سيجرف السيلُ كلَّ الزَّبَد!

  • 196

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

لقد وعى لنا التاريخ أن الأمم تبقى وتزدهر حضارتها بما تملكه مِن قيمٍ عليا، ومبادئ سامية، كمثل قيم الشجاعة والكرم، والعدل والعفاف، وغيرها كثير مِن القيم، والتي مصدرها الرئيس هو الشرائع السماوية.

وقد تعلَّم الإنسان هذه القيم مِن الرسالات السماوية، فلما استمسك بها؛ بني حضارته التي تُعلي قيمة الإنسان في الحياة بمعرفة الغاية مِن وجوده، وعلى الجانب الآخر: كلما ابتعد الإنسان عن مصدر الوحي الإلهي، وانحرف عن قيم الشرائع السماوية، وداس علي فضائل الأخلاق؛ سقط وسقطتْ معه حضارته.

وقد أدرك أعداء الإسلام هذه الحقائق جيدًا، وعرفوا مِن أين يكون القضاء على هذه الأمة دون أن يتكلفوا في سبيل ذلك قطرة مِن دماء أبنائهم؛ فوجهوا سهامهم المسمومة نحو العقل والقلب المسلم غزوًا للأفكار، وتحطيمًا لحوائط ودروع البُعد عن الشهوات؛ ليصبح الإنسان المسلم مسخًا مشوهًا لا يعرف مِن دينه إلا اسمه، ولا مِن قيمه إلا أطلالها!

وهكذا يستمرون في لعبتهم الخبيثة، يستخدمون في ذلك كل وسائلهم المتاحة مِن: تعليم، وثقافة، وفن، وتغريب، وتشويه، وتشكيك، وإثارة... !

يقول أحد منظـِّريهم في محاضرة له حضرها عشرات: "إننا في سبيل تخريب أي مجتمع دون إراقة الدماء ينبغي أن نبدأ بأمرين اثنين -مِن الأهمية بمكان-:

الأول: الدين، فلا نجعل له قوة مسيطرة على هذا المجتمع.

والثاني: الأخلاق؛ بإفسادها حتى لا تكون عائقًا أمام أهدافنا".

مِن هنا تدرك خطر هذه الهجمة الشرسة على ثوابت الدين ورموزه، والشريعة ومرجعيتها، وكذلك ما آل إليه أمر المسلمين في جانب القِيَم والأخلاق التي باتت في حضيضٍ سافل، وكأنك حين تذكِّر بها الناس تحدثهم عن أمورٍ مِن الخيال، لا مِن الواقع!

فما يُراد بأمتنا اليوم ربما يكون أشد خطرًا مِن "الحملات التتارية" التي استهدفت العمران والإنسان، فحملات اليوم تستهدف العقول والأفكار، والقلوب والمشاعر؛ فمَن للأمة اليوم يدركها؟!

ولله در شوقي حين قال:

إنـما الأمم الأخـلاق ما بـقيـتْ                        فإن هم ذهبتْ أخلاقهم ذهبوا

فيا عقلاء الأمة...

ويا أيها المصلحون...

ويا أيها الآباء والمربون...

أدركوا مستقبلكم بالعودة الصحيحة إلى أخلاق دينكم أو سيجرف السيل كلَّ الزبد!