"داعش"... أَشِدَّاءُ على المؤمنين رُحَمَاءُ بالكافرين!

  • 253

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فمِن خصائص المؤمنين أنهم رحماء فيما بينهم، قال الله -تعالى-: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ) (الفتح:29)، أي متحابون متراحمون متعاطفون فيما بينهم، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ، مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى) (متفق عليه)، لكننا نرى أن "داعش" قد صوَّبت سهامها تجاه المسلمين!

فأين هم مِن الرحمة؟!

أين هم مِن الشفقة؟!

أين هم مِن الحلم واللين؟!

أين هم مِن الآيات والأحاديث التي تحض على الرحمة بالمسلمين؟! ألم يسمعوا عنها؟ ألم يقرأونها؟

كيف يسفكون دماء المسلمين؟! كيف يدمرون ديار المسلمين؟!

أين هم مِن الشدة والغلظة على الكافرين؟!

أسئلة كثيرة محيرة وليس لها إجابة، ولكن لا شك أن ذلك نتيجة الفكر المنحرف والتأويل الباطل لبعض النصوص، فعقولهم منكوسة وأفكارهم معكوسة!

ومِن هنا نقول: إنه يلزم على أبناء الأمة في هذه الفترة أن تجتمع لمواجهة ذلك الانحراف، ولا بد مِن تضافر الجهود لإنقاذ الأمة مِن كبوتها التي تحياها في هذه الفترة العصيبة؛ لا سيما في ظل هذه المتغيرات والأحداث المتعاقبة، وانتشار الأفكار المنحرفة والهدامة والتي تفسد ولا تصلح، وتهدم ولا تبني!

وقد أوجب الإسلام علينا أن نبيِّن للناس، وأن نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر، فـ"داعش" قد اتخذت طريق التكفير والقتل منهجًا في التغيير، وذلك بدعوى الجهاد في سبيل الله -تعالى-، وفسادهم ظاهر لكل ذي عقل وبصيرة، فما الذي قدَّمته داعش لدولة سوريا أو لدولة العراق؟!

ثم واجب علينا أن نبيِّن للناس طبيعة الطريق المستقيم، وأن مِن معالم هذا الطريق أنه مستقيم ليس فيه انحراف أو اعوجاج، وأما غيره مِن الطرق التي تحيط به؛ فهي معوجة ومحاطة بالمخاطر والأهوال، ولا بد أن نوضِّح للناس أيضًا أن سلامة المنهج وصحة الفكر تنبثق مِن عقيدةٍ صحيحةٍ، فلا بد مِن استقرار صحة المعتقد أولًا؛ لذا ترى الخوارج أصحاب أول بدعة اعتقادية قد انحرفوا في المنهج مع كثرة عبادتهم، فهم قوم (يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلاَتَهُ مَعَ صَلاَتِهِمْ، وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ) (متفق عليه)، ولكن عندهم خلل في المنهج فدمَّر سلامة المنهج!

فهم يكفرون صاحب الكبيرة، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (يَقْرَءُونَ القُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ) (متفق عليه)، فهذا الإغراق في العبادة لم يغنِ عنهم شيئًا، يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، وقراءته مع قراءتهم، ومع ذلك يمرقون مِن الدين كما يمرق السهم مِن الرمية، فالسهم يمرق منها لا يحمل شيئًا؛ لذا فإن الفرد بلا عقيدةٍ صحيحة يكون فريسة للوقوع في الانحرافات الفكرية.

ومِن أهم أساب انحراف الفكر: الجهل والتعصب، والتقليد الأعمى، والغلو.

وبسبب الجهل رأينا مَن يقتل المسلمين وهو لم يصوِّب سهمًا واحدًا تجاه اليهود الغاصبين المحتلين لديار المسلمين، ثم لا بد أن يعلم الجميع أن الفكر لا يُقاوم إلا بالفكر أيضًا، فالخلل الفكري لا يواجَه بالسجون والتعذيب والتنكيل، فإن هذا قد لا يزيدهم إلا تشددًا وتعصبًا لأفكارهم.

فالمواجهة الأمنية لا تكفي هنا، بل لا بد مِن مواجهة فكرية علمية معهم، يقوم بها رجال ثقات في علمهم، ثقات في دينهم، فإن الذي يتعمق في واقع هذه الجماعات الإسلامية التي اتخذت العنف سبيلًا لها؛ يجد بوضوح أن وراءها أسبابًا فكرية هي الأكبر تأثيرًا.

وهي التي دفعتْ هؤلاء الشباب اليوم إلى ما اندفع إليه أسلافهم مِن قبْل مِن الخوارج، وقد بعث علي -رضي الله عنه- إلى الخوارج الذين ثاروا عليه عبد الله بن عباس، حبر الأمة، وترجمان القرآن؛ ليحاجهم ويحاورهم، وما زال يحاورهم ويجادلهم بالحجة والإقناع حتى رجع منهم عددٌ كثير، وبقي بعضهم مصرين على باطلهم.

والله المستعان.