حوار "جريدة الفتح" مع د."ياسر برهامي" حول حادث "مسجد الروضة" (2)

  • 254


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

- بداية... البعض يستغل الحدث لتصفية حسابات أيديولوجية، فيردد شبهات حول كلام شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-، ويتهمه بأنه كان مستحلًا لدماء الصوفية!

هذا كلام باطل؛ فابن تيمية -رحمه الله- لم يقل ذلك، وابن تيمية لم يقل إن آحاد الناس يتولون وظائف الحاكم في مقاومة أهل البدع والضلالات، ولكن ابن تيمية يتحدث عن دفع الفساد في الأرض، وقد ذكر هذا الكلام في مواطن مختلفة، منها ما ذكره في كتاب "السياسة الشرعية"، فمثلًا البعض يردد كلام ابن تيمية وهو يقول: "وأما قتل الداعية إلى البدع، فقد يُقتل لكف ضرره عن الناس، كما يقتل المحارب، وإن لم يكن في نفس الأمر كافرًا، فليس كل مَن أُمر بقتله يكون قتله لردته" (مجموع الفتاوى 23/ 351).

هذا الأمر يتحدث فيه ابن تيمية -رحمه الله- عن البدع المكفرة أو البدع التي يُخشى منها تقسيم المجتمع كـ"بدعة الخوارج"، ويتولي ذلك الإمام أو الحاكم وليس آحاد الناس.

وهم يحكمون بالإعدام بالجملة في بعض الأحيان حتى لو لم يكن البعض قد شارك، ولكنه قاد منظمات إرهابية أو جماعات إرهابية؛ فكيف يقتلونهم؟ كيف يحكم القاضي بالإعدام؟ وكيف يوافق المفتي على هذا الحكم، ويقول إنه موافق للشريعة؟ إنهم يحكمون بذلك بناءً على هذه النصوص؛ لأن الداعي للبدع التي وصلتْ بدعته للكفر يقتضي ذلك.

- البعض يردد قتل خالد بن عبد الله القسري للجعد بن درهم، فما رأي فضيلتك؟

هم كثيرًا ما يذكرون قصة خالد بن عبد الله القسري عندما قتل الجعد بن درهم، وخالد كان هو الحاكم في هذا الوقت، وخاف أن تنتشر بدعة الجعد بن درهم التي يصرِّح فيها بمناقضة القرآن الكريم، فكان يقول عن قول الله: (وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا) (النساء:164): "إن الله لم يكلِّم الله موسى تكليمًا!"، وكذلك في قول الله: (وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا) (النساء:125)، كان يقول: "لم يتخذ الله إبراهيم خليلًا!"، فخاف خالد بن عبد الله القسري مِن إحداث فتنة داخل المجتمع، وإحداث فساد، وقد حكم العلماء بردته؛ فنفذ الحكم، وهو -كما قلتُ مِن قبْل- كان الحاكم في ذلك التوقيت.

وفي المحاكم الحالية قد يَحكم القضاة بالإعدام بأعدادٍ كبيرة في بعض الأحيان حتى ولو لم يكونوا جميعًا شاركوا، ولكن منهم مَن قاد أو خطط، فهل يكون هؤلاء القضاة إرهابيين أو منبعًا للإرهاب؟! وهل يكون المفتي الذي يوافق علي هذه الأحكام إرهابيًّا؟! بالتأكيد لا؛ لأنهم يستندون إلى النصوص التي تدل على محاربة المفسدين في الأرض، فإذا كانت البدعة قد وصلتْ للكفر أو تؤدي لفساد المجتمع؛ فالأمر مِن هذا الباب.

هذا الكلام كيف يصبح دليلًا على أن ابن تيمية راعيًا للإرهاب؟! إن المالكية يقولون بنفس الكلام، والحنابلة عندهم أيضًا نفس القول؛ فهل المالكية والحنابلة راعون للإرهاب أيضًا؟ طبعًا "إسلام بحيري" عنده كل هؤلاء إرهابيون!

- ينقلون نصوصًا أخرى عن ابن تيمية عمَن يغالي في الصالحين، ويقولون إن ابن تيمية يكفـِّر هؤلاء؟!

هم يرددون قول ابن تيمية -رحمه الله-: " فكل مَن غلا في حي أو في رجلٍ صالح, كمثل علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أو عدي أو نحوه, أو فيمن يعتقد فيه الصلاح: كالحلاج أو الحاكم الذي كان بمصر أو يونس القتي ونحوهم, وجعل فيه نوعًا مِن الإلهية, مثل أن يقول: كل رزق لا يرزقنيه الشيخ فلان ما أريده, أو يقول إذا ذبح شاة: باسم سيدي، أو يعبده بالسجود له أو لغيره, أو يدعوه مِن دون الله -تعالى-، مثل أن يقول: يا سيدي فلان اغفر لي أو ارحمني, أو انصرني أو ارزقني أو أغثني أو أجرني أو توكلت عليك, أو أنتَ حسبي أو أنا في حسبك, أو نحو هذه الأقوال والأفعال التي هي مِن خصائص الربوبية التي لا تصلح إلا لله -تعالى-, فكل هذا شرك وضلال يستتاب صاحبه، فإن تاب وإلا قتل" (مجموع الفتاوى 3/ ٣٩٥).

وهذا الكلام ليس كلام ابن تيمية فقط، وإنما هو كلام كل أهل العلم بالإجماع، ولا نزاع بيْن أهل العلم في أن مَن يعتقد الألوهية في شخصٍ فهو كافر، إذا كان مَن يعتقد الألوهية في المسيح -عليه السلام- يكون كافرًا كما نص القرآن على ذلك، فكيف بمَن يعتقد الألوهية في علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أو غيره مِن الناس؟ فهذا لا نزاع فيه بيْن العلماء أن هؤلاء مرتدون.

- ومَن الذي يقيم حد الردة؟!

الذي يقيم حد الردة هو الحاكم، وليس آحاد الناس؛ حتى لا تحدث الفوضى.

هذا الكلام واضح، وليس كل مبتدع يكون كذلك، فعلى سبيل المثال: مَن يقيمون الحضرة بمناسبة المولد، هي بدعة، ولكن هل هي بدعة مكفرة؟ وهل هي مثل مَن يقول: "لا إله إلا الله، ما في الجبة إلا الله!"، وهل مثل مَن يقول: "عليّ هو الله"، أو مَن يعتقد إن الشيخ الفلاني يرزقه وبالتالي يعبده وينذر له ويذبح له، وقد قال الله: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) (الكوثر:2)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لَعَنَ اللهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللهِ) (رواه مسلم)، فمَن يقول: إن هذه النصوص تصنع الإرهاب هو يهاجِم الإسلام، ويهاجم التوحيد في الحقيقة؛ هذه الاعتقادات كما ذكر ابن تيمية "مِن خصاصة الربوبية التي لا تصلح إلا لله -تعالى-".

- ذكرتَ أن هذا الكلام ليس كلام ابن تيمية فقط، فهل تقصد أن الهدف هو مهاجمة كل أهل العلم؟!

في الحقيقة الهجوم ليس على ابن تيمية فقط، بل هم يهاجمون الأئمة الأربعة، وكذا البخاري ومسلم، وكتب التراث، ويهاجمون الأزهر الشريف أيضًا، فهي في الحقيقة مهاجمة للدين، وليستْ مهاجمة لفكرٍ إرهابي، وهذا هو الفكر الغربي الذي يقول عن الإسلام إنه مصدر الإرهاب!

- نشرت مجلة "النبأ" التابعة لتنظيم "داعش" الإرهابي تقريرًا منذ أشهر تحذر فيه القائمين على مسجد "الروضة"، وتصف مسجدهم بمسجد الضرار؛ فما تعليقكم على هذه الشبهة؟!

الكلام الذي نشرته النبأ التابعة لـ"داعش" مِن عام تقريبًا عن أن المسجد مسجد ضرارٍ، نقول: إن مسجد الضرار هو الذي نزل فيه قول الله -تعالى-: (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ . لَا تَقُمْ فِيهِ أَبَدًا لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ) (التوبة:107-108).

أولًا: لم يقتل النبي -صلى الله عليه وسلم- مَن فيه، ولكنه حرّق المسجد، ومنعهم مِن الاجتماع فيه.

ثانيًا: كان المسجد "إرصادًا لمَن حارب الله ورسوله مِن قبل"، فكان يتم فيه عقد اجتماعات سريه لمحاربة الإسلام، ولمَن يأتونهم مِن بلادٍ بعيدةٍ، فيجدون موئلًا ومكانًا يجتمعون فيه؛ هذا هو مسجد الضرار.

هل هؤلاء الناس والرجال والأطفال الذين كانوا يصلون داخل المسجد حتى ولو كان عندهم نوع مِن المخالفة؛ لعدم فهمهم وعلمهم، هل يصح أن يُقال عن عملهم الصالح الذين يقومون به مِن صلاة الجمعة في مسجدٍ يُذكر فيه اسم الله، أنهم يُعدون المسجد ليكون مكانًا لأعداء الإسلام؟! هذا كلام باطل لا يصلح، وهم لا يستطيعون إثبات ذلك.

فمسجد الضرار حتى لو ثبت أنه كذلك فلا يبيح قتل مَن يصلي فيه؛ لأنه لا يلزم أن كل مَن صلى في مسجد الضرار أنه كافر، ولو كفر فلا بد مِن استيفاء الشروط وانتفاء الموانع قبْل أن يحكم عليه بالردة، ثم مَن الذي يطبق ذلك؟! يطبق ذلك الحاكم وليس آحاد الناس، ولا يصح أن يطبقه هؤلاء الذين يصدون عن سبيل الله باستباحتهم للدماء المعصومة وبسلوكياتهم المرفوضة.

- هم يقولون عن مسلمي "مسجد الروضة" إنهم منافقون؟!

هذه جريمة بلا شك، وتطبيق للنصوص الشرعية التي وردت في الكفار والمنافقين على أهل الإسلام، ثم لا يعاملونهم حتى بمعاملة المنافقين، فأقول لهم: هل عاملتموهم كما عامل النبي -صلى الله عليه وسلم- عبد الله بن أبي بن سلول؟! والمنافقين الذين قال الله فيهم: (وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ) (التوبة:101)، مَن عَلِمهم النبي -صلى الله عليه وسلم- وأسرّ بأسمائهم لحذيفة -رضي الله عنه-، هل قتلهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟!

هم يقتلون مَن يشهد بأن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، ويزعمون أنهم بذلك يطبقون حكم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في مسجد الضرار، وهو وصف غير صحيح، ولا ينطبق على المساجد التي هي في بلاد المسلمين، وتقام فيها شعائر والعبادات.

- يزعمون أنهم يقيمون بالمسجد "حضرات" وأنها شرك، فما رأي حضرتك؟!

وجود الحضرة بالمسجد لا يَلزم منها الشرك، وحتى لو كان بالحضرة بدعة أو كلام باطل؛ فلا بد فيه مِن إقامة الحجة، ولا بد مِن تعليم الناس، فقد قام هؤلاء المتطرفون بفعلٍ منكرٍ عظيم باستحلال دماء الناس أثناء صلاة الجمعة؛ بسبب التكفير في غير موضعه، وبدون ضوابط.

- ما سبب ذلك؟!

عدم التفرقة بيْن البدعة والشرك، وعدم التفرقة بيْن الشرك الأكبر والشرك الأصغر، وعدم التفرقة بيْن النفاق والكفر في الأحكام، وعدم استيفاء الشروط وانتفاء الموانع، وعدم التفرقة بيْن كفر النوع وكفر العين؛ كل هذه المسائل لم يتعلموها ولم يدرسوها؛ فحملوا السلاح، وسفكوا الدماء المعصومة.

- البعض يهاجم مناهج الأزهر الشريف ويتهمها بأنها مِن أسباب تفريخ الإرهاب، فما تعليقك؟!

مناهج الأزهر أُلفت منذ مئات السنين، ولم نرَ خلال هذه السنوات إرهابيين مِن الأزهر، وقد كانت تدرس كاملة وبلا تحرزات، فكان بالكتب أبواب "الردة"، وأبواب "الجهاد"، وغيرها، وكانت تدرّس على مذاهب الأئمة الأربعة؛ فلماذا لم نرَ الإرهاب خلال مئات السنين الفائتة؟!

لذلك نقول: ليس الحل في إلغاء آيات مِن القرآن الكريم، ولا في إلغاء أبواب كاملة مِن الفقه، ولكن الحل في التدريس الصحيح لها، فالأزهر مناهجه لا تفرز إرهابيين، ولو أن واحدًا مِن الأزهر انتسب للأزهر، وصار إرهابيًّا بعد ذلك؛ فهذا بالضبط يشبه -على سبيل المثال- فردًا بالقوات المسلحة، وصار إرهابيًّا، أو ضابط شرطة واندمج مع الجماعات المتطرفة؛ فهل يصح أن نقول إن القوات المسلحة تفرِّخ الإرهاب أو إن تدريس الشرطة يفرخ للإرهاب؟! لا، هذا كلام باطل، وهو في الحقيقة ظلم وعدوان.

- البعض يدعي أن هناك نصوصًا موجودة في كتب الأزهر تَستدل بها الجماعات المتطرفة لتبرير أفعالهم؟!

مناهج الأزهر لا علاقة لها بالإرهاب، وليس معنى وجود بعض النصوص والعبارات الموجود عناوينها عند الجماعات التكفيرية أن الأزهر يفرخ الإرهاب، كلمة الجهاد موجودة في القرآن، وكلمة الشرك موجودة في القرآن؛ فهل نقوم بإلغاء هذه الآيات كما يطالِب الغرب؟!

بعض الناس في الغرب يطالبون بذلك فعلًا، يعتقدون أننا مِن الممكن أن يتم عندنا، كما يحدث في بعض ترجمات الإنجيل مثلًا، وهذا الكلام لا يمكن أن يقع عندنا، هذا مستحيل، ليس معنى أن الناس قد فهمت النصوص خطأ أن نغير النصوص!

إن الولاء والبراء موجود في القرآن الكريم، والحب والبغض موجود في القرآن، يقول الله -سبحانه تعالى-: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) (الممتحنة:4)، كل هذه النصوص موجودة في القرآن الكريم، والبعض في الغرب يرى حذفها مِن المصحف، ويتهم الإسلام كله بالتطرف بسببها.

- يحاول البعض الضغط على الأزهر لتكفير"داعش"، فما تعليقك؟

ألا يكفي أن يقول الأزهر: لا بد مِن قتل هؤلاء؟ هل القاتل لا بد مِن تكفيره حتى يُقتل أم يقتل قصاصًا؟ وكذلك المحارب الذي يشكل عصابة، والمفسد في الأرض الذي يقطع الطريق، وحكمه الشرعي أن يقتل أو يصلب أو تقطع يديه ورجليه مِن خلاف أو ينفى مِن الأرض، هل هؤلاء لا بد أن نكفرهم حتى نقتلهم؟ وكذلك الخوارج الذين قتلوا عليًّا -رضي الله عنه-، وعلي بن أبي طالب لا شك أنه أفضل مِن جميع الناس اليوم، وذلك مِن زمنه وحتى يوم القيامة هو أفضل الناس إلى نزول عيسى بن مريم -عليه السلام- فهو أفضل منه.

فماذا صنع علي بن أبي طالب مع الخوارج وابن ملجم؟ هل قتلهم؟ لا، فمَن تبقّي مِن الخوارج بعد مقتلهم في حروراء فرَّقهم في قبائلهم ومنع اجتماعهم ولم يعاملهم كمرتدين، بل ماذا صنع مع ابن ملجم الذي قتله؟ قال وهو في جراحه: إذا عشت فسأرى فيه رأيي، وإذا متُ فاقتلوه، وهذا يدل على أنه لم يَحكم بردته.

أما "داعش" فهم مِن الخوارج، وجمهور أهل العلم والأزهر يتابع جمهور أهل العلم مِن المذاهب الأربعة على عدم تكفير الخوارج، وهناك بعض أهل العلم مِن أهل الحديث يكفرون الخوارج، لكنه قول مرجوح، ويكفينا أن نقول: "مرقوا مِن الدين كما يمرق السهم مِن الرمية"، فمجموعهم مارق، وقد يكون بعضهم جاهلًا؛ أما "داعش" فهمْ كما قلتُ مِن قبْل "خوارج"، يُشرع قتلهم جزاء ما يفعلون ويسفكون مِن دماء المسلمين، وينطبق عليهم ما أخبر به النبي -صلى الله عليه وسلم-، فيقاتلون ومَن أُدرك منهم يُعاقب بما يستحقه، ولا يلزم مِن ذلك تكفيرهم، ألا يكفي أن نقول يُقاتَلون ويُقتَلون، وأنهم أهل بدع وضلال يستحقون العقوبة في الدنيا والآخرة؟!

- بعض الشباب على وسائل التواصل يقول إن مثل هذه العمليات المتطرفة مِن صناعة المخابرات... فما رأيك؟!

مَن يقول ذلك: هل يقصد مخابرات أجنية أم مصرية؟ لو كان يقصد المخابرات الأجنبية؛ فأنا شبه متأكد أن هذه التنظيمات مخترقة ممَن يريد أن ينفذ الفوضى الخلاقة، وقد استوقفني بيان نُشر على صفحات "الفيس بوك" منسوب لـ"داعش" يقولون فيها: "إننا استهدفنا المسجد الذي فيه شيعة وصوفية"، وكل مَن يعلم واقع سيناء يعلم أنها ليس فيها شيعة، يوجد بعض مَن يتلقى تمويلات مِن إيران وحزب الله في الجورة، وهي أعداد محدودة لا تتجاوز العشرة أو العشرين أو نحو ذلك، ولا يوجد في بئر العبد أو العريش شيعة على الإطلاق؛ فلماذا وضعوا هذا اللفظ؟!

هذا اللفظ ينبئك بأن هناك مَن يريد إشعال المنطقة بمثل هذه الأفعال، مَن المستفيد مِن هذا الكلام؟!

إن الناس يتعاطفون مع مَن يُقتل، فلو كان المقتول مِن الصوفية يتعاطف الناس مع الصوفية، ولو كان المقتول مِن الشرطة يتعاطف الناس مع الشرطة، وعندما قتل مصطفى عبد الرحمن تعاطف الناس مع السلفيين؛ لأنهم مظلومون؛ فوضع لفظ الشيعة لكي يتعاطف الناس مع الشيعة، ووجود هذه الأجهزة المخابراتية التي تريد تدمير البلاد: كالمخابرات الإسرائيلية، والإيرانية، وحزب الله، ووجودهم في المنطقة سهل مِن خلال وسائل اختراق سيناء الكثيرة.

وأما مَن يقول: إن هذه الأفعال مِن صناعة المخابرات المصرية، فنقول: أولًا هل عندكم بينة أو دليل على ذلك؟!

يقول الله -عز وجل-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) (الحجرات:6)، فما المصلحة في أن يظهروا صورة الدولة أنها عاجزة عن مقاومة هذه التنظيمات، أو أنها يحصل لها نوع مِن التكرار لهذه الأحداث المؤلمة بهذا الكم الهائل؟! هذا كله ضد الدولة، فكيف تنظمها؟! وما الفائدة منها؟!

هل الفائدة في استصدار قوانين مثلًا، أو الفائدة في محاربة هذه الأفكار، هم يحاربونهم فعلًا؛ فلماذا يخترعون مثل هذه الوقائع؟!

أنا أتذكر واقعة عندما حاولنا التوسط في عدم استخدام السلاح لدى هؤلاء، فحكوا لي أن هناك حوالي 25 شخصًا محكوم عليهم بالإعدام في أحداث ثورة يناير في أحداث اقتحام قسم شرطة العريش، وأخبروني أن هناك عناصر اجتمعت مِن كل مكان بأفكارٍ مختلفة، منهم: تكفير، وتوقف وتبين، وقطبية، وصدامية جهادية أو مَن يسمونها: "سلفية جهادية!"، وفي الحقيقة اسم السلفية تم وضعه لتشويه السلفية، وهؤلاء التكفيريون طوال حياتهم يشتمون السلفية، والتسمية بالسلفية تسمية مراكز غربية بحثية ليس لها أي أصل.

ومنهم طوائف أتت مِن صحراء النقب مِن إسرائيل بأسلحتهم وسياراتهم، واخترقوا الحدود بطريقةٍ ما، وتُركوا يذهبون ويعودون، واشتركوا في قتل المسلمين، وتركوا أعداء الأمة.

وهؤلاء يرددون أن: "قتال العدو القريب أولى مِن العدو البعيد"؛ فكيف أتوا كل هذه المسافة مِن إسرائيل على العريش، وتركوا إسرائيل وهم عدو قريب كافر، معتدٍ على البلاد، وأنتم مِن المفترض أنكم مِن عرب النقب، أي أنكم غير مصريين؛ فلماذا أتيتم لمصر لمثل هذه الأفعال؟! هذا الكلام يدلنا على أن هذه الجماعات مخترقة اختراقات واضحة جدًّا مِن أعداء الأمة.

لذلك مَن يقول: إن المخابرات المصرية أو أن الشرطة المصرية هي التي تفعل مثل هذه الأفعال؛ فهذا كلام سخيف في الحقيقة!

- لعلك شاهدت حوار عماد أديب مع أحد الشخصيات التكفيرية عقب أحداث الواحات... فما تعليقك؟

في الحقيقة هناك العديد مِن الشبهات التي طُرحت ولم يتم الرد عليها، وبينت أن الرجل يعتقد أنه يجاهد في سبيل الله، وكان لا بد مِن الرد على هذه الشبهات؛ فقد اعتُمد على الأسلوب العاطفي في الحوار، ولم يعتمد على الأسلوب العلمي.

ما هي أبرز الشبهات؟

بعضهم يرى أن الجيش المصري مرتد وبالتالي يستحل دمه، ونحن نقول: هذا كلام غير صحيح.

فأولًا: الدولة المصرية ينص دستورها على مرجعية الشرعية الإسلامية، وإن كان لم يتم تنقية القوانين بعد، ولكن المحكمة الدستورية العليا في أحكامها التي هي جزء مِن الدستور، تطالب المجلس التشريعي بتنقية المواد المخالفة للشريعة، وهذا مِن الجانب التأصيلي يمنع الحكم على الدولة المصرية وعلى جيشها المصري بالكفر أو الردة، ولا شك أن القوانين باعتراف المحكمة الدستورية لا زال هناك منها ما هو يخالف الشريعة، ولكن التأصيل أن الشريعة هي المرجعية، وما يخالفها باطل.

ثانيًا: هل أنت مِن أهل العلم حتى تحكم باستيفاء الشروط، وانتفاء الموانع التي تمنع مِن تكفير المسلم إذا وقع في فعل الكفر؟ إذ لا بد مِن ثبوت الردة أولًا، ثم لا بد مِن استيفاء الشروط وانتفاء الموانع؛ ولذلك فالقول بأن "الجيش المصري" مرتد، فرية عظيمة على طريقة الخوارج!

هل ترى أن استهداف المسجد والمصلين تطور نوعي لدى هذه الجماعات؟

استهداف المسجد في الحقيقة يحدث لأول مرة في مصر، ولكن هو موجود عندهم قبْل ذلك، وهناك أمثلة عديدة في السعودية والعراق وباكستان، فهو موضوع متكرر عندهم، كما تحدثنا عن شبهة "مسجد الضرار" التي يرددونها، لكن هذا التطور خطير؛ إذ لا يمكن حراسة كل المساجد التي بالجمهورية، ولذلك لا بد مِن البحث عن بؤر هؤلاء ومقاومتهم في بؤرهم، ومنع إمدادهم بأجيالٍ جديدةٍ مِن خلال التحصين الفكري.

- كيف يكون التحصين الفكري؟

التحصين الفكري لا يكون بمهاجمة ابن تيمية وابن عبد الوهاب والأئمة الأربعة، ولا بمهاجمة الأزهر؛ فضلًا عن الطعن في القرآن الكريم والسُّنة النبوية المطهرة، ولكن بنشر الفهم الصحيح.

وهنا أسأل: أليس الأمير محمد بن سلمان مِن أبناء الفكر الوهابي؟! والدولة السعودية قائمة على التحالف بيْن آل سعود وآل محمد بن عبد الوهاب، فمنذ أن نشأت 1919م الدولة السعودية؛ هل رأينا هذه الأفعال؟!

والسعودية بها شيعة وصوفية في الحجاز، وبها إسماعيلية في الجنوب، ومع ذلك لم يتم إبادتهم، ولم نرَ مثل هذه الأعمال الإرهابية.

لذلك نقول: إن العلاج يكون بتحصين الناس مِن خلال نصوص ابن تيمية نفسه -رحمه الله-، ونصوص ابن عبد الوهاب، والدعوة السلفية مِن أقدر الناس على المقاومة الفكرية لهؤلاء.