يا عرب... هل لكم مِن ذلك عبْرة؟!

  • 161

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد كان العالَم قبْل بعثة النبي -صلى الله عليه وسلم- يعيش حياة الجهل والوثنية، والظلم والقهر للأضعف؛ إذ أن العالَم كانت تحكمه قوتان عظميتان في أكثر أموره -إن لم تكن كلها-، وهما: "الفرس والروم".

وكانت كل دولة مِن الدولتين تخضع لها مِن ممالك العالم ما تخضع، حيث تقاسموا العالَم فيما بينهما.

وأما العرب فكانوا يعتزون بقوميتهم العربية، والتي كان مِن الممكن أن تكون سببًا في جعلهم قوة منافسة للقوتين العظميتين العالميتين، ولكن هذا لم يحدث؛ وذلك لأن القومية العربية كانت في حقيقتها عبارة عن قبلية ذات تشعبٍ وتفرعٍ كثير، مما يجعل الكيان العربي متشرذمًا في حقيقته، وإن حاول أن يتظاهر على الاجتماع على قوميته العربية.

فراية القومية القبلية مقدَّمة على راية القومية العربية، فهذا غساني، وهذا منذري، بل وهذا قرشي، وهذا نجدي! وهذا كذا، وهذا كذا... ! كلٌّ يعتز براية قبيلته ونظامها الذي تقوم عليه، وعلى استعداد أن يقاتِل أخاه العربي مِن أجل القبيلة، بل وكانت الحروب بينهم لا تتوقف ولا تنتهي، بل كان البعض فيهم يعمل لحساب الفرس، والآخر يعمل لحساب الروم، وربما يقتتلون لأجل ذلك؛ ولذلك لم تقم لهم دولة، ولم يكن لهم كيان بيْن الأمم.

 ولما كانت بعثة النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- وخلال عقدين أو ثلاثة مِن الزمن تحول حالهم إلى خير حال، حيث تحول هؤلاء العرب الذين لم يكن لهم قوة ولا كيان ولا ذكر بيْن الأمم، إلى أمة تتصدر الأمم، وتصدِّر لها النور والهدى، بل وصارت تهابها الأمم!

فما الذي حوَّلهم وغيَّرهم وبدلهم إلى هذا الحال الشريف؟!

إنه الإسلام، نعم لقد جاء الإسلام فوحَّدهم جميعًا على ما هو أشرف مِن القومية العربية، سواء فيما بينهم، أو مع غيرهم مِن الأمم، إنه الإسلام بعقيدته وشريعته وآدابه، وهذه قصة يطول شرحها، ولكن يلخصها قول ربنا -سبحانه وتعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ . وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) (آل عمران:102-103).

فهل لكم يا عرب مِن ذلك عبرة؟!

فاللهم اجمع كلمة المسلمين، وألـِّف بيْن قلوبهم، وانصرهم على عدوك وعدوهم.