنواع القتل الذريع والقذائف، وأنواع الاستهداف المباشر للقتل الذي لم يسلم منه حتى الأطفال؛ هذا إجرام بلا شك، ولكن لا بد أن نفكر في كيفية المعالجة.

ما هو العلاج الحقيقي في رأيك؟

المعالجة لا بد أن تتغير عما هو نحن عليه الآن؛ فقد صار أمرًا عاديًا أن نسمع كل يوم عن حادث هنا وآخر هناك، وتفجير هنا وهناك، وقتل هنا وهناك، وهكذا والأمر يزداد؛ فلا بد مِن نظرٍ في طريقة المعالجة، والمعالجة تشمل عدة جوانب، ونحن لا نجادل في أن المعالجة الأمنية والعسكرية لهذه الفئة وتطهير البلاد منها أمر ضروري، لكن لا بد مِن نصائح مع هذه المواجهة؛ إذ لا بد مِن سد الثغرات التي يدخل منها هؤلاء التكفيريون المجرمون، وتوفير المعلومات الكافية التي مِن خلالها ينفذون اعتداءاتهم.

ولا شك أن هناك زاوية أخرى للعلاج، وهي الزاوية الفكرية المنهجية؛ أصحاب هذا الفكر يعتقدون أن ما يفعلونه بالمسلمين وبغير المسلمين المعاهدين -معصومي الدماء- جهادًا في سبيل الله؛ ولذلك يضحي بنفسه ويستمر في القتال إلى أن يُقتل أو يُجرح، وهو يعتبر ذلك جهادًا في سبيل الله! وهذا مسلك خطير منبعه مِن التكفير، والتكفير سببه سوء الفهم للأدلة الشرعية، ولنصوص أهل العلم، ولن يواجَه هذا فقط بالناحية العسكرية؛ إذ لا بد مِن المواجهة الفكرية.

كيف تكون المواجهة الفكرية؟

المواجهة الفكرية مبناها على استعراض النصوص التي يستعملونها وتوضيح معانيها الصحيحة، واستعراض كلام العلماء الذي يستدلون به وتوضيح المعنى الصحيح له، وليس العلاج بالطعن في الشخصيات العظيمة مثلما يحلو للبعض فينصبون المعارك مع ابن تيمية -رحمه الله- أو محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- أو غيرهما مِن الرموز السلفية عبْر التاريخ.

السلفية تعرضتْ لتشويه لا شك بسبب الكلام الباطل الذي يُقال عنها، والبعض يدعي أن السلفية مصدر للإرهاب والتطرف، وهو كلام باطل مِن جميع الجهات؛ السلفية الصحيحة الواضحة المَعالِم تُشدِّد على التحذير مِن تكفير المسلمين، وتُشدِّد على أمر الدماء للمسلم وغير المسلم مِن المعاهدين الذين دخلوا في العقد الاجتماعي للبلاد ضمن نصوص الدستور، وكذلك ضمن المعاهدين الذين دخلوا البلاد بأمانٍ مِن الدولة، ومَن يدخل بدعوةٍ مِن بعض الأفراد فهو مستأمن كذلك، وكذلك مَن يذهب لبلاد الكفار فهو يدخل إليها بتأشيرة وبإذن؛ فبالتالي هو يؤمِّنهم على أنفسهم، ولا يجوز له فعل مثل هذه العمليات التي تحدث في أوروبا وغيرها باسم الجهاد في سبيل الله.

وكما ذكرتُ ليس العلاج في أن ننصب معركة مع العلماء والرموز والاتجاه السلفي كله؛ لأن نصب هذه المعارك سبب مِن أسباب زيادة المنتمين للفكر المنحرف، وتواصلهم مع التنظيمات الإرهابية الصدامية، وبالتالي التحول إلى ألغامٍ تنفجر كل حين في وجه أو جسد الأمة.

لذلك لا بد مِن مقاومة الفكر بالفكر، وأكثر مَن يقدر على ذلك هم مَن عندهم أرضية مشتركة مِن قبول أهل العلم، وليس تشويه أهل العلم.

بعض وسائل الإعلام لجأ إلى تصدير ما يعرف بالتنويريين أمثال "إسلام بحيري!" لمواجهة التطرف، فما رأيك؟!

أرى أن الحل لن يكون بتصدير هؤلاء؛ فإن "إسلام بحيري" -مثلًا-، يقول: إن البخاري ومسلم هما السبب، أو أن الأئمة الأربعة هم السبب، وذلك بعد ما انتهى مِن الهجوم على ابن تيمية -رحمه الله-، ثم الطعن في الصحابة -رضي الله عنهم- بعد ذلك، وليستْ طريقة العلاج بالطعن في التراث العلمي للأئمة -رحمهم الله- أو محاولة اعتبار النصوص الشرعية علامة على الإرهاب والجريمة، كمصطلحات الجهاد والخلافة والحدود وغير ذلك.

مما لا شك فيه أن التطبيق الباطل هو السبب، وليس الخطأ في النصوص الشرعية قطعًا، كما أنه لا يمكن لمسلمٍ أن يقبل مَن يتهم الإسلام نفسه بالإرهاب! لأن النصوص الشرعية فُهِمت فهمًا باطلًا مِن هؤلاء المنحرفين، فأنت تدافع عن الإسلام لأنه ليس كذلك، كما يقول البعض: "الإسلام المتطرف الذي يدين به 1.7 مليار إنسان لا بد مِن استئصاله!"، إذًا فقد وصف الإسلام كله بالتطرف في الحقيقة، وهذه الطريقة لا يقبلها مسلم.

هل يوجد إسلام معتدل وآخر متطرف؟

لا يوجد إسلام متطرف وإسلام معتدل، ولكن يوجد فكر منحرف في فَهم الإسلام، ولا يصح أن نقول إن هناك إسلامًا متطرفًا؛ فهذا كلام باطل، كذلك مَن صنعوا موجة "الإسلاموفوبيا" في العالم، فهؤلاء أخطأوا في فهم الإسلام.

كذلك نقول في قضية السلفيّة والأئمة والأحاديث والمصطلحات الشرعية، ليس الحل في إهدارها، فإن التفكير بهذه الطريقة قطعًا سيُكَوِّن المزيد مِن الحواضن الشعبية الراعية والمؤيدة للفكر الإرهابي؛ ولذلك نقول: إن روح التنافس والصراع بيْن المؤسسات الدينية الرسمية وغير الرسمية أمر في غاية الخطورة؛ إذ لا بد مِن وجود روح التعاون، وليس الحل في ترديد عبارات: كـ"قضينا على السلفيين في المكان الفلاني!"، و"أنهينا وجود السلفيين في المساجد!"؛ فهل أنتَ بذلك تحارب الإرهاب أم أنك تزيد مِن المشكلة الحقيقية؟!

ذكرتَ المواجهة الأمنية، وكذا الفكرية... فهل ترى حلولًا أخرى؟

هناك بُعد آخر للعلاج، وهو البعد التنموي أو الاقتصادي؛ لأن الرغبة في المال قد تدفع الكثيرين إلى أن يبيعوا أنفسهم لهذه الجماعات التي تمدها جهات أجنبية غنية لتقنعهم بالفكر المنحرف، وتتسلل القيادات المخابراتية الأجنبية إلى هذه الجماعات المنحرفة لتستغل هذا الفكر في إشعال الحرب الداخلية والفوضى في بلادنا، والهدف الأساسي مِن مثل هذه العمليات الإرهابية هو الوصول ببلادنا إلى الفوضى، و"الفوضى الخلاقة" هدف لم تتخلَ عنه أجهزة أجنية ما زالت تحاول، كما نجحت في تحقيقه في العراق، وسوريا، واليمن، وليبيا، وهناك بلاد كثيرة لا زالت الفوضى هي السِّمة الواضحة التي لا تتحقق معها دعوة ولا فهم ولا علم، والسلاح هو اللغة المستخدمة.

هل مصر وبلادنا العربية مستهدفة حتى الآن؟

بلادنا لا زالت مستهدفة، ولا بد وأن نفهم هذا الأمر جيدًا، تحقيق الفوضى يترتب عليه انهيار تام في كل منظومات الحياة، والأجهزة التي تخترق هذه الجماعات أو توجهها أو تدخِل أفرادًا منهم إليها، وترتب هذه العمليات التي بها سفك الدماء بهذه الطريقة لا بد أن تُقاوم بالعمل التنموي وزيادة التقدم، والاهتمام بالمناطق الفقيرة والمُهملة؛ لأن الناس عندما يجدون نمطًا للحياة مختلفًا عن الذي يعيشونه لن يفكروا في مثل هذه الجماعات المنحرفة.

البعض يدّعي أن "الدعوة السلفية" بذور للجماعات التكفيرية والمتطرفة، ما تعليقك؟!

هؤلاء مِثل مَن يقولون في الغرب: "إن الإسلام هو بذور الإرهاب!"؛ فهذا ظلم وعدوان، "الدعوة السلفية" هي أكبر فصيل إسلامي حارب فكر التكفير عبْر أكثر مِن 40 سنة، ولم يكن هؤلاء الذين يرددون هذه الاتهامات قد وُلدوا بعد.

إن أول مَن واجَه فكر التكفير في الإسكندرية ثم المحافظات الأخرى هي "الدعوة السلفية"؛ فقد أقامت الدعوة العديد مِن الحملات للتوعية والتحذير مِن هذا الفكر، وكان أول ذلك عند مقتل الشيخ الذهبي -رحمه الله- عام 1977م، فأقامت حملات للتوعية، ودروسًا علمية ومحاضراتٍ، وكتبًا تم تدريسها في هذا الوقت، وتعلمتها الأجيال في الرد على فكر التكفير؛ فكيف يمكن أن تُتهم "الدعوة السلفية" بعد ذلك بأنها بذور للتكفير؟!

إن الإسلام لا يمكن أن يكون مصدرًا للإرهاب، و"القرآن الكريم" لا يمكن أن يكون مصدرًا للأفعال الإجرامية التي يستدل بها هؤلاء!

إذن لا بد مِن شرح النصوص شرحًا صحيحًا، وكذلك كلام أهل العلم في مسائل الشرك والتوحيد؛ فتنبغي رعاية استيفاء الشروط وانتفاء الموانع، ومعرفة الفرق بيْن الكفر الأصغر والأكبر، ومعرفة الفرق بيْن كفر النوع وكفر العين، ومعرفة أن تكفير المعين ثم الحكم عليه ليستْ وظيفة آحاد الناس مِن الجُهّال، وإنما وظيفة أهل العلم والقضاء الشرعي الذي يَنظُر في الأمر بناءً على الأدلة الواقعية.

وبناءً على ذلك لا يصح اتهام الدعوة السلفية بالتكفير؛ لأنها أكثر مَن وضَّحت الردود على أصحاب هذا الفكر، والتاريخ المتكرر يؤكِّد حوادث متكررة قامتْ فيها "الدعوة السلفية" برفض مسالك العنف، والحفاظ على المجتمع عبْر سنواتٍ طويلةٍ قبْل الثورة، وبعد الثورة اتضح الأمر لكل ذي عينين.

- ما رأيك فيمَن يهاجم التيارات الدعوية الإصلاحية الرافضة للعنف بهذه الطريقة؟

الذين يهاجمون بهذه الطريقة هدفهم مهاجمة الإسلام نفسه، فهم يتمثلون بمهاجمة السلفية، والسلفية بريئة مِن هذا الكلام تمام البراءة، لكن كما ذكرتُ مِن قبْل: هل الحل في إلغاء النصوص الشرعية؟!

هل الحل في إلغاء النصوص التي بها شرك؟!

قال الله -تعالى-: (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (الزمر:65)، وقال -سبحانه-: (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ . لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ . وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ . وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ . وَلَا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ . لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) (الكافرون).

فهل نلغي هذه الآيات مِن القرآن حتى يستريح هؤلاء؟!

هم يريدون محو لفظ: "الكفر"، ولفظ: "الشرك"، والأمر ليس كذلك، فهل الكفار الذين يثبت كفرهم كلهم نوع واحد ولهم حكم واحد؟! لا، فإنه لا يلزم مِن الحكم بالكفر إباحة الدم أو المال أو إباحة العرض، بل هناك كفار معاهدون، فأين قضية العهود وأنواعها؟! كيف لا تُراعى، وقد قال الله -عز وجل-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) (المائدة:1)؟!

وأما مَن ثبُت إسلامه فلا بد مِن أن يُحذر مِن الحكم عليه بالكفر دون بينةٍ أوضح مِن شمس النهار، ويوجد باب اسمه "باب الردة" في كل كتب الفقه، لكن مَن الذي يطبق ذلك؟!

إن الحاكم هو الذي يطبق الأحكام، والقاضي هو الذي يحكم بذلك وليس آحاد الناس، وأهل العلم هم الذين يُبيّنون.

ومقتل الدكتور "مصطفى عبد الرحمن" -رحمه الله- أمين حزب النور في شمال سيناء، مِن الأدلة الدامغة على بطلان ادعاءاتهم، فالحقيقة أن هذا الفكر لا ينتشر إلا مع الجهل والضحالة العلمية، ولذلك نقول: لماذا قتلوا الدكتور "مصطفى عبد الرحمن"؟! لقد قتلوه؛ لأنه ينشر العلم.

ما الدافع وراء الرغبة في نشر الفوضى الخلاقة؟!

قضية الفوضى الخلاقة التي يريدون تحقيقها مبنية على وجود أطراف شديدة التعصب والمعاداة للآخرين، لا تستطيع التعايش معهم، هذا الأمر تتم دراسته في كل مجتمع؛ فعلى سبيل المثال: دراسة المجتمعات التي بها سنة وشيعة، حيث يبدأ التركيز على تنمية الاتجاهات العنيفة وتنميتها في كل مِن الطائفتين، ثم تقام الأعمال العنيفة لإشعال المجتمع، وكذلك المجتمعات التي بها مسلمون وأقباط، يترتب على ذلك البحث عن إشعال الفتنة التي يُراد منها سفك الدماء بيْن الطرفين، ثم تشتعل الفتنة بعد ذلك وتحصل الفوضى؛ لذلك علاج هذه الفوضى في دراسة الأحكام الشرعية في التعامل بين السنّي والمبتدع، والمسلم والكافر، في ضوء "التعايش" و"عصمة الدماء" بسبب الإسلام أو بسبب العهود والمواثيق التي يعصم بها دم غير المسلم في المجتمع المسلم، أو يعصم بها دمه في المجتمع غير المسلم مِن خلال الالتزام بقول الله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ).

لذلك كيف تكون "الدعوة السلفية" متهمة وأبناؤها معرضون لمخاطر كثيرة؟ وقد تعرضوا بالفعل لاعتداءات غاشمة، وقد وُضع على قوائم التكفير رموز الدعوة السلفية وأبناؤها.

- هل مِن كلمة لأهلنا مِن أسر ضحايا الحادث الإرهابي؟!

لا شك أننا نتوجه بالتعزية للجميع، ونقول لهم: لله ما أخذ، ولله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى؛ فلتصبروا ولتحتسبوا".

ونسأل الله أن يشفي المصابين شفاءً لا يغادر سقمًا.