حائط "البراق" لا "حائط المبكى!"

  • 398

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فحائط البراق هو السور الغربي للمسجد الأقصى، طوله 47م، وارتفاعه 18م، وعرضه 3.3 م، ومغمور منه تحت الأرض 19 صفًّا (سطرًا) مِن الحجارة الضخمة، يعلوها على سطح الأرض ستة أمتار مِن الحجارة المستطيلة الضخمة، يعلوها 14 صفًّا ( سطرًا) مِن الحجارة الأصغر حجمًا، تبدو أنها بنيت متأخرة عما سبقها، وأقرب أبواب المسجد للحائط يسمَّى (باب البراق)، وقد أغلقته قوات الاحتلال الإسرائيلية بعد احتلالها للقدس، وإعدادها ساحة حائط البراق للزوار مِن اليهود!

حائط "البراق" وقف إسلامي:

وهذا الجدار وقف شرعي إسلامي؛ لكونه جزءًا مِن المسجد الأقصى، ورغم وضوح ذلك تاريخيًّا عبْر قرون طويلة، فإن يهود هذه الأيام يزعمون كذبًا وزورًا أن هذا الحائط مِن بقايا الهيكل الذي بناه سليمان -عليه السلام-، ويتخذونه مزارًا دينيَّا لليهود مِن شتى بقاع الأرض! بل ورمزًا قوميًّا لدولتهم إسرائيل، برغم الفشل التام في إثبات أنه مِن بقايا هيكلهم، رغم الحفريات الكثيرة التي أُجريت حول الحائط والمسجد الأقصى، وتحتهما؛ بحثًا عن أي آثارٍ للهيكل في هذا المكان!

لذا فإن علماء الآثار لا يَعرفون لهذا الهيكل مكانًا محددًا حتى الآن، غير ما ذُكِر عنه في كتب أهل الكتاب مِن أنه بُني مرتين في هذه الأرض المباركة قبْل ميلاد المسيح -عليه السلام-، ودُمِّر مرتين؛ فتم تدمير البناء الأول في عهد "نبوخذ نصر" قبْل الميلاد، وتدمير البناء الثاني في عهد الحاكم الروماني عام 70 بعد الميلاد.

حائط البراق جزء مِن المسجد الأقصى:

- يُطلق المسجد الأقصى على كل الأسوار المحيطة بالمسجد مِن كل الجهات، وعلى كل ما يقع بداخل هذه الأسوار، فيتضمن: المسجد المعروف بالمسجد الأقصى الذي بناه الخليفة الراشد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، وهذا البناء مِن مناقبه، إذ هو إعادة لبناء سليمان -عليه السلام-، وإعادة المسجد مِن جديدٍ ليعبد الموحدون الله -تعالى- وحده في هذه الأرض المباركة، بعد ما وقع مِن اليهود مِن الكفر والشرك فُحرِموا منه، وعوقبوا بالشتات في الأرض مِن بعد هدمه -كما هو معلوم للجميع-.

- الساحات الواسعة غير المغطاة (بدون سقف) خارج بناء المسجد، ولكنها منه.

- مسجد قبة الصخرة الذي بناه الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان.

- المصلى المرواني الذي بناه الخليفة مروان بن الحكم.

- بالإضافة إلى المصاطب والأروقة، وأسبلة الماء والقباب، والأبواب والمآذن، وجدران المسجد، وسوره الحجري.

فاسم المسجد الأقصى اسم جامع للمسجد الذي بناه عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، ولكل ما في ساحته وحوله، مما تدور عليه أسوار المسجد في الاتجاهات الأربعة؛ وعليه فالثواب المضاعف بالصلاة في المسجد الأقصى يناله المصلي بالصلاة في أي جزءٍ أو بناءٍ مما دار حوله سور المسجد.

وهذا الأمر مما ينبغي التنبُّه إليه؛ إذ أن الكثير مِن عوام الناس يظن أن المسجد الأقصى مقصور على الجامع الذي بناه عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- بسقفه ومحرابه ومنبره، دون الساحات المكشوفة غير المغطاة بسقفٍ خارجه، وتقع داخل السور الحجري.

وقد أصدر العلماء في الضفة الغربية في عام 1967م فتوى بذلك؛ للتأكيد على حقيقة مسمى المسجد الأقصى، وقد أيَّد مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر هذه الفتوى.

وقد ورد في قصة "الإسراء والمعراج" أن كفار قريش لما أخبرهم النبي -صلى الله عليه وسلم- بالإسراء إلى المسجد الأقصى امتحنوه بأن طلبوا منه وصف المسجد، فأخذ يصفه لهم ويذكر أبوابه بابًا بابًا، وهي ما تبقى مِن أبوابه وسوره بعد هدمه؛ فلما أخبرهم بذلك تحققوا مِن صدقه.

الفتوى الشرعية ببيان حدود المسجد الأقصى:

في 15-8-1967م قام الحاخام اليهودي (بريجادير شلومو غورين) بالصلاة مع مجموعة مِن أتباعه في ساحة المسجد الأقصى في حماية قوات الاحتلال الإسرائيلية، وأعلن عن عزمه على تكرار هذه الصلاة في ساحة المسجد، وعن عزمه على بناء كنيس يهودي فيها، زاعمًا أن الساحة ليستْ مِن المسجد الأقصى، وأنها يهودية!

وكرد فعل لذلك؛ صدرت فتوى شرعية جماعية مِن علماء المسلمين في الضفة الغربية المحتلة بتاريخ 22-8-1968م تبيِّن أن المسجد الأقصى هو جميع ما دار عليه سور المسجد، فيدخل فيه مسجد قبة الصخرة، وجميع المباني والساحات والأراضي داخل السور.

وتأييدًا لصحة الفتوى وسلامتها بأدلتها الشرعية والتاريخية؛ فقد أعلن المؤتمر الرابع لمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الذي انعقد في أواخر عام 1968م موافقته عليها، كما أيَّد الفتوى أيضًا المؤتمر الخامس لمجمع البحوث الإسلامية في مارس 1970م بحضور علماء مِن العالم الإسلامي مِن خارج مصر.

ارتبط "حائط البراق" عند المسلمين بقصة الإسراء والمعراج، حين أُسري بالنبي -صلى الله عليه وسلم- مِن مكة إلى بيت المقدس، ثم عُرج به مِن بيت المقدس إلى السماء، حيث استخدم النبي -صلى الله عليه وسلم- في رحلته تلك دابة تسمى (البراق)، ومِن اسم هذه الدابة جاءت تسمية حائط البراق بهذا الاسم، وفي الحديث المرفوع: (أُتِيتُ بِالْبُرَاقِ، وَهُوَ دَابَّةٌ أَبْيَضُ طَوِيلٌ، يَضَعُ حَافِرَهُ عِنْدَ مُنْتَهَى طَرْفِهِ، فَلَمْ نُزَايِلْ ظَهْرَهُ -أي نفارق- أَنَا وَجِبْرِيلُ حَتَّى أَتَيْتُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ فَفُتِحَتْ لَنَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَرَأَيْتُ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ) (رواه أحمد، وحسنه الألباني)، وعند مسلم مرفوعًا: (فَرَكِبْتُهُ حَتَّى أَتَيْتُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ فَرَبَطْتُهُ بِالْحَلْقَةِ الَّتِي تَرْبُطُ بِهَا الْأَنْبِيَاءُ)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (لَمَّا انْتَهَيْنَا إِلَى بَيْتِ المَقْدِسِ قَالَ جِبْرِيلُ بِإِصْبَعِهِ، فَخَرَقَ بِهِ الحَجَرَ، وَشَدَّ بِهِ البُرَاقَ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).

وذكر ابن كثير -رحمه الله- في تفسيره لأول سورة الإسراء أن البراق كان يحج عليه إبراهيم -عليه السلام-، ويزور به ابنه إسماعيل -عليه السلام- في مكة. وسمِّي البراق بهذا الاسم؛ لشدة بريقه، وقيل: لشدة سرعته كالبرق.

وحائط البراق أثر إسلامي مِن الوقف الإسلامي، لكنه ليس له عند المسلمين ما يميزه عن غيره مِن أجزاء وسور المسجد، ولا يخصصه المسلمون بشعائر أو عبادات تُقام عنده مِن دون سائر المسجد.

أما اليهود بما عهد عنهم مِن اختلاقٍ للأكاذيب والمبالغة فيها، وتصديقهم لأنفسهم فيما يدعونه؛ حولوا هذا الحائط إلى رمزٍ دينيٍ وقومي، حتى صار مِن أشهر المعالم عندهم!

وجعلوا ساحاته مكانًا لعقد الاحتفالات بالمناسبات الوطنية، والمؤتمرات، وحفلات تخرج الجيش، إلى جانب كونه مزارًا دينيًّا ربطوه بشعائر وعباداتٍ وصلوات، مع أنه لم يثبت أن هناك أي أثرٍ تاريخي لليهود رغم كثرة عمليات البحث والتنقيب التي أُجريت في المنطقة، ولم يكن قطعًا في أصل دينهم هذه الشعائر والعبادات عند هذا الجدار، ومثل هذه الدعاوي والأعمال ليستْ بغريبةٍ على مَن عرف اليهود وطباعهم، وجرَّب أحوالهم وتصرفاتهم، وعلم ما هم عليه عبْر تاريخهم مِن الضلال والتحريف.

تاريخ اليهود مع حائط البراق:

بعد الفتح العثماني للشام بدأت هجرة يهودية مِن أسبانيا إلى الشام في أعقاب طرد الأسبان للمسلمين واليهود مِن الأندلس، وذلك حوالي عام 1520م، ومِن باب التسامح مع اليهود أذِن السلطان العثماني سليمان القانوني عام 1566م لليهود بالدخول إلى أسوار بلدة القدس القديمة والاقتراب مِن حائط البراق، حيث عهدوا البكاء والنواح عنده إذ يذكِّرهم بخراب هيكلهم، وعمدوا إلى قراءة المزامير عنده وتقبيل أحجاره، ثم وضعوا لزيارته أدعية خاصة، بل وصلوات! وقد بدأت صلوات اليهود عند الحائط مِن عام 1625م.

وفي عهد "محمد علي باشا"، وفي فترة وجوده بالشام (1831م -1840م ) طالب اليهودُ بشراء أراضي وأملاك وعقارات في فلسطين والقدس؛ فمنعهم "محمد علي" مِن ذلك، وأمرهم بعدم رفع أصواتهم عند الحائط، وقد تكررت محاولات الشراء بعد ذلك، ولكن باءت بالفشل.

وفي عهد "إبراهيم باشا" سمح لليهود بالاقتراب مِن الحائط مقابل 300 جنيه إنجليزي تسدد سنويًّا لجهة الوقف المسئولة عن المكان، وعندها بدأ اليهود في اصطحاب الكراسي والحصر للجلوس عليها، وجلب الستائر والمصابيح معهم، رغم أن المكان لا يعدو أن يكون ممرًا للمشاة؛ تقدَّم ناظر الوقف بشكوى لإدارة لواء (ولاية) القدس عام 1911م؛ فتم منعهم مِن جلب أي أدواتٍ معهم عند زيارة الحائط.

وجاء إعلان "بلفور" في نوفمبر 1917م، ثم وضع فلسطين والقدس تحت الانتداب البريطاني ليشجع اليهود على السلوك العدواني تجاه المسلمين في فلسطين؛ مما أدى إلى ثورة البراق عام 1929م.

ثورة البراق:

في سبتمبر 1929م قررتْ إنجلترا تطبيق ما قررته في الكتاب الأبيض الذي أصدرته، والذي يعطي اليهود حق المرور إلى الحائط/ وإقامة شعائر العبادة اليهودية عنده، مع تحديد الأدوات التي يحق لليهود اصطحابها إلى المكان، مع التأكيد على ملكية المسلمين للمكان، وكان المؤتمر الصهيوني العالمي السادس عشر -والذي عقد في (زيورخ)- قد أوصى ببذل الجهود لإعادة بناء الهيكل المزعوم لليهود؛ مما ترتب عليه خروج مظاهرات يهودية في يوم الأربعاء 14 أغسطس 1929م، وتجمعها عند الحائط حاملة للعلم اليهودي وهي تهتف: (الحائط حائطنا!).

وفي يوم الجمعة 16 أغسطس اندلعت المناوشات بيْن اليهود والفلسطينيين، والتي استمرتْ لمدة أسبوعين، وعُرفت في التاريخ بـ(ثورة البراق)، والتي امتدت إلى كل المدن الفلسطينية في أعقاب ما قام به اليهود المتحمسين مِن الاعتداء على المسلمين، وأسفرت الاشتباكات العنيفة بين الطرفين عن استشهاد 116 فلسطينيًّا وإصابة 232 مصابًا، ومقتل 133 يهوديًّا وإصابة 329 مصابًا.

واضطرت بريطانيا إلى إخماد هذه الثورة باستدعاء قوات عسكرية إنجليزية مِن مصر، وعمدت إلى معاقبة الفلسطينيين بإعدام ثلاثة مِن الفلسطينيين في 17 يونيو 1930م، ولم توقـِّع أي عقوبةٍ على اليهود.

وقد رأت بريطانيا تشكيل لجنة للتحقيق برئاسة (والتر شو) للتعرف على أسباب هذه الاضطرابات لتجنب تكرارها، فأوصى (شو) بإرسال لجنة دولية للتحقيق في حق العرب واليهود في حائط البراق، فتم تشكيل لجنة منبثقة مِن (عصبة الأمم ) بعد موافقتها على توصية لجنة (شو)، والتي وصلت القدس في 19 يونيو 1930م، وأقامتْ فيها شهرًا؛ للتحقيق والاطلاع على الوثائق وسماع الشهود.

وفي النهاية أقرَّت (عصبة الأمم) بحق المسلمين في ملكية الحائط، وأصدرت تقريرًا باسم: (مرسوم الحائط الغربي) وفيه: "للمسلمين وحدهم تعود ملكية الحائط الغربي، ولهم وحدهم الحق العيني فيه؛ لكونه يؤلـِّف جزءًا لا يتجزأ مِن ساحة الحرم الشريف، التي هي مِن أملاك الوقف، ولهم أيضًا تعود ملكية الرصيف الكائن أمام الحائط، وأمام المحلة المعروفة بحارة المغاربة؛ لكونه موقوفًا بحسب أحكام الشرع الإسلامي لجهات البر والخير".

والمقصود بالرصيف الكائن أمام الحائط، رصيف كان موجودًا قبْل دخول اليهود القدس عام 1967م، وكان على هيئة ممر عرضه 4 أمتار، أما حي المغاربة (حارة المغاربة) الذي كان في مواجهة الحائط ودمره اليهود بعد احتلال القدس في يونيو 1967م فمعلوم تاريخيًّا أن حي المغاربة (حارة المغاربة) يعود تاريخه إلى أواخر القرن السادس الهجري (الثاني عشر الميلادي) حيث أوقف مباني هذا الحي الملك الأفضل نور الدين بن صلاح الدين الأيوبي -رحمهما الله تعالى- على طائفة المغاربة الوافدين مِن بلاد المغرب إلى بيت المقدس؛ لما كثر عدد زائريهم بعد تحرير صلاح الدين للمدينة مِن الصليبيين.

عند اليهود كان بناء الهيكل (هيكل سليمان ) بأمرٍ مِن ملكهم سليمان بن داود -عليهما السلام-؛ إذ أن اليهود لا يقولون بنبوة داود أو سليمان، فهما عندهم ملكان لا نبيان، وأنه بناه ليكون بيتًا للرب، تُقدَّم فيه القرابين في المناسبات الدينية، ولكن اليهود عمدوا إلى حائط البراق -وهو ما تبقى مِن الهيكل في زعمهم أو يشير إليه- فأدخلوه في عباداتهم وصلواتهم اليومية إلى جانب البكاء والنواح عنده.

جاء في كتاب (القدس مدينة واحدة عقائد ثلاث) للكاتب الأمريكي (كارين أرمسترونج) عن بداية وضع اليهود مع حائط البراق: "لم تكن تقام هناك طقوس رسمية للعبادة، غير أن اليهود كانوا يحبون قضاء فترة ما بعد الظهيرة هناك يقرءون المزامير ويقبلون الأحجار... وسرعان ما اجتذب الحائط الغربي أساطير كثيرة فقد تم ربط الحائط بأقاويل مِن التلمود تخص الحائط الغربي، وهكذا أصبح الحائط رمزًا لليهود".

إن المتتبع لتاريخ اليهود عند الحائط يلاحِظ مِن غير عناء كيف تطورت العبادة عند حائط (البراق)؛ فقد بدأت بالبكاء والنواح، ثم ابتدع لهم حاخاماتهم دعاءً خاصًّا يرددونه في صلواتهم عند الحائط، وهو قَسَم وعهد على إعادة بناء الهيكل، وتحولت العبادة هناك إلى صلاةٍ كاملة، وكأنهم في كنيس (أي معبد يهودي)، يضعون عنده ما يسمَّى بـ(تابوت الشريعة) الذي يحتوي على الوصايا العشر، وتقام عنده الصلوات اليهودية المفروضة في اليوم ثلاث مرات، الموسومة بـ( شحاريت) وهي صلاة الفجر، و(منحة) صلاة نصف النهار، وصلاة (معاريف)، وهي صلاة المساء، مع وجوب لبس (الطاليت)، وهي كلمة عبرية تعني شال الصلاة، يوضع على الرأس والأكتاف، كما يلبس كذلك (التيفيلين)، وهما علبتان مِن الجلد بداخلهما آيات مِن التوراة، وهي نوع مِن التمائم والتعويذات يعتقدون أنها تعصمهم مِن الخطأ والذنوب، تثبتان بشرائط جلدية على الذراع الأيسر مقابل القلب، وعلى الجبهة مقابل المخ، ويشرع لبسه للصلاة الصباحية، وينبغي على اليهودي أن لا يتهاون في إيقاعها على الأرض حتى لا يضطر أن يكفـِّر عن ذلك بصيام يوم كامل.

تطلع اليهود إلى الحائط الجنوبي:

ومع تمادي اليهود في تهويد القدس تمادوا في نظرتهم إلى أسوار المسجد الأقصى حيث بدأ المئات مِن المتطرفين اليهود في مباشرة طقوس دينية عند الجدار الجنوبي للمسجد الأقصى أسفل قبة المسجد، وأعلن أنه سيكون هناك صلاة كل يوم اثنين وخميس مِن كل أسبوع، وعمد بعض اليهود إلى وضع قصاصات مِن أوراق التمائم والتعويذات داخل حجارة الجدار الجنوبي للمسجد الأقصى كما يفعلون في الجدار الغربي (حائط البراق) للمسجد.

الحفريات عند حائط البراق:

ومِن تمادي اليهود أنهم لم يكتفوا بما تمَّ مِن حفرياتٍ وتنقيب في مدينة القدس القديمة، بل خصصوا حائط البراق بالحفر والتنقيب حوله بحثًا عما يدل على وجود هيكلهم عنده، ولم يجدوا ما يدل على ذلك، ولكنهم جعلوا مِن هذا الحفر وسيلة لشق نفق عند الحائط يربط بيْن (ساحة البراق) و(طريق الآلام)، والذي تمَّ شقه ثم افتتاحه في عام 1996م، رغم الاعتراضات العربية والدولية؛ إذ تهدد هذه الحفريات المسجد الأقصى بالانهيار، وقد انهار في 15 فبراير 2004م جزء مِن الطريق المؤدي إلى باب المغاربة، أحد الأبواب الرئيسية للمسجد الأقصى، بسبب عمليات الحفر تحته، وقد شهد افتتاح هذا النفق، رغم اعتراض الفلسطينيين على افتتاحه، أحداثًا دامية نتيجة تصدي الفلسطينيين لفتح النفق، وتصدي قوات الاحتلال الإسرائيلي لهم، حيث سقط 85 فلسطينيًّا شهيدًا، وأصيب 1500 آخرون؛ بالإضافة إلى مقتل 14 يهوديًّا.

تهويد ما حول حائط البراق:

يتخذ اليهود مِن حائط البراق بوابة للاقتحامات المتصاعدة لساحات المسجد الأقصى مِن اليهود المتدينين في حراسة قوات الاحتلال للتجول وإقامة شعائرهم وطقوسهم فيها في استفزازٍ صريحٍ للمسلمين المصلين بالمسجد.

وقد افتتحت سلطات الاحتلال مؤخرًا كنيسًا (معبدًا يهوديًّا) جديدًا للصلاة فيه أسفل حائط البراق، والذي استغرق بناؤه 12 عامًا، وأظهرت صوره المنشورة ما فيه مِن الغرف الممتلئة بصفوفٍ مِن المقاعد الخشبية.

ويسعى اليهود إلى بناء مجمعٍ سياحي وتجاري في الساحة الخارجية لباب المغاربة لتشجيع زيارة المكان، وجلب أنظار يهود العالم إلى الحائط لزيارته على مدار العام.

وقد أدخل اليهود بروتوكولًا لزيارة الحائط الغربي لغير اليهود.

وممَن زاره الرئيس الأمريكي (بوش) خلال زيارته لمدينة القدس عام 1998م عندما كان حاكمًا لولاية تكساس، ومِن بعده زاره رؤساء آخرون، كان آخرهم "ترامب" -الرئيس الحالي لأمريكا-، كما زاره الرئيس الروسي (فلاديمير بوتين) في أبريل 2005م، وقام بابا الفاتيكان أيضًا بزيارته بما يعد إقرارًا علنيًّا لموقف اليهود مِن هذا الحائط!

وقد نشرت جريدة (معاريف) الإسرائيلية في أوائل مارس 1984م أن لجنة القانون والقضاء التابعة للكنيست الإسرائيلية أصدرت قرارًا بإخراج حائط البراق مِن سلطة دائرة الأوقاف الإسلامية.

محاولة إقامة حائط مبكى في سيناء:

ومِن عجائب هؤلاء اليهود أنه أثناء الاحتلال العسكري لسيناء مِن قِبَل القوات الإسرائيلية بعد حرب يونيو 1967م، اتخذ اليهود صخرة بارتفاع 30 مترًا عن سطح الأرض نصبًا تذكاريًّا لقتلى الجيش اليهودي الذين قُتلوا أثناء العدوان الإسرائيلي على سيناء لاحتلالها، وأطلقوا عليها اسم (صخرة ديان)، فكان يتوافد عليها أفواجًا مِن اليهود -قبْل إجبارهم على الخروج مِن سيناء وإعادتها كاملة لمصر- يبكون ويصلون عندها، كما يفعلون عند "حائط البراق" في مدينة القدس!