العربي المسلم في مناهج التعليم الإسرائيلية

  • 357

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد جاء إنشاء دولة إسرائيل على أرض فلسطين نتيجة التقاء في المصالح بين إنجلترا -ومِن ورائها الدول الأوروبية الاستعمارية- والحركة الصهيونية الحديثة بعد الحرب العالمية الأولى، حيث رأت بريطانيا أن قيام دولة لليهود تدين لها بالولاء في قلب المنطقة العربية يعني إدخال المنطقة في صراع يستنزف طاقتها ويضعفها، ويحول دون توحدها بعد تقسيمها بما يخدم المصالح البريطانية والاستعمارية الأوروبية.

بينما كانت الصهيونية العالمية تلعب دورًا مزدوجًا بأن تكون إسرائيل رأس حربة للغرب، وفي نفس الوقت دولة قومية عنصرية لليهود؛ لذا جمعتْ إسرائيل بيْن كونها دولة استعمارية ودولة عنصرية، وعملتْ منذ أوائل إنشائها على تربية أبنائها على الفكر الاستعماري الاستيطاني، وعلى الفكر الاستعلائي العنصري.

وانعكس ذلك بوضوح على مناهجها الدراسية، ودور التعليم فيها، حيث دأبت مِن جهة على تشويه صورة العربي المسلم -إذ تحيط بها كتلة كبيرة مِن العرب المسلمين-، وتعمدت التطاول على الإسلام.

ومِن جهة أخرى: راحت تُعلي مِن صورة الجنس اليهودي بما يؤدي إلى تنشئة أجيالٍ مِن اليهود على الكراهية الشديدة للعرب والإسلام، وقبول التبرير لكل ما ارتكبته وترتكبه آلة الحرب الإسرائيلية مِن جرائم وفظائع ضد الفلسطينيين والعرب في المنطقة العربية.

وللأسف الشديد لا يهتم أحدٌ بالبحث في مناهج التعليم الإسرائيلية؛ وبالتالي نغفل عن التصدي لها وكشفها رغم ما تمتلئ به مِن تشويه للحقائق، وتبني للأكاذيب والأساطير الصهيونية، ونشر للحقد والكراهية والعنصرية، والتحريض على الفلسطينيين والعرب المحيطين بها بصورة لا يُعرف لها مثيل! تترجم عمليًّا في مظاهر القسوة المفرطة التي تبديها سلطات الاحتلال الإسرائيلي، والمستوطنين اليهود ضد الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، والسعي بقوة لتهويد القدس وسائر الأراضي الفلسطينية، وإزالة كل ما يشير إلى الوجود العربي الإسلامي فيها.

تشويه صورة العرب:

تقوم المناهج الدراسية في إسرائيل في كل مراحل التعليم على تصوير الشخصية العربية بصفات الجبن والغدر، والخيانة والإجرام، والخسة والعدوان، وبالتالي ترسيخ احتقار العرب وازدرائهم وكراهيتهم في عقول النشء ووجدانه، وكتبهم طافحة بذلك وبغير مواربة!

ومِن أمثلة ذلك:

- ما ورد في كتاب (إسرائيل والشعوب) للمؤلفين: "يعقوب كاتس - وموشيه هرشكو"، والصادر عن وزارة المعارف والثقافة الإسرائيلية في (ص 18): "إن العرب أفراد وجماعات همْ مجرد قبائل رحل يقيمون في الصحراء، يعتمدون في رزقهم على النهب والأشغال الوضيعة!".

- وفي كتاب آخر: "اليهود وحدهم يمنحون السعادة للعرب، لا يوجد منظر بائس ومثير للشفقة كمنظر قرية عربية في فلسطين في نهاية القرن التاسع عشر!" يعني قبْل الهجرة اليهودية إلى فلسطين.

- وفي كتاب (بيْن أسوار القدس) المقرر على الصف الخامس، يصف العرب بأنهم شحاذون، طامعون في الحصول على صدقات اليهود ففيه: "الجباة انشغلوا بمسألة الحلوكا (أي توزيع الصدقات اليهودية)، في هذا التوقيت أرسل رئيس فرقة المدح الديني مِن أبناء العرب، وكثير مِن الفقراء المسلمين طالبين صدقة، فكان يرسل إليهم بما يسد احتياج كل منهم!" (راجع في ذلك كتاب: "التوجهات العنصرية في مناهج التعليم الإسرائيلية"، تأليف د.خليل السواحري وخليل سمعان).

وقد قامت الدكتورة صفا عبد العال بترجمة وتحليل مضمون 16 كتابًا في الدراسات الاجتماعية (التاريخ والجغرافيا) مقررة على التلاميذ الإسرائيليين مِن الصف الثالث وحتى الصف السادس الابتدائي في كتابها: (تربية العنصرية في المناهج الإسرائيلية)، فوجدتها مليئة بصورٍ مشوهة للعربي، ووصفه بالصفات الوضيعة: كاللص، والسفاح، والأفعى، والقذر!

ومِن هذه الكتب: كتاب (أرض الوطن)، وكتاب (أرض الله)، وكتاب (بيت أسوار القدس)، وكتاب (الحراس الأوائل).

وفي تكريس النظرة الدونية ضد العرب تصف كتب التعليم العبرية العربي على أنه بدوي متخلف، لا يستحق أرض فلسطين؛ ففي ظل إشرافه عليها لم يتم استغلالها ليس بسبب ظروف التربة أو المناخ، وإنما يرجع ذلك للعقلية العربية ذاتها؛ ففي كتاب (أسطورة التشريد): "ماتت الأرض، أصبحت خالية مِن البشر تملؤها المستنقعات وكثبان الرمال المتحركة، وفي تلك المناطق استثمر المستوطنون اليهود عملهم وجهدهم وحصافتهم، وحولوها إلى مستوطنات مزدهرة!".

ومِن الكتب الخطيرة في هذا الشأن: كتاب (تحولات جذرية في جغرافيا الشرق الأوسط)، والذي أعيد طباعته مرارًا، ويدرّس في المدارس الثانوية والعليا، والتعليم العالي، ومؤلفه البروفيسور "أرنون سوفير" أستاذ الجغرافيا والتربية الوطنية بجامعة حيفا، الذي يروِّج لضم الأراضي العربية للكيان الإسرائيلي، وأنه إحقاق للحقوق التاريخية لليهود، ويصف العرب بالتخلف والجهل، وأن طبيعتهم عدوانية، ويصف احتلال بعض الأقطار العربية بأنه يجلب لها النعمة لا النقمة! (راجع في ذلك: "أسطورة التكوين" لأنطوان شلحت).

التطاول على الإسلام:

دأبت مناهج التعليم في إسرائيل على تشويه الدين الإسلامي بتشويه وتزوير وقلب الحقائق التاريخية عن الإسلام وتاريخه، ووصف المسلمين بالعنف والوحشية والهمجية، والطعن في النبي -صلى الله عليه وسلم-، وتشويه صورته ودعوته.

ومِن أمثلة ذلك: ما جاء في كتاب (اليهودية بيْن المسيحية والإسلام) الصادر عن وزارة المعارف والثقافة الإسرائيلية، والمقرر على الصف السابع الابتدائي وفيه: "إن التعاليم التي انطلقتْ مِن شبه الجزيرة العربية أوجدتْ وأيقظتْ قلقًا عميقًا في القلوب، لقد قاد محمدٌ حرب إبادة لجميع الشعوب والقبائل التي لم تتقبل دعوته، فأباد قسمًا كبيرًا مِن اليهود في الجزيرة العربية!".

وفي كتاب (إسرائيل والشعوب) يقول مؤلفاه في (ص 19) وما بعدها: "إن النبي -صلى الله عليه وسلم- بذل جهده في أول دعوته لجعل دينه مطابقًا للعادات اليهودية، فجعل قبلة الصلاة للقدس والصيام ليوم الغفران، وصلاة الجماعة يوم السبت؛ فلما أصر اليهود على رفض دعوته وسخروا منه قرر أن يفرض عليهم دينه عنوة، وطردهم مِن المدن التي يقطنوها، وتوقف عن محاكاتهم وتقليدهم، وحوَّل القبلة إلى الكعبة، وجعل الصيام في شهر رمضان، ونقل صلاة الجماعة مِن السبت إلى الجمعة!" (راجع في ذلك: "حصاد الكراهية: صورة العربي في الأدبيات الإسرائيلية" إعداد: هالة فؤاد، ص35 -36).

تمجيد اليهود:

في الوقت الذي تدفع فيه مناهج التعليم في إسرائيل إلى ربط الطلاب الإسرائيليين بأرض فلسطين بدعوى الحق المطلق لليهود في أرض فلسطين، مع إنكار حق الفلسطينيين فيها؛ فهي أيضًا تكرس لتفوق اليهود الحضاري والعرقي، وتحقِّر مِن شأن العرب والفلسطينيين؛ لتغرس النظرة الاستعلائية اليهودية مِن جهة، وتبرر جرائم اليهود واغتصابهم للأرض، وقتل أهلها وتشريدهم عبْر العقود الطويلة الماضية مِن جهة أخرى!

ففي أحد فصول كتاب (مواضيع مركزية في تاريخ الشعب والدولة) للكاتب الإسرائيلي أمنون حيفر فصل بعنوان: (كيف تجيب عن السؤال بصدد حقوقنا التاريخية على الأرض؟) يقول: "إن كل الأقوال بخصوص الحقوق التاريخية التي يدور حولها التقاسم مع العرب ما هي إلا تزييف للحقيقة، وناجمة عن قلة الفهم وصحة المعرفة والدراية بتاريخ الاستيطان اليهودي على أرض إسرائيل، فليس صحيحًا أنه عندما أتينا وجدنا هنا البلاد مستوطنة مِن قِبَل شعب آخر أقام لعدة مئات مِن السنين، فالحقيقة أننا عندما أتينا لم نلقَ أي شعب، وبشكلٍ أكيدٍ لم نلقَ أي شعب أقام مئات السنين؛ فلم يقم العرب على أرض إسرائيل ألبتة، ولم ينشئوا حكمًا محليًّا، ولم يبنوا ثقافة أو لغة أو قومية متميزة!".

ويقول في موضع آخر: "لقد حفرنا الآبار؛ أما أعداؤنا فليس بمقدورهم إلا ردم الآبار، وزيادة الفقر!".

ويتكرر في كتبهم التأكيد على أن أرض إسرائيل لم تكن بهذه الوضعية إلا على أيدي اليهود، أما قبْلهم فلم يكن لها وجه تاريخي؛ لذا تبرر مناهج التعليم الإسرائيلية عمليات التهجير القسري للفلسطينيين أن سببه تدهور الحالة الاجتماعية لدى الفلسطينيين، وتدني مستواهم الثقافي في مقابل التفوق الإسرائيلي.

التربية العنصرية:

ترسِّخ المناهج التعليمية في إسرائيل التحريض على الكراهية والحقد، والعداء ضد الفلسطينيين والعرب في وجدان النشء مِن جهةٍ، وتزرع الخوف مِن العرب والفلسطينيين مِن جهةٍ أخرى، بما يستحيل معه تقبل التعايش معهم، ووجودهم بينهم؛ لذا فإن النشء في إسرائيل يعاني مِن تحفزٍ مستمر، ويلازمه حذر دائم تجاه كل عربي وفلسطيني؛ سببه الخوف الذي تبثه المناهج الدراسية في نفوسهم مِن العرب والفلسطينيين، فهم في نظرهم الخطر الأكبر والعدو القريب الذي يتطلع إلى القضاء على إسرائيل، وإبادة الجنس اليهودي، وبالتالي لا بقاء للإسرائيليين إلا بإبادة الفلسطينيين أو إبعادهم وعدم السماح لهم بالعودة مِن جديدٍ لأرض فلسطين، وهذا بالطبع ما تسعى إليه الصهيونية وتعمل مِن أجله.

ويبيِّن أثر هذه التربية العنصرية ما جاء في استطلاع أجراه الخبير التربوي "إدير كوهين" أستاذ التربية بجامعة حيفا على تلاميذ مِن الصفوف الرابعة إلى السادسة بمدارس حيفا حول تداعيات سماع كلمة (عربي) على التلميذ في هذه المرحلة العمرية فوجد:

- أن مستوى الخوف مِن العربي عالٍ؛ حيث وصفه أغلب الأطفال بأنه خاطف الأولاد، قاتل، مخرب، يعيش في الصحراء، ذو سحنة مخيفة، قذر، تنبعث منه رائحة كريهة!

- أن هناك جهلًا تامًّا بيْن أوساط التلاميذ الإسرائيليين بشكل العربي وهندامه وعاداته، حتى ذكر بعضهم أن العربي شعره أخضر، وذكر البعض أن له ذيلًا!

- أن90% مِن التلاميذ يرون أنه ليس للعربي حق في أرض فلسطين، وأنه ينبغي أن يُقتل أو يتم ترحيله!

- أن غالبية التلاميذ يرغبون في السلام، والسلام عندهم يعني تسليم العرب بالسيادة الإسرائيلية على كامل أرض فلسطين!

وحول سؤال خاص بكتابة موضوع إنشاء عن لقاءٍ مع عربي كتب أحد التلاميذ: "صعدتُ إلى الباص... صعد إليه عربي وجلس بمحاذاتي، فكرتُ فورًا أنه يجب أن أنتقل إلى مقعدٍ آخر، انتقلتُ وانتقل العربي إلى المقعد ذاته، وفكرتُ أنه يخطط ضدي شيئًا ما، اهتم العربي بالنزول، لكن السائق منعه، وقام باستدعاء البوليس الذي ساقه إلى السجن!".

فالخوف مِن المستقبل مع العرب والتوتر والقلق، والاحتقار للعرب والتعالي عليهم؛ هي حصيلة ما زرعته -وتزرعه- المناهج العنصرية في نفوس الطلاب الإسرائيليين، فينظرون إلى العرب دائمًا على أنهم إرهابيون قتلة، أقل تحضرًا، وأكثر فقرًا وتخلفًا! (راجع "حصاد الكراهية" ص:47 -49).