حول قرار "ترامب" الأخير!

  • 165

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فإن قرار الرئيس الأمريكي "ترامب" الخاص بـ"القُدْس" هو في الحقيقة قرار كاشف للواقع المرير الذي نعيشه، ولحقائق غابتْ عن الكثير:

أولًا: أن أمريكا التي تَدَّعي محاربتها للإرهاب هي المنظمة الإرهابية الأولى في العالم؛ فهي التي استخدمت السلاح النووي لتدمير مدينتي "هيروشيما - وناجازاكي" باليابان، وقَتَلَت الآلاف مِن الفيتناميين في حربٍ ظالِمة!

وهي التي دَمَّرَت العراق وقَتَلَت أكثر مِن مليون عراقي بحجة وجود أسلحة دمار شامل كَذِبًا وبُهتانًا؛ إضافة إلى ما ارتكبته مِن جرائم ضد المدنيين في أفغانستان، وما فعلته بالمعتقلين في سجني: "أبو غريب" و"جوانتانامو"، وغير ذلك!

ثم مساندتها ودعمها المطلق لهذا الكيان الإرهابي المتطرف المسمى بـ"إسرائيل" في كل ما يقوم به مِن جرائم واعتداءات ضد شعبنا في فلسطين.

ثانيًا: إن مقولة: "إن 99% مِن أوراق حل القضية الفلسطينية في يد أمريكا قول باطل، قد أَسْلَمَ رقابنا لعَدُوِّنا، ونسي قول الله -سبحانه وتعالى-: (بَعْضُهُم أَوْلِياءُ بَعْض) (المائدة:51).

ثالثًا: إن الكيان الصهيوني في صراعه معنا ينطلق مِن منطلق عقائدي ديني بالحال والمقال، تصريحًا لا تلميحًا، واستمعوا لكلمة رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي "نتنياهو" عقب تصريح "ترامب" الخاص بـ"القُدْس"؛ فإنها كلمة دينية بامتياز!

إن اليهود جاءوا إلى فلسطين لا مِن أجل وطنٍ يؤويهم أو أرضٍ يعيشون عليها، ولكن مِن أجل تحقيق نبوءةٍ تَوْراتِيَّةٍ؛ مِن أجل عقيدة راسخة لا تقبل المساومة أو التفاوض أو المقايضة.

وهذه العقيدة تتمثل في العودة إلى أرض المعاد، وإقامة دولة إسرائيل الكبرى، والتي عاصمتها "القدس"، وبناء هيكل سليمان على أنقاض المسجد الأقصى؛ هذه العقيدة التي تنسف كل مزاعم السلام والتعايش السلمي.

يقول "بن جوريون" مؤسس هذا الكيان اللقيط: "لا قيمة لفلسطين بدون القُدْس، ولا قيمة للقُدْس بدون الهيكل!".

وعندما احتل اليهود القُدْس الشرقية في عام 1967م قال "موشى ديان": "لقد وَحَّدْنا المدينة المقدسة، وعُدْنا إلى أكثر المدن قَدَاسَةً عندنا، ولن نُغَادِرَها أبدًا!"، بل إنهم يُعَلِّمُون هذه العقيدة لأطفالهم في المدارس.

أما الأنظمة العربية فقد استبعدت العقيدة والدين مِن ساحة المواجهة وحلبة الصراع، واستبدلتها بشعارات القومية والعروبة، إلخ، وتم اختزال قضية القُدْس والمسجد الأقصى -التي هي قضية كل مسلم على وجه الأرض- إلى قضية الشرق الأوسط، وبهذا تم انتزاع مفتاح قوتنا ووقود حركتا، وسبب نصرنا!

لا ننسى أن مِن أكبر أسباب الانتصار الذي تحقق في العاشر مِن رمضان -السادس مِن أكتوبر سنة 1973م- هو الروح الإيمانية التي سرت في نفوس الجنود، والتي عَبَّرَت عنها صيحات: "الله أكبر" التي دَوَّت في عنان السماء.

رابعًا: إن حالة الضعف والعجز التي تعاني منها الدول العربية هي نتاج طبيعي لما عاشته تلك الدول لِعُقُودٍ طويلة في ظل حكومات ديكتاتورية مَارَسَت كل أنواع القهر والاستبداد والظلم ضد شعوبها، فقتلتْ فيهم روح الانتماء والإبداع، وأَعْلَت شأن النفاق، فتقدم المنافقون وتأخر المُخْلِصون، وانتشر الفساد والجهل، ووُسِّدَت الأمور لغير أهلها!

وأصبح المعيار هو الولاء وليس الكفاءة، والنتيجة الحتمية والمنطقية أننا أصبحنا صفرًا في كل شيءٍ، وصرنا عَالَة على غيرنا في كل شيءٍ، يسير العالم إلى الأمام ونحن نسير إلى الخلف! ومَن لم يملك قُوتَه لا يملك قرارَه، وأشد أنواع الاحتلال: احتلال الإرادة!

خامسًا: إن الذي يحكم العالم هو قانون القوة، لا قوة القانون.

وإن "المنظمات الدولية" ما هي إلا "ألعوبة" في يد القوى العظمة؛ أنشأتها هذه الدول لخدمة مصالحها، وأن قرارات هذه المنظمات لا تسري ولا تُطَبَّق إلا على المُسْتَضْعَفين فقط؛ وإلا فإسرائيل قد ضربتْ بكل القرارات الدولية عرض الحائط، بل إن قرار "ترامب" الأخير مصادم لكل القرارات الدولية التي أقَرَّت أن: "القُدْس الشرقية أرض محتلة"، ولكن هو منطق (البلطجة) حيث القوة ثم القوة، دون الاستناد إلى أي قانونٍ أو منطقٍ، أو أي معنى مِن معاني العدل والإنسانية!

إننا في عالم لا وجود فيه للضعفاء؛ فهل نأخذ بأسباب القوة "وأولها: قوة العقيدة والاعتزاز بالدين"؟!